| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

                                                                                    الأربعاء 15/6/ 2011



جريمة عروس التاجي والمزايدات السياسية

مالوم ابو رغيف

لا شك بان جريمة زفة العرس هي جريمة بشعة ومرعبة بكل المقاييس، تهز وجدان الناس مهما كانت انتماءاتهم الدينية والسياسية، تقشعر لها الأبدان بما فيها أبدان أولئك الذين تعودت أعينهم على رؤية الجثث مرمية في الشوارع تنهشها الكلاب والقطط أيام الحرب الأهلية.

ولا شك أيضا إن ما من احد إلا ويتمنى إنزال اقسي العقوبات بمن خطط لها وتعاون وساعد على تنفيذها وبمن سكت وهو عارف عالم بتفاصيلها وبمن ارتكبها وبمن شارك في ارتكابها مهما كانت درجة الاشتراك.

الجرائم ومهما بلغت بشاعتها وهمجيتها وطريقة تنفيذها، مسبباتها ودوافعها تعرض في ساحات القضاء وليست في ساحات الميادين العامة، والكلمة الأخيرة والحاسمة هي كلمة القاضي وليس كلمة الناس مهما كان غضب الناس ورأيهم بالجريمة.

فأن تظاهر الناس، ومهما كانت دوافعهم وطريقة خروجهم إلى الشارع، أكانوا مدفوعون أو مندفعين ، أكانوا منظمين أو عفويين، فأن ذلك يؤشر إلى إنهم غير مقتنعين ولا واثقين بالسلطة القضائية ولا بالحكومة ولا بعدالة القضاة ولا بنزاهتهم.

وعندما يخرج الناس ويحددون نوع العقاب، فان خروجهم يشكل ضغطا على القاضي لا بد وانه سيؤثر على قراره، فأما إن يكون القرار والحكم منسجمان أو متناقضان مع قناعته وميوله، والميول هي إحدى نقائص القضاء ومؤشر على فساده.

المظاهرات الاحتجاجية على الجرائم لا تستبق مجريات المحاكمات بل تصاحب سير إجراءاتها ، هي نوع من عوامل الضغط على القضاة لإنزال أقسى الإحكام بحق المدانين، وهي أيضا طريقة لإيصال صوت الناس الرافض للإرهاب وجرائمه الدينية. هذه النوع من المظاهرات لا تقام ولا يحشد لها في الميادين العامة بل أمام بنايات المحاكم والسلطات القضائية.

هذا النوع من المظاهرات الاحتجاجية ضد الجرائم دائما ما يكون مصحوبا بإجراءات أمنية مشددة، فتحرص السلطات التنفيذية ممثلة بقواتها الأمنية على اتخاذ جميع الضوابط والاحتياطات لمنع أي احتكاك أو إثارة لإعمال العنف والشغب، فمن غير المستبعد إن ينقلب مزاج المتظاهرين إلى مزاج ثوري ويحدث ما لا يحمد عقباه.

لكن الذي رأيناه هو عدم حرص المالكي الملفت للنظر، مع إن عدم الحرص من صفات وميزاته الدائمة إذا ما تعلق الأمر بالقضايا التي تهم الناس، فهو والواقع يثبت، انه لم يكن حريصا على المال العام ولا على رفع المستوى المعيشي والصحي والاقتصادي والاجتماعي ولا على توفير الخدمات للمواطنين، فلقد دعا إلى مظاهرة حشد فيها مجاميع مجالس الإسناد مسلحين بالعصي والسكاكين، أتى بهم من أماكن مختلفة، وكأن بغداد قد ضاقت فلم يجد لهم من ساحة ولا مكان إلا ساحة التحرير الضيقة، فزج بهم هناك حيث اعتاد الشباب المطالب بإصلاح النظام التجمع أيام الجمع لإسماع أصواتهم المعارضة للفساد وللعبث الحكومي المستمر بالمال العام والمنادي بالإصلاح.

مظاهرة المالكي لم تكن مظاهرة احتجاجية، كانت مظاهرة انتقامية ليس من القتلة والسفاحين والإرهابيين، بل من المحتجين على الأوضاع المزرية المطالبين بالإصلاح.

إن من يريد إنزال حكم العدالة بالسفاحين والمجرمين والارهابيين عليه إن لا يستغل الحوادث لمصالح وغايات سياسية. لقد استغل المالكي جريمة بشعة من اجل الإجهاز على غرمائه السياسيين وعلى منظمات المجتمع المدني غير التابعة لحزب الدعوة ومن ضمنها منظمات حقوق الإنسان كون المجرم فارس الجبوري كان عضوا فيها إحداها.

السيد المالكي يعرف بشكل جيد بان الدولة بجميع مفاصلها، بجميع سلطاتها ودوائرها، وحتى المرجعيات الدينية والثقافية والصحفية كلها قد اخترقها الإرهاب والبعث والاستخبارات الأجنبية.

فهل يعتقد إن منظمات المجتمع المدني ومن ضمنها منظمات حقوق الإنسان هي الوحيدة التي يجب إن تتحلى بالعصمة فلا يمسها رجس ولا دنس إرهابي ولا بعثي أو وهابي.؟

لقد أراد المالكي إن يضرب عصفورين بحجر

الأول استغلال جرائم الإرهاب لخدمة مصالحه السياسية والإجهاز على منافسيه،

والثاني إفشال المظاهرات المطالبة بالإصلاح والتشكيك بالمحتجين وبمنظمات المجتمع المدني والأحزاب التي تتعاطف مع مطالب الشباب.

جريمة عروس التاجي البشعة ليست هي الجريمة الأولى من نوعها، لقد سبقتها جرائم كثيرة في منتهى البشاعة والوحشية والهمجية، وقد عرضت قناة الفيحاء الفضائية مشكورة قسما من اعترافات الإرهابيين، فوصفوا وصفا دقيقا طرق الاغتصاب والقتل حتى إن احدهم وصف كيف انه، وبعد جريمة الاغتصاب قطع ثديي الضحية عضا بأسنانه وتركها تموت نزفا.

نحن هنا لا نتساءل عن لماذا لم تتظاهر مجالس الإسناد ولماذا لا يخرج الناس محتجون على إنزال العقاب بالقتلة والإرهابيين بعد جرائهم الكثيرة التي يندى لها جبين الإنسانية، بل نتساءل.

لماذا لم تخرج الناس إلى الشوارع تطالب بنشر نتائج لجان التحقيق التي شكلها المالكي بعد حدوث الجرائم الإرهابية العديدة، ولماذا لم تنشر التفاصيل ولماذا تغلق قضايا الإرهاب بأسرع مما تفتح، ولماذا لا تقوم الحكومة بجلب المتهمين بقضايا الإرهاب الكبرى مثل ناصر الجنابي واسعد الهاشمي وعدنان الدليمي وأولاده وهم أما في سوريا أو في الأردن؟

لماذا لم تخرج الناس محتجة مطالبة بمحاسبة المسئولين عن تهريب المجرمين والإرهابيين من السجون الحصينة؟

لماذا لم تخرج محتجة وهي ترى كيف إن السلطات تعيد الإرهابيين إلى أوطانهم على متن طائرات خاصة.؟

من الخطأ الفادح استغلال الجرائم بحق الإنسانية لأهداف سياسية وطائفية فان ذلك بالإضافة إلى انه استغلال غير مشروع ومتاجرة بالآلام وأحزان الآخرين، فانه يبعد عنها التعاطف الإنساني ويضعها ضمن صراعات القوى السياسية المتحاربة والمتنافسة فيما بينها حيث ستكون موضوعا للصراعات السياسية والمزايدات الكلامية بدلا من إحقاق الحقق وإنزال القصاص وتحقيق العدالة كاملة غير منقوصة.














 

 

free web counter