| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد ناجي

muhammednaji@yahoo.com

 

 

 

الثلاثاء 13/5/ 2008



العراق بين النور والديجور !

محمد ناجي

لم ينجح العراقيون ، حتى اللحظة ، في التخلص من آثار وآثام النظام السابق ، الذي ترك آثارا فكرية ونفسية وأخلاقية سلبية ومشوهه لدى الفرد والمجتمع العراقي ، أنتجت بدورها ظواهر خطيرة لن تمّحي بسهولة . ومما زاد الطين بلّه أن أغلب المسؤولين وصناع القرار وتنفيذه في النظام الجديد ، باختلاف مستوياته ومفاصله ، ساروا على نفس النهج السابق وأصبحوا مفردات تدور في فلك الدائرة ذاتها ، بل زادوا عليها ، حتى تفككت الدائرة الأولى وانشطرت إلى دوائر أخرى تحمل سمات أكثر سوءاً وخطورة من الدائرة الأصلية .
من أخطر هذه الظواهر ، ضعف الشعور بالمسؤولية ، وقصر النظر بتغليب الموقف والمصلحة الشخصية والولاءات الضيقة على حساب الولاء للوطن ، وهو ما أدى ، ويؤدي ، إلى تغييب الرؤية والمصلحة الوطنية العراقية وتراجعها الى مرتبة متدنية ، تصل حد السخرية .
وهذه الظواهر – المرادفة للإرهاب والفساد - تلمسها ، في الواقع ، في أبسط التفاصيل اليومية في الشارع ، ولدى مراجعة أي من دوائر الدولة العراقية ، فتجد من الموظفين من ينفش ريشه ، ويتصرف وكأنه ظل الله في الأرض ، ولا اجتهاد من بعده ، ويتعسف في تفسير القوانين والتعليمات ، وفق المزاج ، بعيدا عن أي منطق ، وبما يرهق المواطن ويضعف قناعته بالانتماء والثقة بالدولة العراقية المهزوزة مسبقا ، ليؤثر سلبياً على الحركة (السلحفاتية) لتقدم البلد وتطوره .
ولكي لا تكون الكتابة رجما في الغيب ، نشير هنا إلى ما حدث لطبيب من (الحلة) ، ذهب إلى الحج فأوقفوه عند الحدود في (عرعر) لأن اسمه يشبه اسم شخص آخر من (ديالى) ممنوع من السفر ومطلوب للعدالة بأكثر من قضية ، ولا يوجد لدى المسؤولين غير اسمه الثلاثي وصورته . وبعد احتجاز الطبيب لمدة يومين في عرعر ، تحركت المشاعر الانسانية لموظف آخر في نفس نقطة الحدود ، فعادوا وسمحوا للطبيب بمواصلة السفر والحج . هذا الطبيب أوقفوه مرة ثانية ، حول نفس الشبهه ، في مطار بغداد وهو على رأس وفد حكومي من وزارة الصحة إلى الهند . سمحوا للوفد ومعه حقائب الطبيب بالسفر ، ومنعوا الطبيب ، ولم يعتقلوه ! بل أبلغوه بأنهم يعرفون بأنه ليس الشخص المقصود ، ولكن عليه السفر إلى ديالى لكي يجلب لهم كتاب ينص على أنه ليس الشخص المقصود ، علما أن جواز سفره صادر ( بعد الحادثة الأولى في عرعر ) ومن مديرية السفر والجنسية العامة في بغداد ... ولا يزال الطبيب حرا طليقا يمارس عمله ، ولكنه بانتظار موظف لديه ولو قليل من العقل والشعور بالمسؤولية ، أو فاعل خير يجلب له حقائبه من الهند !
حالة أخرى لعراقي كان مضطرا لدخول العراق بجوازه الأجنبي (يحمل جواز عراقي بحاجة لتجديد) فكان لابد من الحصول على فيزا عراقية ثُبّت فيها بأنه من ( أصول عراقية )، ولم يشفع له الحق الذي كفله الدستور والقانون في جواز ازدواجية الجنسية العراقية ، والذي ورد في (المادة 18 – رابعاً : يجوز تعدد الجنسية للعراقي .....) في التعامل معه (كعراقي) ، كما لم تنفعه الوثائق التي يحملها كالجواز العراقي وهوية الأحوال المدنية (الجنسية العراقية) وشهادة الجنسية العراقية والبطاقة التموينية ودفتر الخدمة العسكرية القديم ، وبالتالي فــ(كأجنبي) عليه مراجعة الدوائر المعنية خلال 10 أيام لتنظيم إشعار بالدخول إلى بلده ووطنه ! ولم تنته المسألة عند هذا الحد ، ففي حالة موثقة ، وعند المراجعة لتنظيم إشعار الدخول طلب منه الموظف في المحافظة التي يقيم فيها ، إلى إجراء هذا الإشعار ، وفقا للتعليمات ، في محافظة أخرى حيث سبق له وكان فيها عام 2004 ، فنفذ صاحبنا المغلوب على أمره ما طلب منه وذهب إلى المحافظة الثانية فأبلغوه ، كذلك وفقا للتعليمات ! ولكن بعد أن سخروا من زملاءهم ، بأن لا حاجة للمجيء إليهم ، لأن إشعار الدخول والملف الذي لديهم قد أعتبر منتهيا بعد أن منحوه إذن مغادرة عام 2004 ، وبالتالي يمكنه عمل إشعار دخول جديد في المحافظة التي يشاء ، فرجع إلى المحافظة الأولى ، فعادوا وسخروا بدورهم من زملاءهم ، إلاّ أنهم أمام الأمر الواقع ، نظموا إشعار الدخول ، ولكن على مضض ! والقضية غير منتهية ، حيث يجب تجديد هذا الإشعار كل شهر ولثلاث مرات فقط ، بعدها إن أراد البقاء فترة أطول ينبغي مغادرة العراق ، والعودة ثانية لكي يحصل على 3 أشهر أخرى ، أو عمل إقامة دائمة وليمر مجددا بسلسلة غير منطقية ومتاهة أكبر ، هي خليط غير متجانس للأمزجة واجتهاد الموظفين ، وكأننا لسنا في دائرة وسجل وعراق واحد ، يدعو أبناءه ، ليل نهار ، للعودة وأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار والأعمار !
لدى كل مواطن مواقف كثيرة مثيرة للسخط والسخرية ، ربما أكثر درامية مما ذكرنا ، يمر بها كلما دفعته الحاجة والظروف ، وما أكثرها ، ليقف في مواجهة قوانين وتعليمات وشخصيات (عصمنلية) جوفاء .
ورغم أن العراق لا يخلو من جهود أبناءه الطيبين وعقولهم النيرة ، التي تسعى للخروج من دوائر التخلف والشد إلى الماضي ، إلا أنها لا تزال محدودة الفعل والتأثير ، حتى الآن ، وهذا ما يؤكد الحاجة الملحة إلى أكثر من (صولة وصحوة حقيقية) وعلى أكثر من صعيد ، لتعديل بوصلة حركتنا نحو الاتجاه المناسب لمصالحنا في التطور والتقدم ، وحتى ذلك الحين يستمر نزيف الجهد والوقت والثروة والدم !







 


 

Counters