| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

                                                                                    الجمعة 16/9/ 2011



ما بعد جريمة النخيب

مالوم ابو رغيف

رغم ما للمؤسسات والأنظمة والقوانين من دور في تكوين الدولة إلا أنها تبقى قاصرة غير فاعلة لا تعني شيئا إن غاب عنصر هام وفعال من عناصر الدولة وهو شعور المواطنين بالانتماء إليها. الدولة مثل العشيرة والقبيلة تزداد قوة ومناعة كلما تقوت واشتدت أواصر ولحمة الانتماء، وهذا الانتماء هو الذي يجعل المنتمي يلتزم بالقانون مختارا لا مجبرا. لذلك لم تكن الكيانات الدكتاتورية يوما دولا حقيقية، فليس من يفتخر بالانتماء إليها، ويتركها مواطنوها إلى غيرها من الدول، مهاجرون أو لاجئون لا يصيبهم مرض الحنين إلى الوطن، ولربما لاموا حظهم العاثر إنهم ولدوا فيها.

لم يكن العراق يوما دولة إلا في فترة قصيرة، هي فترة الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم، لقد استطاع هذا الرجل الشجاع إن يجعل الانتماء إلى العراق هو القاسم المشترك بين المواطنين، كان هذا القاسم المشترك هو الدافع والمحرك الأول في الدفاع عن ثورة تموز أثناء التصدي لمؤامرة 63 الدموية إذ خرجت جميع فئات الشعب وشرائحه للدفاع عنها، لقد كان انتماء فاق على كل الانتماءات الدينية والقومية والطائفية، بينما في الفترات السابقة كان شعور المواطنين هو شعور المحكومين، شعور نزلاء في سجن وان كان وطن، يتمنون تكسير قضبان زنازينه.

اليوم العراق ليس بدولة لا بمعنى القانوني ولا بمحصلة الانتماء. فأي معنى لدولة القانون إذا كان مسئولوها هم مفسدوها، يسرقون ما ائتمنوا عليه ويتمسحون بالقوانين كما يمسح المتغوط مؤخرته بورق التواليت.؟

وأي معنى للقانون إذا كان من يشرعه هو أول من يدنسه؟

وأي معنى للدولة إذا كان كل شيخ عشيرة ورئيس عصابة ورئيس طائفة ورئيس حزب يأمر وينهي ويهين ويتوعد ويهدد ويقطع الطرق والرقاب والأرزاق.؟

وأي دولة تلك التي قُسمت ثم وزعت حصصا واسهما وغنائما .؟

أي دولة تلك التي لا يعرف مواطنوها أين تعيش عوائل حكامها وأي وظائف يحتل إخوانهم وأبناءهم وبناتهم والمقربون من عشيرتهم.؟

أي دولة تلك التي يُقتل مواطنوها على الطرقات وتغتالهم العبوات بينما تصرف مخصصات خطورة لنواب لا يخترق الرصاص سياراتهم المصفحة.؟

أي دولة تلك التي يكون السياسي الحاذق والماهر الشاطر فيها هو السياسي الذي يجيد فن الفساد والفرهدة والبارع في فن تزوير الوثائق والمتمكن في تهريب الأموال والنفط والآثار؟

وأي انتماء وطني نتحدث عنه إذا كان كبار رجال الحكومة يشعرون بأنهم ينتمون أولا وقبل كل شيء إلى طوائفهم وعشائرهم وقومياتهم وليس إلى وطنهم؟

ولعل ما حصل في النخيب من جريمة موغلة بالوحشية والهمجية وما أعقبها من ملابسات بين شيوخ عشائر الانبار وسلطات مدينة كربلاء يشير بوضوح إلى إن العراق لا تحكمه القوانين ولا الأنظمة، بل تحكمه القيم والأعراف العشائرية وانه لم يزل مشروع دولة أو دول أو إمارات دينية أو مشايخ.

فزعماء قبائل الانبار، علي حاتم واحمد أبو ريشة وغيرهم تمردوا وهددوا وأعلنوا بشن حرب عشواء لا تبقى ولا تذر إن لم يعاد إليهم المتهمين بقتل 22 أنسانا شاء حظهم العاثر إن يصدقوا كلام الحكومة ووعود الصحوات بأن الطرق قد أصبحت مأمونة أمنة فدفعوا حياتهم ثمنا لهذا التصديق بكلام من لا صدق له.

لقد شعر شيوخ الانبار، كما قالوا، بإهانة وشدخ في الكرامة أن تأتي قوة كربلائية لتقتاد المطلوبين الانباريين من قضاء الرطبة إلى كربلاء دون استحصال موافقتهم أولا. هؤلاء الشيوخ الذين يئنون ويتوجعون لإهانة لحقت بهم كما يدعون، لم يشعروا ولو بقدر قليل من الوجع على الإهانة التي ستلحق بهم لأن عصابات الإرهاب اتخذت من مدنهم وقراهم أوكارا ومقرات ومنها انطلقوا مجهزون بالأسلحة وبالنيات الوسخة ليقتلوا 22 أنسانا.؟

لكن من ناحية أخرى

فإن الأجواء والبهرجة الاحتفالية، التي رافقت مجيء القوات الكربلائية القابضة على المتهمين أثناء دخولها إلى مدينة كربلاء، خلقت انطباعا وتصويرا ذهنيا، بان هذه القوة قد أنهت بنجاح غارة عشائرية وليس مهمة عسكرية أمنية.! لقد أثار المسئولون في كربلاء شعورا عشائريا إن لم نقل طائفيا في نفوس العشائر الانبارية بأنها الأضعف التي لا يؤخذ رأيها ولا مشورتها بنظر الاعتبار في ساعة الحسم.

وهكذا أصبحت المسألة المركزية ليست الجريمة الجبانة بل كيف توفق الحكومة في استرضاء شيوخ عشائر الأنبار وتمسح عنهم الأهانة التي شعروا بها وما هي الطرق الناجحة في رأب الصدع بين مسئولي كربلاء ومسئولي الأنبار.

وفي هذه العملية، وكما عودنا المسئولون سينسون الضحايا وينسون دموية الجريمة وبشاعتها ويهملون الجناة وسير التحقيق ويهتمون بتبويس اللحى.





 

 

free web counter