| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد ناجي

muhammednaji@yahoo.com

 

 

 

 

الأحد 5 / 11 / 2006

 



العراقيون بين حانة ومانة

 

محمد ناجي

يكثر الحديث هذه الايام عن سيناريوهات ل(حكومة انقاذ بمشاركة المسلحين والبعثيين) وعن (اتصالات مع البعثيين) . وتظهر في وسائل الاعلام المرئية والمقروءة أخبار وتصريحات وبيانات كثيرة هنا وهناك ، ولكثرتها تبدو متضاربة فيما بينها ، وربما هذا هو المطلوب ، لتكون مثل قنابل الدخان التي تشوش الرؤية ، وتسهل تمرير القضايا والأهداف التي يراد تحقيقها .
وسواء كان ماتتضمنه البيانات والتصريحات حقيقيا أو بالون إختبار أميركي أو بروباغندا بعثية ، وجزء من الحرب الاعلامية والنفسية المتعددة الأطراف والأهداف ضد الشعب العراقي ، فلابد من وقفة وكلمة ، بعيدا عن ضجيج هذه التحركات والبيانات ومن يقف خلفها ويريد أن يعيد أصحابها للواجهة .
ونبدأ بالسؤال هل لدى هؤلاء ، ومنهم الجماعة التي تطلق على نفسها (المكتب السياسي الموحد للمقاومة) التي نشرت وكالة أنباء آكي الايطالية خبرا عنهم بتاريخ 30 اكتوبر/تشرين الأول ، ما يقدموه للشعب العراقي غير القتل والدمار ؟ ألا تكفيهم تجربتان من الحكم الدموي والقتل والابادة والمقابر الجماعية والتشريد ، الاولى في 8 شباط/فبراير 1963 أستمرت بضعة اشهر ، والثانية بدأت في 17 تموز/يوليو 1968 ولم تنته الاّ وهم يضعوا العراق تحت الاحتلال في 9 نيسان/ابريل 2003 ، لكي يطالبوا الآن بتجربة ثالثة ؟ ثم عن اي مقاومة يتحدثون ، والمقاومة على مر التاريخ ، كانت موقف ومشروع حضاري انساني ، فأين هذا الموقف والمشروع وماهي مصداقيتهم ؟ وهم حتى اللحظة لم يدينوا تجاربهم الدموية السابقة ، بل يفخرون بها ، حتى انهم ينصبون (عزت الدوري) ، وهو رمزا بائسا من رموز النظام الدموي السابق قائدا لهم !
إن ما يسمى بالمقاومة ، كغيرها من المفاهيم المشبوهة ، كالمثلث السني ، التي مررت واصبحت متداولة خطأً في الخطاب السياسي والاعلامي ، ليست أكثر من عنف دموي منفلت ، سبق ان تدرب عليه أيتام صدام حين كانوا في المؤسسات القمعية للنظام البائد أو من التحق بهم من جبال تورا بورا ، ومشروعهم رجعي وظلامي ، وبدون أي بعد أخلاقي إنساني ، وهم يستغلون وجود القوات الأجنبية فيرفعون (المقاومة) شعارا ولافتة جذابة ومخادعة للمغفلين ولأصحاب المشاريع السياسية الفاشلة من العراقيين والعرب .
وذراً للرماد في العيون يتحدث هؤلاء عن إعادة البناء ، ما بعد التحرير ، عجباً ! أين كانوا ؟ ومن خرب العراق ودمره ؟ أليسوا هم الذين تحملوا المسؤولية وكانوا في الحكم طيلة 35 عام ، فماذا فعلوا غير أهدار ثروات العراق البشرية والطبيعية في بناء مؤسسات القمع والمؤتمرات ومهرجانات تمجيد الطاغية ومغامراته العسكرية وحروبه العدوانية العبثية ، في نفس الوقت الذي قطعت فيه الدول المجاورة ، ومنها من أصبحت دولة بعد استلام البعث للسلطة عام 1968 ، كدولة الامارات ، شوطا كبيرا من البناء والتطور حتى اصبحت قبلة للزوار ورجال المال والاعمال . ومن حسن حظ هذه الدول ، التي لا تملك ثروات العراق ، انها لم تبتل بالبعث والقيادات والرموز ، الكارثية ، التي تحكمت برقاب العراقيين وثرواتهم ، والتي يريد البعض إعادة تسويقها علينا ، بسبب سوء الوضع الحالي وإخفاق الأميركان وتعثر القيادات الحالية ، وكأن العراقيين عجزوا عن خلق رجال دولة وقيادات وطنية شريفة ونزيهة !
لقد كان نظام البعث ، الذي شغل فيه رمز (مكتب المقاومة) الحالي عزت الدوري منصب نائب الرئيس ، يسمى نظام (الأزمة الدائمة) ، وهو رمز للفشل والحماقة بسبب العجز عن حل أية أزمة واجهته سواء كانت سياسية أم اقتصادية ... فكان يحلها بخلق أزمة أخرى ، انتهت آخرها بإسقاطه واحتلال العراق . ونذكّر من نسي بأزمات المواد الغذائية المتتالية والمحروقات وابو طبر وحفلات المصارعة لعدنان القيسي والحنطة المسمومة ... وغيرها التي تفاقمت ووصلت حدا لم يستطع تصريفها داخليا فصدرها الى الخارج بحربه العدوانية ضد الجارة إيران ، ثم عجز عن مواجهة استحقاقات مابعد الحرب ، التي صورتها اجهزته الاعلامية وجوقة المرتزقة العرب انتصارا ، فكرر نفس الحماقة ووجه آلته العسكرية المهزومة والمأزومة بإتجاه الكويت ، وخرج منتصرا في أم المعارك !
واذا كان هؤلاء قد نجحوا ، حتى الآن ، في ارباك الدولة والنظام الجديد ، فهذا لا يعود لقدراتهم وقواهم الذاتية وأخلاقياتهم ووطنيتهم ، بل لأخطاء ارتكبها ويرتكبها الأميركان منذ اللحظة الاولى لإسقاط الصنم في ساحة الفردوس ، ولفقدان الكفاءة والمهارة السياسية والامنية والاعلامية للدولة العراقية واجهزتها ، وتغليب الولاء للطائفة والقومية والمصالح الفئوية والشخصية الضيقة على مصلحة المواطن والوطن ، فتكون النتيجة أن يكسب هؤلاء ، وغيرهم ، مساحة إعلامية وسياسية أكثر مما يستحقون ، ويظهرون كأطراف تتمتع بالقوة والنفوذ ، وهم الذين اصيبوا بالخيبة وكانوا كالجرذان حين سقط الصنم .
وصراحة فإن هؤلاء ليسوا الجماعة الوحيدة (المقاومة لتقدم العراقيين وتطورهم) بل معهم ، وهذا جوهر المشكلة ، أغلب القوى السياسية المتنفذة ، رغم انها تقف على الجانب الآخر وتساهم في السلطة ، ولها وجود علني ونفوذ في الشارع ايضا ، إلاّ أنها بمواقفها وممارساتها الخاطئة تمهد الارضية للبعثيين ، وتمنحهم المبرر ليكسبوا المزيد من المساحة للظهور والحركة ، فحق لنا وللمواطن أن نضعهم في سلّة واحدة ، ونحسبهم بعثيون وإن لم ينتموا !
وحتى آخر لحظة ، يبقى الأمل معلقا في أن يستفيق العراقيون من غفوتهم ، ويعتزلوا الرقص في مستنقع الاستبداد ، فيغلقوا الباب الى الأبد بوجه إعادة تسويق البعثيين وأمثالهم . وينهضوا من كبوتهم بعد أن أصبحوا ، اليوم ، كذاك المغفل الذي ترك لحيته بين يدي زوجتيه ، حانة ومانة ، اللتان خدعتاه بحبهما له فتناوبتا على نتف لحيته حتى لم يبق منها شيء ، فأصبح مثلا يذكره التاريخ ، حين صحى متأخرا وصرخ : "بين حانه ومانه ضاعت لحايانه" ... ولا عزاء للمغفلين !