| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد ناجي

muhammednaji@yahoo.com

 

 

 

الأثنين 4/10/ 2008

 

اعتذروا ... ليرحمكم الله والتاريخ

محمد ناجي

" لم يحدث في التاريخ أن وجد حاكم مستبد أو ناجح أو فاشل بمفرده . من يدورون حوله من مثقفين وفنيين وغيرهم هم المسؤولون إلى حد كبير جدا عن الفشل أو عن النجاح " ..... محمد عابد الجابري

قرأت في صحيفة (سيدسفنكا) السويدية الصادرة بتاريخ 3/10/2010 خبرا عنوانه (فناني الموسيقى الشعبية يرفضون الرقص مع حزب الديمقراطيين السويديين) حيث أعلن هؤلاء المثقفون السويديون ومنظماتهم ، احتجاجهم ورفضهم لدعوة حزب (الديمقراطيين السويديين) ذي التوجه العنصري ، إلى صرف ألأموال المخصصة للثقافة في الميزانية العامة للدولة على الموسيقى والرقص والتقاليد الشعبية السويدية فقط وترك ما عداها . وأعلنوا عن إرتياحهم في أن يظل المجتمع السويدي متعدد الثقافات ، وإن موسيقاهم الشعبية تتطور وتتكامل من خلال تواصلها مع موسيقى الشعوب الأخرى . كما طالبوا الحزب المذكور أن لا يستخدمهم ، ومنظماتهم ، كعصى – بالعراقي ماشة نار - لضرب الآخرين !

هذا الموقف الإنساني والثقافي الرائع ، دفعني إلى إعادة طرح القضية والسؤال النازف الذي يخشاه ، ويتجاهله ، الجميع في العراق بسياسييهم ومثقفيهم ومنظماتهم : هل يستطيع (الكتاب والشعراء والفنانين) أن يفخروا بما قالوه وكتبوه في تمجيد شخص الطاغية ومغامراته الحربية التي ذهب ضحيتها الآلاف العراقيين الأبرياء ؟ وهل يعتقدوا ، أو أي شخص أو جهة ، بأن (نتاجهم) يمثل إضافة للثقافة العراقية الإنسانية ؟ وهل يكفي أن يقولوا : كنا مجبرين !؟ وهم ونحن والعالم كله يعرف إن كل الأنظمة الدكتاتورية ، ومنها نظام البعث البائد والمقبور صدام ، لا تحترم الثقافة ، بل تمسخ الثقافة وتحول المبدعين إلى جوقة من المطبلين ، وتستخدمهم كأبواق في جهاز ضخم يسمى (الإعلام) يساهم في تلميع وجه الدكتاتور ونظامه ، وهو يسحق الإنسان وكل القيم الإنسانية النبيلة . وهذا الجهاز وتوأمه ( أجهزة ومؤسسات القمع المتعددة الأسماء ) ، كانا أهم الركائز التي اعتمد عليها البعث ونظامه على مر تأريخه .

فماذا يمكن أن يقال في من كتب في مدح الجلاد :
يا هامة الدنيا وصوت الطين لو يوما يغني
مولاي جئتك فانتظرني تعب الضحى وانسل مني
واتيت نحوك سيدي يا من أعدت دمي ولوني
الكل جاءك من أقاصي الصوت من جزر التمني
زحفوا إليك وبايعوا كفا تدافع ثم تبني
يا ما حملت الماء والأشجار من متن لمتن
أحلام هذي الناس في عينيك يا سكني وامني
يا واحدا حشدوا عليه الكون من انس وجن
لم يرتجف دمه ولم يحفل بما زرع التجني ويتيه هذا الكون لم يترك سوى شجر مسن
يا ما تملقت البقاع وأنت صحت إليك عني

وفي هذا الآخر :
لولاك ما طلع القمر
لولاك ما هطل المطر
لولاك ما اخضر الشجر
لولاك أيضاً ما رأى أحد ولا عرف النظر
لولاك ما كان العراقيون معدودين في جنس البشر
بل لم يكونوا في الخلائق
أو لكانوا دون سمع أو بصر
إنا لنحمد حظنا إذ كنت حصتنا وجاء بك القدر .

وفي من أنشد للمجزرة وهو يحمل البندقية :
فوت بيهه وعل الزلم خليهه

والآخر الذي قاد جوقة :
قائد الأمة وجنوده ... بعثي يا هيبة زنوده ... بسمه باهينه الزمان

نعم ! قد يكون بعض من كتب وأنشد مجبرا ، ولكن الظروف المعروفة للجميع قد انتهت وتغيّرت ، والتعكز على هذا التبرير وممارسة سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال ، قد ينفع لبعض الوقت ، ولكنه يظل موقف غير مشرّف .
إن الموقف الأخلاقي الإنساني والثقافي ، يفرض على من تواطأ وقبل أن يضع نفسه – طوعا أو بالإكراه – في خدمة الطاغية ومؤسسات الطغيان ، أن يكون شجاعا ويعتذر للثقافة وللشعب العراقي . ولا نعتقد بأن هذا طلب تعجيزي ، خاصة وإن (الثقافة المسخ) التي ساهموا بإشاعتها لا تزال فاعلة في الشارع العراقي وهي تظهر ، بشكل علني وفاضح ، وتطل برأسها في أكثر من مناسبة ، وتضع الجميع تحت طائلة المسؤولية في توضيح الخيط الأبيض من الأسود !
ومن المفارقة إننا نطلب هذا الموقف من العرب والأجانب ونصفهم بالمرتزقة وأصحاب (كوبونات النفط) ، ثم لا نكتفي حتى بالصمت بل نلف وندور ونختلق المبررات ، كل حسب خندقه دفاعا عن (أصحاب المنح والمكافآت وأصدقاء الريّس ... ) من العراقيين ، الذين كانوا الأكثر تأثيرا وتدميرا !

إن من يتابع ما جرى ويجري اليوم من إعادة تأهيل من أساء للعراقيين سياسيا وثقافيا ، ويراهم يتبوءون المراكز ويشغلون المناصب ، وكأنهم لم يخدموا نظام الطغيان ، ولم يشاركوا في الخراب الذي ألحقه بالعراق والعراقيين ، لا يستغرب استمرار مسيرة الخراب والدمار . وبالمناسبة فإن بعض هؤلاء ، لا يزال يحن إلى (الماضي السعيد) ، فتراه يتعكز على سلبيات الحالة العراقية ، ويستخدم نفس مفردات الخطاب البعثي ، ويصل به الأمر إلى الحديث عن (المقاومة الشريفة) !
ولكن حتما ستنتهي الأيام الصعبة التي يمر بها العراق والعراقيون ، وستأتي اللحظة التي تفتح فيها الملفات ، وحين ذاك على الجميع مواجهة الحقيقة ، وقبول حكم التأريخ فيكرّم البعض والآخر ... يهان !


 

 

free web counter