| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مالوم أبو رغيف

 

 

 

الخميس 13/1/ 2011



يا بوييييييييية

مالوم ابو رغيف

عندما كان صبيا في العاشرة من عمره، رافق صديقي والده إلى مجلس عزاء حسيني في يوم العاشر من محرم، كان الملا مرتديا ملابس سوداء متربعا على منبر مجلل بالسواد فبدا وكأنه جزء من المنبر، بينما اخذت عيناه تتحركان يمينا ويسارا مثل بندول الساعة ثم تستقر لبرهة بالوسط لتعاود الحركة البندولية مرة أخرى. كانت عيناه تستكشفان وجوه وعيون الحاضرين للتأكد إن كان قد نجح بخلق جو من الجزع والحزن في النفوس ام قد خاب وفشل. تهيأ لصديقي إن عينا الملا تبحثان عن العيون التي لا تدمع والقلوب التي لا تخشع فارتعب وارتهب إن يكون من الملعونين، فقد بدأ الملا مجلسه بالقول لعن الله العيون التي لا تدمع والقلوب التي لا تخشع لمصابك يا أبا عبد الله.

حاول صديقي تهدئة روعه فقد رأى عينا الملا خاليتان من أي اثر للدموع، يابستان كصحراء قاحلة، لكنه، أي الملا أتقن توظيف صوته فبدا وكأنه يجهش بالبكاء والنحيب ويغرق المجلس بالدموع رغم عدم نزول أي قطرة ماء من عينيه، مع ان واقعة الطف هي مصدر رزقه وسر علو مكانته واحترام المجتمع له.

صديقي كان يجلس بجانب والده غريق في بحر من التساؤلات والحيرة فقد ادهشه الحاضرون ببكائهم الرتيب واهتزاز رؤوسهم المتواصل ونحيبهم المتموج الذي يرتفع بارتفاع صوت الملا وينخفض بانخفاضه، لكن كل محاولات صديقي بالبكاء وذرف الدموع كان نصيبها الفشل الذريع، وظلت عيناه يابستان قاسيتان كحجر لم يصبه يوما مطر. لم يكن صاحبي، الطفل آنذاك يطمع بجنة أو بحور عين أو نيل شفاعة، كل ما يرغب فيه هو نيل استحسان وثناء وإطراء والده.

أتعبته المحاولات ففكر بجر إذنه و قرص جسمه وجر ما تدلى من أعضاءه! لكن الدموع أبت الانهمار. كان متوثبا ومتحمسا ومترقبا لحدث الاستشهاد. عندما بلغ الملا ذروة المشهد التراجيدي بتربع الشمر بن ذي الجوشن على صدر الإمام الحسين صرخ الملا وا إماماه.

قفز صاحبي كالملدوغ وبصوت احال صراخ الملا الى صدى خافت عاط بكل ما أُوتي من قوة:

يا بوييييييييييييييييييييييية !!

الحاضرون نظروا إليه باستغراب وعدم استحسان وبدت عيونهم ناشفة هي الاخرى من الدموع، لولا ابيه وعلو منزلته في المجتمع لطردوه من المجلس شر طردة، أما الأب فقد وبخه بصوت هادئ قائلا:

شبيك ولك گرصتك عگرب لو لدغتك حية، أگعد تراك فشلتنة مو هيج البچي على الحسين!!

تذكرت هذه الحادثة وانا اشاهد الفضائيات الدينية وهي تنقل لنا صور عن اليابوييييية التي كانت من اللامعقول أيام الستينات والتي اصبح ما بعد العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين من المعقول جدا.

فهذه الأيام الملا لا يقتنع بلطم الصدور وضرب الرؤوس ولا بصفع الخدود ولا بالبكاء ولا بالنحيب بل يطلب منهم الصراخ والهيجان ويناديهم مشجعا طالبا المزيد من الصراخ : اصرخوا بعلو أصواتكم خلوا كل العالم يسمع صراخكم، صيح صيح باعلى صوتك..

تذكرت هذه الحادثة وانأ أشاهد كيف ان الرجال تقف امام كامرات التلفزة وهم يلطمون رؤوسهم ويلوحون باياديهم تلويح الثكالى الملوعة من النساء ويصرخون بأعلى أصواتهم :

يا بويييييييييييييييييية.

وعرفت إن المشاهد التي تظهر رجال الإسلام السياسي ببدلات سوداء وذقن غير محلوق و بشال اخضر يحيط بالرقبة وهم يمشون عدة أمتار لزوم كامرة التصوير ولزوم مقتضيات الدعاية والإعلان هي أيضا :

يا بوييييييييييييييية

وان موكب عزاء الحاج نوري المالكي الممول من ميزانية الدولة هي :

يا بويييييييييييييية

وان إجراءات الطلفاحي كامل الزيدي ضد الثقافة هي :

يا بوييييييييييية

وان فرض الحجاب والنقاب على الصغيرات هي :

يا بويييييييييييية

وان هذا الكم من الذين لا يصلحون لأي شيء ويسيرون مئات آلاف الناس بــ :

يا بوييييية

كلهم تجار دين وتجار سياسة.

اليا بويييية الحقيقة يجب ان تكون صرخة احتجاج واعتراض على الذين جعلوا من مظلومية البسطاء ومن جثث الشهداء سلما للوصول إلى السلطة فتركوا من تاجروا بآلامهم بنفس او اسوء من الواقع المزري والمؤلم الذين كانوا ضحاياه وانتقلوا هم إلى القصور والفلل وخصوا أنفسهم بالثروات والقوا للمظلومين بالقليل القليل من الفتات.

هؤلاء الذين يذرفون الدموع على الإمام الحسين كذبا ونفاقا ترى لماذا لا يذرفون ولو دمعة واحدة على آلاف الناس التي ذبحت وفجرت وحرقت واغتيلت.. أليس الحسين رمزا للإنسانية المعذبة أم تراه رمزا للمترفين من الذين لا يراعون لا الحسين ولا الله حين يتقاضون ملايين الدولارات كرواتب ومنافع اجتماعية ويتركون ملايين الناس تستجدي المحسنين.

وان كان سيف الشمر المشئوم ذبح الإمام الحسين لمرة واحدة فان الفقر والمرض والتلوث والجهل والفاقة هي سيوف تذبح بالشعب يوميا لالاف المرات، فلماذا لم نرى المكويين على جباههم من اثر الرياء لا يحزنون ولا يهتمون حتى ولو نفاقا بالمعذبيين؟!!!

لقد تحولوا هم بدورهم إلى سيوف جوشنية غادرة تحز رقاب الشعب وتنهب ثرواته!

وإذا كان الحسين خرج على السلطة طالبا الاصلاح فلماذا الكبار من قادة الإسلام السياسي يصدرون قوانين العفو عن المزورين ويعفون عن الغشاشين ويتسترون على المختلسين؟

واذا كان الملا قد بدأ مجلسه بلعن العيون التي لا تدمع والقلوب التي لا تخشع لمصاب الامام الحسين فانا انهي قولي بلعن العيون التي لا تدمع والقلوب التي لا تجزع لرؤية حياة العراقيين الصعبة وواقعهم المؤلم بينما ارضهم تنتج مليارات الدولارات و تستولي عليها حفنة من منتفعي الإسلام السياسي و القطط السمان وطفيلي الصفقات التجارية وامراء التهريب.
 

 

 

free web counter