| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهران موشيخ مهران

 

 

 

                                                                                       الأربعاء 7/3/ 2012

 

8 اذار
عيد صامت لكيان مكبل

د. مهران موشيخ مهران

منذ ما يقارب القرن من الزمان والبشرية في القارات الخمس تحتفل باليوم العالمي للمرأة تكريما للام الحنون والاخت العزيزة والزوجة الحبيبة، وحكومات العديد من البلدان الغربية تنتظر سنويا حلول 8 اذار لتعلن عن لائحة او قانون او مشروع جديد لصالح المرأة تقديرا لكينونتها وقدسية مكانتها في المجتمع. كيف لا ونجوم السماء والشمس الساطعة، السهول الخضراء، الياسمين والوردة الحمراء، الحنان الدافئ وصفاء الروح، هي غيض من فيض الاوصاف الحسنى للجنس البشري، المنسوبة لصاحبة الابتسامة البريئة... المرأة.

منذ عام مضى ، ووسائل الاعلام العالمية ومنها الاعلام العراقي ، تتسابق لتنقل اخبار ما اتفق على تسميته الربيع العربي .... ربيع لا يحلق في فضائه طيور الحب وانما مدافع الصواريخ حصدت وتحصد ارواح الاف النساء، خلفت وتخلف الاف الارامل في كل من ليبيا واليمن وسوريا... ربيع المرأة في العراق ازداد جفافا منذ تسع سنوات ، نسيمه اصبح مقفرا لا تفوح منه رائحة زهور عطرة ، وانما دخان خانق تفوح به دمار المفخخات.

غدا سيطل، وللمرة التاسعة على التوالي، 8 اذار، كأي رقم مجرد في التقويم السنوي لرجالات الحكومة الجاهلين والمتجاهلين عظمة هذا التاريخ في قاموس المرأة العراقية، التي تستحق منا نحن معشر الرجال جل كلمات الشكر والثناء، والانحناء امام قامتها، اجلالا لحاضنة حب لا ينضب.

اجمل التحيات واعطر التهاني لكنّ بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، احرارا كنتن ام سجينات دهاليز الدكتاتوريات، ام اسيرات الرجال الذكوريين في بيوتكن... افضل التمنيات لكنّ جميعا حيث ما تواجدتن.

عشرات النساء نواب في البرلمان العراقي، استشاريات، الف منظمة نسائية للمجتمع المدني تتصدرهن وزيرة لشؤون المرأة يعملن جميعهن بجد واخلاص واتقان ليحصلن على المزيد من المكاسب المالية والمنافع الاجتماعية على حساب الارامل، باحثات القوت اليومي لاطفالهن في النفايات والمتسولات وبائعات اعضائهن البشرية والمشردات والمهجرات قسرا واللاتي يجبرن على الانتحار في الشمال ويذبحن في الجنوب.

من النساء النواب من لا تجد قهرا ولا تشعر ببؤس يستحق دموعها سوى ميناء مبارك ، واخرى اقتصرت مؤخرا مواضيع حديثها على جليد العلاقة بين رؤساء الكتل والمصالحة الوطنية، وثالثة تبحث في قمام الفساد المالي للحكومة عن كبش فداء من كتلة برلمانية "معادية" في محاولة يائسة منها لحرف الانظار عن القطط السمان المعششين في كتلتها. اخرى مركز اهتمامها ولادة المدارس الائلة للسقوط، نائبة اعتزلت المقعد السني لتجلس على كرسي الحياد ثم ما لبثت ان انظمت الى فريق الشيعة... ولكن سرعان ما خابت امالها ايضا وهجرتهم لتجلس مجددا على كرسي نائب مستقل، بعد ان عجزت عن استحصال امر قبض قاتل والدها الشهيد، نائبة سابقة صرحت امام عدسة التلفزيون من ان " الحقوق التي تمتلكها المرأة العراقية لا تمتلكها حتى المرأة الامريكية"!.

وزيرة الدولة لشؤون المرأة تصرح علنا، بتباهي وبثقة عالية بالنفس بانها ضد مساواة المرأة بالرجل وتبارك قوامة الاخير على المرأة!...شخصيا توقعت سماع صرخات الاحتجاج والاستنكار والتنديد، ولو استعراضيا، من لدن ما يسمى باللوبي او الكوتا النسائية في البرلمان، ولكن تأصلت قناعاتي السابقة وكذلك قناعات المرأة العراقية المهضومة الحقوق، من ان السيارات المصفحة لخمسين نائبة هي اسمى واهم من المصير المجهول لخمسة عشر مليون امرأة عراقية !.

مستشارة رئيس الحكومة تكتفي بتقديم المشورة "السياسية" فقط لدولة رئيس الوزراء... فالسيدة المحامية مقتنعة من ان المرأة العراقية تمتلك كامل الحقوق وعليه تجد انهن في غنى عن من يدافع عنهن ويطالب بمساواتهن مع البشر.

اما مستشارة رئيس الجمهورية لشؤون المرأة فهي مختفية عن مسرح احداث المرأة العراقية، ليست مرئية فضائيا وغير مسموعة اعلاميا، ليس لاسباب لوجيستية، وانما لانشغالها الدائم براحة ورفاهية كلبها العزيز، فهي لا تتحمل مفارقته لساعات طوال. اما التزاماتها تجاه حقوق المرأة العراقية، باعتبارها مستشارة رئيس الجمهورية لشؤونها، فهي عنوان وظيفة تسلمتها منذ ست سنوات براتب شهري يفوق مجموع الراتب التقاعدي الشهري لارامل مائة شهيد.

ان العراق الذي اصبح مستنقعا مقيتا للمحاصصة الطائفية وحيث يتنكر فيها الرعاة لابسط مبادئ قيم الحضارة الانسانية في المجتمع العصري "حقوق المرأة"، لا ولن تصلحه التمنيات ولا الخطب الرنانة ولا الشعارات الزائفة ولا الوعود الكاذبة ولا اللطم على الماضي ولا الاستسلام للواقع المرير ولا الاتكال على نتائج مؤتمر وطني او قمة عربية تعقد في بغداد لمدة ثلاث ساعات!، وانما بمواصلة الطريق الشاق والطويل الذي بدأتها جمهرة كبيرة من النساء العراقيات الباسلات منذ خمسينيات القرن الماضي، تصدرتهن انئذ المرحومة الدكتورة نزيهة الدليمي، وواصلت الاجيال اللاحقة ذات المسيرة وقدمت مئات القرابين، احدثهن في الذاكرة... الشهيدة اطوار بهجت. قوافل المرأة العراقية المناضلة من اجل حقوقها ومساواتها مع اخيها الرجل مستمرة اليوم وثقتها عالية بقدراتها على انتزاع حقوقها، وقد حازت مؤخرا في برلين الناشطة هناء ادور رئيسة منظمة امل على جائزة مكتب السلام العالمي تثمينا لنشاطات المرأة العراقية في مجال حقوق الانسان.

بهجة الاحتفال غدا باليوم العالمي للمرأة، مناسبة للتذكير من ان الربيع العراقي باق في منفاه لحين الانتهاء من سطوة القوانين والاعراف على حقوق المرأة وتحرر الحكومة من مفردات ذهنيتها الذكورية... عندها ستحتفل المرأة العراقية باليوم العالمي لعيدها متحررة من قيود معصميها وستنشد بصوت عال مسموع اجمل اغاني الحب للام الحبيبة والاخت الحنونة والزوجة العزيزة.

 

النمسا 7/3/ 2012



 

free web counter