| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

 

الأحد 13/5/ 2007

 

 

الوطنية بين الفساد واهمال الملكية العامة


مالوم ابو رغيف

الملكية العامة هي الملكية الوحيدة التي بقت مقدسة في كل العصور والازمان، الحرص عليها هو حرص على الوطن، ارض وثروات وناس، حرص على الاجيال المتعاقبة التي تحمل الفخر والاعتزاز الوطني، صيانتها وتقديسها مهمة نبيلة مشتركة لجميع الطوائف ومكونات الشعوب، للمنظمات وللاحزاب، الحفاظ عليها هو تعبيرعن الوطنية الحقة، والتفريط بها هو الخيانة للضمير، للوجدان والوطن ولله. ومهما تعددت الانظمة وتبيانت الافكار والاديلوجيات والمعتقدات تبقى الملكية العامة مثل حبل الله يعتصم ويلوذ به الجميع، لذلك يحرص الوطنيون على الوقوف موقفا مضادا مناؤ ضد من يحاول العبث او تدنيس هذ المقدس العظيم.

حولها يتوحد الشعب، تتكتل الاحزاب وتضغ برامجها السياسية والاقتصادية، هي ليست كالملكية الخاصة التي تزول بزوال المالك، ربما تصادر، تهدى، تتحول من يد الى يد، قد تكون ايادي عابثة او مقامرة او جشعة، الملكية العامة ثابتة، لا يملكها فرد او حزب او حكومة، يملكها الشعب ككل، لا تملكها طائفة او كيان، ليس لها دين ولا مذهب، لها رب ومالك واحد هو الشعب، حاضر ومستقبل، فلا يحق لجيل الحاضر العبث بها دون الاخذ بالاعتبارمصلحة الاجيال القادمة. الملكية العامة هي الخيمة التي يتفيأ الجميع بضلها الوارف. هي الشجر والنهر والبحر والسماء والبترول وثروات في باطن او على ظهر الارض، هي المدرسة والجسر والشارع والحديقة والمتحف، هي الاثار والتاريخ، هي الماضي والمستقبل، هي الرابط بين الناس، هي مشاريع الماء والكهرباء والطاقة، هي الجبال والسهول والرمل والحجر، هي مكدودات الناس وكدحهم وعرقهم وجهدهم .

واذا كان المالك الخاص يحرص على ملكه من الضياع ومن عبث الايادي غير النزيهة، التي تبعثرها يمينا وشمالا، فان الشعب بصفته المالك الاوحد، له الحق في محاسبة كل المقصرين، كل اللصوص والحرامية، ان يسأل من اين لك هذا، ان لا ينتظر قانونا للنزاهة تشرعه لجان غير نزيهة، ولا مراجع دينية او سياسية لتقول هذا يصح وذاك لا يصح، هذا يتفق مع مشيئة الله وذاك يخالفها، بل ان يتكلم عبر ما تتيحه له الديمقراطية والحرية من وسائل واليات، اكان عبر الصحف ووسائل الاعلام الاخرى او عبر المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات والاضرابات.

الوطنية الحقة هي الحرص على الملكية العامة من العبث ومن الضياع، وما تقوم به عصابات المقاومة المختلفة من اجرام البس اصحابها ومؤيديها ومسوقيها ثوب العار والخزي، اكان سفك للدماء ، او تخريب مستمر للمشاريع والمنشئات والمؤسسات العامة، لهو خيانة وطنية عظمى وجريمة لا تبرر مهما كان الباعث ومهما كان الدافع اكان دينيا او طائفيا او سياسيا، ولا يمكن التغاضي عن منكراتهم ولا تبرير لهم جرائمهم واجراء المباحثات معهم لاشراكهم بالعملية السياسة وفق منظور اجتهدوا واخطؤوا، فالجريمة ليس اجتهادا.

واذا كان الشعب على قناعة تامة بإجرامية المقاومة اكانت شريفة او غير شريفة، وان مكوناتها هم من حثالات البعث ومن خصيان البلاط الصدامي، وان من يرفع شعارها ويطبل لها مشابه لها في الميول الشاذة، فإننا لا نجد تبريرا ولا تفهما لسكوت الحكومة التام والمطبق او صمت برلمان مساكم الله بالخير عن الفساد الادراي والتهريب والحرمنة واللصوصية المنتشرة في العراق الجديد. ولا نعرف سببا يجعل المنظمات والصحف والتقارير الاجنبية هي صاحبة السبق في اكتشاف الفساد والتهريب والصفقات المشبوهة وغسل الاموال بينما الحكومة ممثلة بكل اجهزتها القضائية والتشريعية والتنفيذية والاعلامية ساكتة، صامتة صمت القبور عن كل ما يحدث من عبث واضح بالمال العام بينما تطلق على نفسها حكومة الوحدة وطنية. فاذا لم تتوحد القوى السياسية في جبهة لمحاربة الفساد واكتشاف بؤره ورموزه وفضحة، اذا لم تتوحد لصيانة الملكية العامة فاي وطنية تلك التي تدعيها.؟

افلا يدعو للاستغراب ان تنشر الصحف الامريكية والبريطانية اخبارا وتقاريرا مستمرة عن الفساد الذي ينخر في جسد البلد، وتسكت الحكومة، وكأن الاجنبي احرص منا علينا، وان من اتهموه بالمجئ لسرقة البترول هو من يفضح السراق!!

ومع ان الفساد والتهريب اصبح مثل الفضيحة التي لا يستطيع احد التستر عليها، الا ان الجهات المسؤولة صامة وكأن الامر لا يعنيها، لا تحقيق ولا مسائلة ولا نفي ولا حتى عتب على الصحيفة ان كان الخبر كاذبا. فالتقرير الذي نشرته نيويورك تايمز عن فقدان مليارات الدولات النفطية في الاربع سنوات الاخيرة وان ما بين مئة الف الى ثلاثمائة الف برميل من النفط يختفي يوما في عمليات تهريب منظمة، وسكوت الحكومة وسكوت وزير النفط وكل الجهزة الامنية، يدل على ان المال العام والملكية العامة لا تحتل موقعا في ذهنية الاحزاب الاسلامية الحاكمة، وعلى ما يبدو انهم يطبقون المثل المعروف مال عمك ما يهمك ومال ابوك ابكي عليه.

الشعور الوطني ليس هو الشعور الديني باي حال من الاحوال، فالشعور الديني هو شعور شخصي فردي اناني، طموح فردي للدخول الى الجنة، لذلك من الصعب ان يشتمل الشعور والتفكير الديني او الايماني على الشعور والاحساس الوطني الذي في اهم اساسياته الحفاظ على الملكية العامة، الشعور الوطني يحوى في جزء منه الحفاظ على مشاعر المتدينين وعلى الدين بصفته موروث تاريخي له ثقافته وعلاقاته الاجتماعية والتي لا يمكن تجاهلها، لذلك لا يمكن للاحزاب الدينية ان تشعر بقيمة الملكية العامة، فهي تعتقد ان الله هو المعطي وهو السالب، وان ما فوق الارض وما تحتها هو لله ،للخليفة المرجع او للامام المهدي مثل ما يقول المغفلون الصدريون. لذلك لا يهم هذه الاحزاب ان تضيع وتهدر ثروات البلد مادام يتوفر لها كل شئ وتستحوذ على كل شئ، فهي تجتر العسل في دنياها وتوعده للفقراء في آخرتهم.

التأثير المباشر في التلاعب بالمال العام وبعثرته او اللامبالاة ازاء الملكية العامة يكون فعله ووقعه على الشعب فقط، فهو الذي يعاني من انقطاع التيار الكهربائي والمائي والنفطي وهو من لا تدفع رواتبه الشهرية وتستقطع حصته التموينية، الشعب هو الذي يعاني من ارتفاع الاسعار ومن قلة الدواء ووساخة المستشفيات وانتشار الاوبئة والامراض، بينما البرلمان والحكومة والرئاسة والطبقة المتنفذة بشكل عام لا يمسهم من هذه العذابات اي اذى، فرواتبهم مهما ساءت الاوضاع مدفوعة، عدا ونقدا او تحويلا ان كانوا في سفراتهم المكوكية اوفي مقراتهم الخارجية. لو مسهم ضر لما سكتوا ولما هجعوا ولاقاموا الدنيا ولم يقعدوها.

الاغرب ان يظهر على التلفزيون علي بابان وزير التخطيط عن جبهة التوافق ليصرح بما يشبه الاعتذار للاردن، بان العراق مصر على بناء الانابيب وتجهيز الحراسات لمد الاردن بالنفط العراقي باسعار تفضيلية حسب الاتفاق الذي عقده الاردن مع العراق في غفلة من الشعب، وكان النفط العراقي ملكية شخصية لهؤلاء الوزراء الفاسدون ، بينما تنشر الصحف الاجنبية اخبارا ودراسات عن تحول المدن الاردنية الى اوكار للارهابين لارسالهم الى العراق، بالطبع لا يخفى ذلك عن الحكومة الاردنية ولا عن استخبارتها، فالابتزاز اصبح الصفة الاساسية للسياسة العربية بينما احزابنا وحكومتنا وبرلماننا منشغلون بحروبهم الطائفية واجتراراتهم الدينية العقيمة والانبطاح امام الارهابيين.

يجب على الحريصين على مصلحة ومستقبل العراق ان يقفوا وقفة جادة امام الاهمال الحكومي والسياسي الكامل اكان بما يخص التفريط بدماء المواطنين الذين يذبحون يوميا او اللامبالاة ان لم نقل الضلوع في ضياع ونهب الملكية العامة وان يضعونهم امام مسؤلياتهم فالايدي الفاسدة لا تنتج الا فسادا .