| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد ناجي

muhammednaji@yahoo.com

 

 

 

السبت 25/9/ 2008

 

لطم شهمودة !

محمد ناجي

لا أعتقد بأن هناك خلاف ، في أن الإنسان هو القيمة الأعلى في الأرض . وكل الأديان والإيديولوجيات ومنظماتها ومؤسساتها ورموزها تتحدث عن الإنسان وتضعه ، في أعلى مرتبة ، وتردد ليل نهار أنها تعمل من أجله وفي خدمته ، وتسعى وراء مرضاته ومرضاة الله ولا تريد منه جزاءاً ولا شكوراً ، وهكذا قربة إلى الله .. و ... ولكن لماذا نرى ، ونلمس ، في الواقع والحياة اليومية عكس ذلك ، وإن هذا الإنسان بائس وتعيس ، وهو مثل ( شهمودة تلطم ويه الكبار وتاكل ويه الصغار ) !؟ (*)

والجواب ، كما أعتقد ، يكمن في العقلية المتخلفة ، على مختلف الأصعدة ، التي تعاند تغير الظروف فأصبحت حركتها ، بالضد من حركة الإنسان والزمن . العقلية التي ترفض التخلي عن نزعة الغلبة والاستئثار ، والتي غذتها ترسانة ضخمة من قيم البادية والريف ، ورسختها قرون من ثقافة السلطات المستبدة ، بدأت مسيرتها من الجزيرة العربية ، حيث ينشد عمرو بن كلثوم بفخر :

ونشرب إن وردنا الماء صفواً ...... ويشرب غيرنا كدراً وطينا

ويتبعه المتنبي بنرجسية :

ودع كل صوت غير صوتي فإنني ..... أنا الصائح الحاكي والآخر الصدى

وغير هذا كثير ... تراكم على مر الطغاة والعصور فوصل بنا إلى أزمة تحديد الكتلة ألأكبر الفائزة في الانتخابات !
خلال هذه المسيرة الطويلة ، تضخمت وطغت الأنا ، الفردية والجمعية ، على حساب الإنسان الآخر ، وأصبح من البديهي أن أكون ( أنا وأخي على إبن عمي وأنا وإبن عمي على الغريب) . ودفاعا عن مصلحة هذه (الأنا) ، مهما تواضعت ، يتقاتل الأخوة بشراسة أشد من هابيل وقابيل فـ(أنا ومن بعدي الطوفان ) . هذا الطوفان أغرق في بحر النسيان ، وطمر قيم وأفكار سامية لأديان ومفكرين ، تريد الحد من طغيان (الأنا ) ، فمجدت الإنسان وكرمته ( ولقد كرمنا بني آدم ) . ولم يعد هناك من يلتفت ، مثلا ، لجواهر الكلام لنبي الأمة ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولا لعلي بن أبي طالب ، حتى بين المتشدقين بإتبّاعه ، حيث أوصى ( الناس صنفان إما أخ لك في الدين وأما نظير لك في الخلق) ، و( إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء ... وإياك والمّن على رعيتك بإحسانك ، أو التزيّد فيما كان من فعلك ... وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة ... ) .

لقد سادت (الأنوية) ورسخت وخربت الدنيا والآخرة فأصبحت ( الصلاة وراء علي أتم والجلوس على مائدة معاوية أدسم ) ، وتحول الدين إلى تجارة رابحة ويافطة وماركة تجارية في السوق مثل دجاج (الكفيل) و (المراد) . والمبادئ إلى موضة قديمة - متوّكل خبز - فـ( الرجال اللّي يعبّي بالسلة رقي) .

لقد تعاملت ، وتتعامل ، عقلية (الأنا) مع الإنسان كونه خروف ضال عليه أن يكفر عن ذنوبه ، وقزم جاهل ليس له حول ولا قوة حين يقف أمام " القامات الشامخة للقادة الدينيين والسياسيين والمثقفين ، وحتى منظماتهم " ، بعد أن جعلت من هؤلاء رموز ، عليه أن يتعامل معهم كطواطم وأنصاف آلهة كسلفهم السلطان العثماني ، الذي وضع على مدخل قصر توبكابي في اسطنبول عبارة ( السلطان ظل الله في الأرض ) ، التي لا تزال موجودة إلى اليوم ويراها كل زائر للقصر .

هذا هو واقع الحال ! وكل ما جرى ويجري اليوم في العراق هو نتاج لهذه العقلية المتخلفة والعاجزة عن القيام بأية خطوة تدفع بالأمور ، على أرض الواقع ، إلى الأمام في الاتجاه الذي يخدم الإنسان . وبما أنها عقلية غلبة واستئثار و( لغف ) وليست عقلية عمل وإنتاج وإبداع ، فهي ليست بحاجة لعقل الإنسان وطاقاته الخلاقة ، التي تقف بالضد من مصالحها ، فاستمرت على نهج من سبق في مسخ الإنسان وتسطيح عقله ، وحولته إلى شعار زائف ومخادع ، وهتاف أجوف .

وبين ( صدام إسمك هز أمريكا ... ويمه إبشري ... ، وكل العراق ينادي ... علاوي عز بلادي ! ) تستمر شهمودة ، بالنواح واللطم .
 


(*) المرأة التي تظهر في الصورة لا علاقة لها بشهمودة !!
 


 

free web counter