| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد ناجي

muhammednaji@yahoo.com

 

 

 

                                                                                    الأربعاء 28/12/ 2011

 

الحجاج ... وأهل الشقاق والنفاق !

محمد ناجي

 (لو تخابثت الأمم وجئناهم بالحجاج لغلبناهم ، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة) - الخليفة عمر بن عبد العزيز

بين الحين والآخر ، يخرج على العراقيين ، ومن بينهم ، من يشطح به الإنفعال واليأس ، ويريد أن ينتقص منهم ويعيّرهم ، أو يريد أن يتمنطق ويثبت صحة رأيه ، فينزلق إلى مواقع الطغيان - مثلما فعل عدد من (الدكاترة) - فيردد مقولة الطاغية الحجاج : يا أهل الشقاق والنفاق ! أو ما يشابهها (كبلك بحسين شسوينه) ، ولا يعلم إنه بهذا الفعل إنما يفضح نفسه ، ويكشف عن موقف أخلاقي ونفسي ومستوى معرفي ومنهج كتابة وبحث متدني .

ولا غرابة في ذلك حيث تسود ثقافة الاستبداد والطغيان ، وتسري كالدم ! في عروق المجتمع العربي والعراقي منذ قرون ، ولا تسترها خرق اللافتات من كل شكل ولون ، وإن كانت بلون الموضة (الليبرالية) .

لقد توالى على حكم العراق طغاة ، ليس الحجاج أولهم ، ويبدو أن صدام ليس آخرهم ! وبما أن كل طاغية ، من خلال دائرة من الجلاوزة والمنتفعين ، يشيع ثقافة تخدم أهدافه وتقوي حكمه وترسخ سلطته ، حتى بتزوير الوقائع والأحاديث وفبركتها - وفقاً لمبدأ عبر عنه بوضوح جوبلز وزير دعاية هتلر وهو : إكذب ثم إكذب حتى تصدق نفسك - فهؤلاء الطغاة اللئام لم يمروا مرور الكرام ، بل تركوا أرثاً هائلا توارثوه من بعضهم وزادوا عليه على مر الزمن . هذا الإرث حاضر ومؤثر ، بكل إفرازاته الإجتماعية والنفسية ، وظاهر في سلوكية رجل الشارع وعقول المثقفين ونتاجاتهم ، ولا يمكن أن يمّحي ويزول بمجرد زوال الطاغية ، بل بثقافة بديلة ، تضع الأمور في مسارها الطبيعي وتعيد الإعتبار للإنسان ، المواطن ، ليكون محور العملية السياسية والثقافية في المجتمع . ومن الواضح أن هذه الثقافة البديلة مهمشة ، ولا تزال غير مؤثرة ، إن لم تكن غائبة ، في الساحة العراقية ، وهذا ما تتحمل وزره المنظومة والعقل السياسي والثقافي العراقي .

والجدير بالإشارة إلى أن ثقافة الاستبداد ومنها ترديد مقولات الطغاة لا تقتصر على العراق وحده بل تشمل كل الشعوب التي أبتليت بالطغيان . وكمثال حي لا يزال صدى خطب المخبول القذافي يرن في سمع الناس وهو يصف الليبيين الثائرين عليه بـ(( الجرذان والحشرات....)) ، وأيضا ما كتبه أحد الكتاب المصريين – موقع الحوار المتمدن 3580 بتاريخ 18/12/2011- وترديده لكلمات وأوصاف من نفس النهج ، تحط من قيمة شعبه ((أما نحن ( فى الغالب الأعم ) أحفاد العبيد الذين كانوا على أرض كيميت بعد أن صاغوا لأنفسهم سلوكا وأخلاقا وصفات تؤهلهم لأن يتعايشوا مع أسافل البشر من معتدين ومستعمرين ويتأقلمون مع أحط أنواع الحكام .. فيرضون بالدونية والمهانة وبدور العبد الذى لا مكرمة له ...(( .

لم تكن معارضة العراقيين ، نزعة وغريزة نشأوا عليها ، ومن أجل المعارضة بذاتها (كما يصورها الطغاة وماكنتهم الدعائية ، ومعهم الجهلة والسذج) بل هو عشقهم للحرية والعدالة ورفضهم للظلم الصريح الذي يظهر – مثلا – في خطبة عبد الملك بن مروان بأهل المدينة . فيروى أن عبد الملك خطب بأهل المدينة بعد قتل ابن الزبير سنة خمس وسبعين هجرية فقال : ((أما بعد . فلست بالخليفة المستضعف -  يعني عثمان - ولا الخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا الخليفة المأفون - يعني يزيد .... ألا وإني لا أداوى أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم . تكلفوننا أعمال المهاجرين ولا تعملون مثل أعمالهم فلن تزدادوا إلا عقوبة حتى يحكم السيف بيننا وبينكم ... والله لا يفعل أحد فعلة إلا جعلتها في عنقه .... والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه . .))

ومعروف أن الحجاج هو اليد الضاربة لعبد الملك ، وهو لم يتورع عن القيام بأي عمل في سبيل توطيد السلطة الغاشمة لسيده وولي نعمته ، وحيثما حل جلب معه الخراب ، وشتم الناس ، فقصف مكة بالمنجنيق واعتدى على الصحابة وأهانهم . وهذا النزعة المتطرفة في القمع ، بالذات ، والتي لا يحدها شيء هي التي دعت عبد الملك للاعتماد عليه وليس أي شيء غيرها .

ومع القناعة التامة بأن كل نص مرهون بظرف الزمان والمكان ، وأن العراقيين ليسوا من صنف الملائكة ، ولا يختلفون عن غيرهم من البشر ، ولهم ما لهم وعليهم ما عليهم ، ولكن فلنتابع بعض ما ورد عنهم ، وبما يكشف عن معدنهم الحقيقي ، ويرفع من شأنهم ويدحض ما قاله عنهم جلاد يعد من أكبر رموز الطغيان في عصره والعصور التي تبعته ، وبالطبع لا يمكن لمن لديه عقل أن ينتظر منه غير ما قال بحق أشد معارضيه ، الذين لم يهدأوا في محاربته ، رغم كل بطشه وجبروته ، حتى أقضوا مضجعه ، ومضاجع الطغاة قبله وبعده . وللمقارنة ولإنعاش ذاكرة من نسى ، فما قاله الحجاج مشابه في جوهره لسلسلة المقالات ، التي نشرتها أبواق الطاغية المقبور صدام بعد إنتفاضة آذار/مارس 1991 ، للحط من قيم وأخلاقيات المنتفضين من الشعب العراقي .

وكما اشرنا ، يورد إبن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة مقولة للجاحظ يفسر فيها طبيعة العراقيين ((قال أبو عثمان الجاحظ : العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء وطاعة أهل الشام أن أهل العراق أهل نظر وذوو فطن ثاقبة ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء ...)) .

وفي مكان آخر يعود الجاحظ نفسه فيذكر في كتابه - البلدان - مقولة لعبد الملك بن مروان الخليفة ، الذي إستخدم الحجاج للسيطرة على العراق : ((وذكر عبد الملك بن مروان ( روح بن زنباع ) فمدحه فقال : جمع أبو زرعة فقه الحجاز ، ودهاء العراق ، وطاعة أهل الشام .))

ولكي نتعرف أكثر على طبيعة العراقيين ، لنرجع في التاريخ قليلاً إلى حيث يذكر عباس محمود العقاد في كتابه – عبقرية علي - حقيقة لها صلة بما ذكره الجاحظ ((وكان مع علي جمهرة القراء والحفاظ وأصحاب النسك والفقه ، وهم خلق كثير يعدون بالألوف ويتفرقون في الحواضر والبوادي ، ولا يزالون كانبياء بني اسرائيل منذرين متوعدين ساخطين على ترف المترفين ، منكرين لكل خلاف ولو يسير في إقامة أحكام الدين . ...... فإذا كان أجناد معاوية يسمعون الحق والباطل لأنهم لا يفرقون بينهما ولا يفرقون بين الجمل والناقة ، فهؤلاء الأجناد العارفون لا يسمعون إلا ما أجازوه واستوجبوه ، لأنهم خرجوا في الأرض للتفريق بين الحلال والحرام والمعروف والمنكر فلا يجمعون على طاعة ولا يحاربون أو يسالمون في جماعة . وهم اقرب الناس في ذلك العهد إلى الجهر بالنذير والنداء بالتبديل والتغيير والإصغاء إلى وحي الضمير قبل دعاء الأمير .))

وللمقارنة بين الحجاج ومعارضيه ، تذكر الروايات إنه كان أبعد من أن يوصف بالشجاعة ، بل وصف بالجبن ، حيث تجنب مواجهة عبد الله بن الزبير حياً ، ولم يدن منه إلا بعد مقتله ! فتظاهر بالبطولة وجلس على جثته وإحتز رأسه ، وكذلك تجنب منازلة (غزالة) زوجة شبيب الخارجي حتى عيّروه بها ، فقال فيه الشاعر :

أسد عليّ وفي الحروب نعامة ..... فتخاء تفزع من صفير الصافر

هلا برزت إلى غزالة في الوغى ..... بل كان قلبك في جناحي طائر

ويروى أن غزالة هذه أقسمت أن تدخل الكوفة وتصلي في مسجدها ركعتين بالبقرة وآل عمران – من السور الطوال في القرآن -  وأنها ركبت فرسها ودخلت المسجد ، وصلّت ركعتيها كما نذرت وخرجت يحرسها سبعون رجلاً من الخوارج ، ولم يجرأ الحجاج على التعرض لها !

وهكذا فالمعارضون والضحايا ، دائما ، ومنهم العراقيون ، أكثر شجاعة من الطغاة ، حين يواجهونهم بصلابة وإيمان بعدالة قضيتهم ، حتى وهم وسط حاشية الطاغية وتحت سيف الجلاد . وهناك الكثير من الحوادث التي تزخر بها بطون الكتب ، ومنها موقف بالغ الدلالة لعراقي مع طاغية سبق الحجاج ، ذكره العقاد أيضا في كتابه عبقرية علي  ((لما نعي الحسين في الكوفة ، نادى واليها بن زياد الى الصلاة الجامعة ، وصعد الى المنبر ، وخطب في القوم ، فقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذاب بن الكذاب الحسين بن علي وشيعته – فما أتمها حتى وثب له من جانب المسجد شيخ ضرير هو عبد الله بن عفيف الأزدي ، الذي ذهبت إحدى عينيه يوم الجمل وذهبت عينه الأخرى يوم صفين ، فصاح بالوالي غداة يوم إنتصاره وزهوه : يا إبن مرجانة ! .. أتقتل أبناء النبيين وتقوم على المنبر مقام الصديقين ؟.. إنما الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه ....)) .

ومما له أهمية ودلالة خاصة ، ما قاله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ، وهو يصف الحجاج وما فعله بالعراق وأهله : ((لعن الله الحجاج ، فإنه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة . فإن عمر بن الخطاب جبى العراق بالعدل والنصفة مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم ، وجباه الحجاج مع عسفه وجبروته ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط ، وها أنا قد رجع إليّ على خرابه ، فجبيته مائة الف ألف وأربعة وعشرين الف ألف درهم ، بالعدل والنصفة)) (معجم البلدان 3/183) . موسوعة العذاب ج1 ص32

وبعد هذا ، ولكي لا يخطئ أحد في إعادة تسويق سيرة الحجاج ومواقفه وخطبه ((فقد عم شؤم الحجاج جميع اهل بيته وأفراد عائلته ، فإنه لما هلك ، وإستخلف سليمان بن عبد الملك ، أمر بجميع الرجال من آل أبي عقيل ، عائلة الحجاج ، فاعتقلوا بواسط ، وعذبوا ، حتى ماتوا بأجمعهم تحت العذاب . ولما استخلف الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، بعث بالباقين من أفراد عائلة الحجاج إلى الحارث بن عمر الطائي عامله على البلقاء ، وكتب اليه : أما بعد فقد بعثت إليك بآل أبي عقيل ، وبئس - والله- أهل البيت في دين الله ، وهلاك المسلمين ،  فأنزلهم بقدر هوانهم على الله تعالى وعلى أمير المؤمنين)). (موسوعة العذاب)ج1ص10

هذا غيض من فيض ما يمكن أن نذكره في هذه العجالة ، وكتب التاريخ فيها الكثير ، حيث لا تذكر الحجاج وسيرته إلا كرمز صارخ للطغيان والظلم ، ولا يغير منها مايكتبه بعض المدافعين عنه ، فكتاباتهم في مجملها متحيزة ، وأجد ما قرأته منها ليس أكثر من تبرير لنهجه ، نهج الطغيان !

ونختتم بالتنبيه والإشارة ((لما جاء موت الحجاج إلى حسن البصري سجد لله تعالى شكراً ، وقال : اللهم إنك قد أمته فأمت عنا سنته))  ولم يكتف عمر بن عبد العزيز بالدعاء فقط  فـ((كتب إلى عدي بن أرطاة : بلغني أنك تستن بسنن الحجاج ، فلا تستن بسننه ، فإنه كان يصلي الصلاة لغير وقتها ، ويأخذ الزكاة من غير حقها ، وكان لما سوى ذلك أضيع)) .

فيا من تدّعون الولاء والسير على نهج الانبياء والأولياء الصالحين ... يا أتباع الحرية والديمقراطية و(الليبرالية) ... يا اصحاب العلم والمفهومية ... لا تحيوا سنن الطغاة ، الأموات منهم والأحياء ! لا تكونوا أبواقا ومطايا لتمرير نهجهم ومنحه الحياة بتضليل الناس ! وإتخذوا درسا وعبرة من نهايتهم . ألا يكفي أن اللعنة تلاحقهم وعوائلهم وأتباعهم ... زنقه زنقه !؟ بعد أن صدق فيهم الحديث الشريف : ((من خاف على عقبه وعقب عقبه فليتق الله)) .

..... فإتقوا الله !

 

 

free web counter