| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

الثلاثاء 14/12/ 2010



للتزوير رب يحميه

مالوم ابو رغيف

أراهن بان ما من احد سمع أو قرأ، بان دولة مهما كان صغر مساحتها وقلة عدد سكانها، دكتاتورية أو ديمقراطية، ملكية أو جمهورية، غنية أو فقيرة، على هامش التاريخ أو في المركز منه قد أصدرت قرارا علنيا بالعفو عن المزورين والفاسدين الذين شغلوا مناصباً ووظائفاً صغيرة أو كبيرة في الدولة عن طريق تزوير الشهادات والوثائق الأكاديمية.

لا يوجد دستور ولا قانون ولا دين، لا عرف اجتماعي أو عرف عشائري ، ولا توجد سنة نبوية ولا فتوى مذهبية في العالم كله تنص على العفو عن الغشاشين والمزورين، فهؤلاء يخضعون لطائلة القانون ويحكم عليهم دون رأفة، لأن جرائمهم مخلة بالشرف وهم لا يبتزون الدولة وحدها، بل يهينون الشعب الذي يبذل أبناءه كل جهودهم ليلا ونهارا للتحصيل العلمي والمهني ليشغلوا مناصبا هم الأنسب لها وإذا بها مشغولة بحملة الشهادات المزورة والألقاب الفالصو من الذين لا يجيدون إلا هتاف عاش دولت الرئيس عاش الحزب.

وإذا كان الحديث النبوي يقول إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة صاحبها في النار، فان العفو عن المزورين اكبر من بدعة، فهو مخالفة قانونية وخرق دستوري وانتهاك حقوقي ودعم للفساد وأهله، هو ضلالة دينية واجتماعية لا يقدم عليها إلا مستهتر بالقانون ومستخفا ومزدريا للشعب.

فهل تتوقع كتلة دولة القانون من الشعب إن يثنى عليها ويصفق لها ويبارك خطوتها لأنها ناصرت المزورين والمنتحلين والأفاكين، لأنها سامحتهم وعفت عنهم وربما أبقتهم في مناصبهم لحاجتها الماسة إليهم.؟

أما التبرير الذي قاد للعفو عن المفسدين والمزورين فهو كما قاله علي الأديب القيادي في حزب الدعوة ويتفق معه جوقة المطبلين وفي مقدمتهم المزورون والغشاشون والمحتالون والفاسدون:

"عندما تكون هناك أجواء سرقة وتزوير نحتاج هنا إلى نظرة اشمل من العقوبة الفردية.. هناك ظاهرة تشمل آلاف الناس لا اعتقد إن بالإمكان معاقبتهم جميعا بالسجن".

هي نفس الحجة التي حاججت بها القوى والأحزاب التي طبلت للمقاومة وفي مقدمتهم احد نواب رئيس الجمهورية الذي زار السجون ووعد بإطلاق سراح النزلاء فكان له ما أراد! أُخلي سبيل آلاف مؤلفة من الإرهابيين، ما إن أُطلق سراحهم وأُخذت تعهداتهم، بان لا يذبحوا إنسانا ولا يفجروا مفخخة ولا يزرعوا عبوة ناسفة ولا يغتصبوا ولا يختطفوا ولا يسلبوا أو ينهبوا، حتى عادوا وهم أكثر همجية ووحشية ودموية وشراسة فدمروا وذبحوا واسفكوا دم العراقيين في كل مكان ونكثوا بكل تعهداتهم وتنكروا لكل المواثيق، وأعيدت الكرة المرة بعد المرة فلا تاب المجرمون ولا اتعظ المسئولون وبقيت دماء العراقيين تنزف وأعراضهم تغتصب.

ما الفرق بين المعسكرين، بين معسكر الداعين لإطلاق سراح الإرهابيين وبين معسكر العفو عن اللصوص وعن المزورين والمنتحلين والمدعيين والمحتالين، كلا المعسكرين يسببان النزيف، أما سفكا للدماء أو هدرا للكرامة وعبثا بأموال العراق وثرواته، كلاهما يحدثان الخراب للإنسان وللبنيان.

إن كان علي الأديب الإسلامي المرشح لوزارة التربية والتعليم قد ساق حجته للعفو عن النصابين، كان عليه إن يتطرق الأسباب التي خلقت هذه الأجواء التي قادت إلى التزوير والسرقة لا إن يكتفي بذكرها كنتيجة فقط، فحسب مبدأ العلة والمعلول الذي يؤمن به الأديب كان عليه إن يقول لنا العلة التي أدت إلى كثرة المزورين والمنتحلين لألقاب الدكتوراه والبروفسورية والأستاذية!!

بعد سقوط النظام وفي هيجان الاستيلاء على الوزارات وتحويلها إلى مستعمرات حزبية طائفية، وزيرها وحتى بائع الشاي فيها من هذا الحزب أو ذاك. التوظيف لا يحصل إلا بتزكية من حزب إسلامي أو كتلة دينية أو مرجعية أو دولة أجنبية، ولما كانت قيادات الأحزاب وخاصة الإسلامية منها لم تفكر في تطوير مستوياتها العلمية وبقيت أسيرة القصص والسرد الديني مقتصرة في تحصيلاتها الدراسية على شهادات وألقاب دينية لا يعترف بها أكاديميا، لجئت شخصياتها القيادية للتزوير والانتحال. هذا الهيجان قاد إلى ما يعرف بالجامعات المفتوحة التي أخذت تمنح الشهادات بامتحانات تتم عبر الانترنت لقاء مبالغ مالية. ليس الصغار من بدأ التزوير إنما القادة والكبار والمثل يقول:

إذا كان رب البيت بالدف ناقر....فأهل البيت شيمتهم الرقص

شارع مريدي كانت شهرته في العراق مثل شهرة جامعة هارفارد في العالم يسعى إليه الإسلاميون والقادة والكوادر وغيرهم لنيل أنواع الوثائق والشهادات الأكاديمية، له فروع وممثلين في الخارج، فمن لا يود المخاطرة بالذهاب بشخصه خشية الانفضاح، يرسل مندوبا عنه ، أو يتصل بإحدى ممثليات شارع مريدي في الخارج.

لقد استمر احتلال المناصب بالاحتيال والتزوير المسكوت عليه حكوميا وحزبيا وبرلمانيا وحقوقيا حتى شمل مكاتب رئيس الوزراء والبرلمان ورئاسة الجمهورية والجامعات والممثليات الدبلوماسية والمدرسين والمهندسين والأطباء و نقلت لنا الإخبار هذا اليوم بان جزارا مارس مهنة طبيب أسنان. ربما سيعين كطبيب بيطري بعد إصدار العفو بعون الله.

هناك بالطبع مراكز لا يسأل شاغلها عن شهادة مثل الشيوخ "شيوخ التسعينات" الذين عينوا كرؤساء لمجالس الإسناد برواتب مغرية من نثريات رئيس الوزراء، أو المعممون وآيات الله الذين نصبوا أئمة للجوامع والحسينيات وكمشرفين تربويين و رؤساء للجان إعادة كتابة المناهج حسب الشريعة الإسلامية وموظفي الوقفين السني والشيعي وبعثات الحج ومسئولي زيارة العتبات المقدسة وأعضاء في مجالس المحافظات ومشرفين على السياحة التي أصبحت دينية بالكامل.

إن هذا الحماس الذي تبديه كتلة دولة القانون وتسانده بعض الكتل السياسية في إصدار العفو يعني بان اغلب المزورين والمنتحلين والمدعين يحتلون مناصب قيادية، وان دولة القانون الذي يترأسها السيد المالكي رئيس الوزراء تلمح أنها لن تتخلى عن أعضائها ومناصريها ولن تخذلهم إن هم سرقوا أو انتحلوا أو زوروا فلهم قائد يحميهم، كما إن أصوات وخبرات المزورين لا يمكن التفريط فيها، فالحاجة ملحة لها في المرة القادمة لأغراض انتخابية.

 

 

 

free web counter