موقع الناس     http://al-nnas.com/

اذا اتفق العيارون سينتهي الصراع الطائفي
 


مالوم ابو رغيف

الأربعاء 10 /5/ 2006

الصراع السني الشيعي ليس وليد اليوم وليس ايضا من صنع الاحتلال كما يزعم بعض السياسيين والادباء والمفكرين الذين يعتقدون ان لا بأس بشئ من التضليل اذا كان وسيلة لانشاء واقع افضل. لقد كان الصراع والاحتراب بين الشيعة والسنة شبه دائمي وعلى طول فترات التاريخ الاسلامي فالدين كان هو القاعدة و التبرير لحق الخليفة او السلطان بالحكم. ولابد للدين ان يأخذ شكلا طائفيا او مذهبيا.

لعل اهدأ فترات الصراع الطائفي هي المرحلة التي اعقبت تاسيس الدولة العراقية رغم تركز المناصب بيد الضباط والسياسين السنة لاسباب نجد جذورها في الاساس الديني التي بنيت عليه جميع الممالك الاسلامية واستمرت عليه الدولة العثمانية .الشيعة كانوا اقلية في كيان امبراطورية اسلامية تحكم وفق الشريعة السنية، وتدين غالبية شعوبها بهذا المذهب. اضافة الى ان موقف المرجعيات الدينية الشيعية من عمليات التعليم كان موقفا مضادا اذ اعتبرت المدرسة و العسكرة مبعثا لافساد الدين وعاملا لانحطاط الاخلاق، وهو امر انسجم ايضا مع مايريده العثمانيون السنة.

لم تبنى الدولة العراقية الحديثة على اسس دينية، ولو بنيت على هذه الاسس لالتهب الصراع الطائفي ولرأينا مذابح ومجازر طائفية كما نراها الان او كما تنقله الينا كتب المؤرخين عن تاريخ حافل بمثل هذا الصراع. كما ان الذين تسلموا مقاليد السلطة لم يكونوا من اصحاب المسابح المتدينين الذين وشم السجود (او اي شئ اخر) علامات على جباههم دلالة على التدين او ادعائه، كما نراه اليوم على اغلب جباه السياسيين الاسلاميين سنة او شيعة. لقد كانوا ربما لا يعرفون مواعيد الصلاة ولم يحجوا الى بيت الله. كانت السلطة ورأس المال هما القبلة الوحيدة التي يولون وجوههم شطرها اينما كانوا. ان نافسهم احد على امتلاكها سيبطشون به ولا يراعون فيه اي انتماء طائفي.

لقد ساعد غياب الاساس الديني للدولة على تأسيس احزاب غير طائفية، مختلفة الاهداف طبقية التكوين، وولد صراعا التقت فيه الطبقات الاجتماعية على اختلاف انتمائاتها الدينية والمذهبية في جبهة واحدة ضد التسلط وسيطرة الدولة، واذا كانت السلطة في سياستها القمعية لا تأخذ بنظر الاعتبار الانتماء المذهبي او الديني فان الناس بدورها لم تعر اهتماما للانتماء المذهبي الطائفي للوزير او الاقطاعي او المتسلط.

اذا كان ما يشكوا منه الشيعة هو التضيق على الطقوس الدينية في العهد العثماني وهذا صحيح بالطبع، فقد كانت لهم حرية مطلقة في العهد الملكي في ممارسة كل الشعائر التي نرى مبالغاتها اليوم وكان هم الشيعي الاول هو ان يلهب ضهره وصدره لطما وضربا.

لكن هل ساهمت هذه الحرية الدينية للشيعة في العهد الملكي او اليوم في جعل الناس يعيشون حياة حرة كريمة، هل رفعت عنهم حيف الاقطاع وكبار ملاك الاراضي، هل حررتهم من استغالات الروزخونية ونجتهم من حيل والاعيب بعض المعممين.؟

لو كانت السلطة العراقية قد استندت على اساس ديني او استعانت بالطائفية لكي تسود لما رأينا فرحا شاملا يعم جميع مناطق العراق تقريبا عند نجاح ثورة 14 تموز الخالدة باسقاطها الملكية، ولرأينا عوضا عن ذلك فرقاً متحاربة واتهامات طائفية متبادلة لا سيما وان اغلب المنتفعين من ثورة تموز هي تلك الطبقات الفقيرة المسحوقة التي يشكل الشيعة مكونها الاعظم ولما وقفت مرجعياتهم الدينية موقفا معاديا للتغيير ولما اصدرت فتاوى متعاقبة لاعاقة تنفيذ برنامج الثورة العراقية والعمل على اسقاط تجربتها.

واليوم، عندما تقفز الى الذاكرة بعض اسماء الوزراء والمتنفذين، فسيبرزون بصفاتهم السياسية وليست الطائفية وما حققوه من اعمال، جيدة كانت ام سيئة، ولا نميزهم بانتمائاتهم الطائفية ولا بانتمائاتهم القومية.

لم يتخذ العداء لثورة تموز الخالدة صبغة طائفية بقدر ما كان ذو صبغة طبقية معادية للتحرر والتقدم، اشتركت فيه مختلف الانتماءات المذهبية، فقد ساهم رجال الدين السنة مثل ما ساهم رجال الدين الشيعة مثل ما ساهم كبار ملاكي الاراضي سنتهم وشيعتهم بالوقوف بالضد من اي تغيير وبأثارة الناس ضد الثورة والوقوف بالمرصاد ضد اي قانون من شأنه رفع الظلم عن شرائح وطبقات المجتمع الفقيرة.

ومثل ما زال الاحتراب الطائفي والعداء المذهبي بين السنة والشيعة الذي كان موجود لقرون طويلة، بزوال قاعدته ومبرراته الدينية وحل محله صراع طبقي ظاهر للعيان وجد الفقراء انفسهم فيه متحدين ضد مستغلينهم، سيزول ايضا ما نشهده الان من صراع طائفي للاستحواذ على ثروات العراق وعلى مقدرات الناس بأسم الدين او بأسم الطائفة او بأسم مقاومة المحتل.

سوف لن يدوم الصراع طويلا، فكما هو معلوم، ان الدولة العراقية واي شكل من اشكال الحكم ستتخذ، اكان فدراليا ديمقراطيا، دينيا طائفيا، عاقدة العزم على تحويل العراق الى اقتصاد السوق الحر حيث سيجتمع اصحاب رؤوس الاموال الكبيرة وينسون خلافاتهم الطائفية ومشاربهم الدينية واصولهم العرقية واحلامهم القومية ليتحدوا في شركات كبرى او ليملكوا اسهم متنفذة في شركات اجنبية، سيكون اتحاد راسمالي بين المؤمنين وغير المؤمنين ينسى فيه المتدين اسم الله واسم اوصيائه ولا ينسى اسم البنوك، سيسمع طققطة القروش في جيبه ولا يسمع تسبيح الملائكة.

سيرجع اللصوص الذين نهبوا وسلبو وسرقوا الاموال الطائلة ليؤسسوا بنوكا وشركات للمقاولات العملاقة وسيمنحهم اهل السياسة والكياسة شرفا ونزاهة وسيختمون بعشرة اصابع على انهم كانوا من افاضل الناس واتقاهم وسيقولون انهم مستعدون لاجتثاث ابنائهم بدلا عن اجتثاث هؤلاء الصالحين الرأسماليين الوطنيين. وعندما يتفق المتخاصمون على توزيع الاسلاب سيتحدون ايضا لمعالجة الارهاب. ويسجد الزرقاوي وكل بهائمه انفسهم في اسطبلات اوسخ من حضائر الخنازير. فهؤلاء البهائم على حقدهم وعلى خستهم وعهارتهم، مجرد احذية قديمة يلبسها بعض رجال الدين الارهابيين للوصول الى غاية محددة..هي الثروة والسلطة والتمكن، فان وصلوا باعوهم كالبهائم في اسواق الغنم.

واذا كان للرأسماليين والملاك والمنتفعين والمتنفذين ولرجال الدين جبهة تجمعهم كما جمعتهم في ايام الملكية، سيتحد فقراء الناس انفسهم بجبهة واحدة ايضا، جبهة الفقر والعوز والاحتياج، وسيتعلمون كيف يصحون من احلام الجنة وقصورها وحورياتها وغلمانها واقداح خمورها، وان لم يصحوا فان الواقع المر الذي سيعانونه سيصحي حتى اصحاب الكهف.

لقد بدأت ملامح المستقبل تتضح يوما بعد يوم، ففي العراق اليوم غناء فاحش وفقر مدقع، قصور وفلل ضخمة واكواخ من الصفيح ومن ورق الكارتون، اناس تتكلم عن الملايين واخرين لا يملكون سوى سراب احلامهم واهوامهم. جنود وشرطة تود التطوع لكي يتحسن وضعها المعاشي لكنها لا تملك ثمن رشوة التطوع، جيش قيل انه سيكون بحدود الــ 45000 جندي محترف واذا بنا نصل الى ارقام فلكية ومع هذا لم نستطع سحق الارهاب ولا مؤدليجيه بأحذيتنا.

نعم سينتهي هذا الافراز الطائفي البغيض وهذا العداء بين الناس وسيحل فيه عداء اخر لا بد للاصلح فيه من البقاء.