| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهران موشيخ مهران

 

 

 

                                                                                       الأحد 18 / 8 / 2013

 

عقود تراخيص النفط ... وعقود الكهرباء
املاءات خارجية واجبة التنفيذ عراقيا
(1-3)

د. مهران موشيخ مهران  *

مقدمة لا بد منها

لم يعد بامكان رئيس الحكومة نوري المالكي، وبعد سبع سنوات مريرة، السكوت او التستر على جريمة الجرائم ... سرقة النفط واختلاس الكهرباء!، وما تصريحه بالامس القريب، في لقاء مبرمج مع بعض السادة الاخصائيين والمثقفين، الا مشروع ادانة جديدة مباشرة له شخصيا ومن قبله شخصيا كنوري المالكي وموجهة لنفسه كرئيس حكومة. لقد اوقع الرجل نفسه في مطب يصعب عليه الخروج منه، لانه قد طرح نفسه الى مسائلة شخصية مسئولة وقاسية لن تكون هينة عليه

إذ لا يكفي اتهام المالكي لكل من الشهرستاني ووزير الكهرباء بانهما نقلا له ارقام غير صحيحة (معلومات كاذبة) عن حالة الطاقة...الخ، وانما كان يستوجب على المالكي، قبل هذا التصريح الخطير، ان يقيل الاثنين من الوظيفة فورا، وان يأمر القضاء بالقاء القبض عليهم لاتخاذ الاجراءات اللازمة، ومن ثم يخرج على الشاشة ليعلن الخبر. ان نقل معلومات كاذبة، وبهذه الاهمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ــ الخدمية، ومن نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة الى رئيسه المباشر ... رئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي شخصيا هو ادانة صارخة وبالوثائق الرسمية التي لا تترك اي مجال للشك بان الرجلين (ناهيك عن وصف المالكي لهم بالغباء) ما هم الا وزيران غير نزيهان وفاسدان ومزوران للحقائق وبالتالي محتالان، ينقلون معلومات كاذبة عن امور ذات اهمية ستراتيجية اقتصادية وسياسية هي من صلب مهامهما وواجباتهما الوظيفية!. اذن كل من هذين الوزيرين، وحسب اتهامات المالكي، ليس مجرد كذاب ... وانما متهم بالتزوير وفق عرف القضاء العراقي والعالمي معا!. ان هذا التزوير وهذه الخديعة تتضمن حتما فساد مالي احتضن هذه الادعاءات المفبركة . نحن نتسائل هنا، اذا كان وزير النفط السابق، وهو وزير الكهرباء السابق وكالة، وهو نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة حاليا، قد افلح ولمدة سبع سنوات على تغطية الشمس بالغربال من عيني نوري المالكي.. ترى كيف هي حال ملف ابرام عقود النفط والغاز والكهرباء مع الشركات الاجنبية في مفاوضات وتفاهمات جرت خلف الكواليس منذ سبع سنوات؟

سبق لنا، كمختص في جيولوجيا النفط والغاز، وان تناولنا بالبحث مستقبل الثروة النفطية في العراق بعد سقوط النظام، ونشرنا بهذا الخصوص دراسات عام 2007. باكورة هذه البحوث شملت المسودة الخامسة والاخيرة لقانون النفط والغازالتي حطت في البرلمان اوائل شباط عام 2007، حيث نبهنا في حينها من خطورة السقوط في احضان شركات النفط الاجنبية والافراط بثروتنا النفطية... وللاسف حدث ما حدث ووصلنا الى ما نحن عليه الان في مجال الطاقة النفطية والغازية والكهربائية. ان اكتشاف رئيس مجلس الوزراء لحقيقة الوجه الاخرالمظلم لنائبه، السيد السيستاني ووزير الكهرباء (والوزراءالسابقين ايضا)، جاء للاسف الشديد متاخرا. المطلوب الان من رئاسة مجلس الوزراء ومجلس النواب اتخاذ الاجراءات اللازمة تجاه الوزيرين المتهمين، التحالف الوطني والمرجعيات الدينية مطالبة ايضا بتحديد موقفها من هذه الفعلة الشنيعة... ان هذه الخطيئة المتعلقة بالطاقة هي اكبر من جميع ملفات الفساد المالي في عقود الاسلحة الروسية والاوكراينية وغيرها مجتمعة معا... انها جريمة الجرائم، لانها جريمة الافراط بثروة البلاد الوحيدة والتي كانت الكفيلة بضمان المستقبل الزاهي للاجيال القادمة، اما الان فنقول ويا اسفاه... هيهات، لم نخسر جولات التراخيص فقط وانما فقدنا المستقبل

نعود الان الى تناول موضوعة البحث الذي كنا قد شارفنا على الانتهاء منه قبل يوم من لقاء السيد المالكي مع الاساتذة الاخصائيين الافاضل

المدخل

مناقشة اي موضوع يخص الثروة النفطية في العراق بعد 2003 تبقى سطحية وساذجة وغير مجدية، ما لم يجري الانطلاق من حقيقة سياسية جوهرها تكمن في ان الغزو الامريكي ـ البريطاني للعراق، وما ترتب عليها لاحقا من احتلال امريكي، جرى التفكير والتخطيط له عقدين من السنين قبل 2003، وان جميع الاحزاب والقيادات السياسية العراقية، التي تم تعيينهم في مجلس الحكم من قبل الحاكم الامريكي ـ بريمر، شاركت بهذا القدر او ذاك في التخطيط وساهمت لوجيستيا واستخباراتيا والبعض منها حتى عسكريا في تنفيذ مخطط الغزو، وفق توجيهات زلماه خليل زادة لهم في لقاءاته المنفردة او الموسعة سواء في امريكا او خارجها. ومن بديهيات الامور ايضا ان تكون التعليمات التي كان ينقلها خليل زادة لاقطاب المعارضة العراقية، صادرة من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية الامريكية (مذكرات النائب احمد الجلبي نشرت عام 2007 في الموقع الالكتروني ـ الاخبار ـ في عدة حلقات). لا بد هنا من التذكير بان الرئاسة الامريكية في زمن الرئيس كلينتون وبوش الابن ووزراء الخارجية والبنتاغون ورؤساء وكالة المخابرات المركزية اجروا في واشنطن العديد من اللقاءات المباشرة مع بعض قيادات المعارضة العراقية الحاكمة حاليا!. الجعفري والجلبي، علاوي والطالباني، عبد العزيز الحكيم وحميد مجيد، البرزاني والنجيفي وعادل عبد المهدي، التركمان وصولاغ والهاشمي والمالكي وضباط جيش ومخابرات والعشرات من قيادي جميع احزاب المعارضة كان دورهم في هذه اللقاءات مجرد آذان صاغية لاملاءات وزيرتي الخارجية الاميريكية اوليبرايت وكونزا ليزا رايس والناطق بلسان الادارة الامريكية زلماه زادة. ان ولاء حكام العراق الحاليين للادارات الامريكية المتعاقبة كانت " ولا تزال" اقوى بكثير من التعاون المتبادل فيما بينهم... حيث الثقة بين اطراف الطبقة السياسية المتنفذة الى يومنا هذا غائبة ضمن التشكيلة التي تحمل اسم ... حكومة وحدة وطنية

لقد اقدمت امريكا،كما هو معروف للجميع، على قيادة قوات الحلفاء في غزو العراق مع كل من انكلترا وكندا وعدة دول غربية وعربية، وبدعم وتنسيق لا متناهي مع حليفها الستراتيجي اسرائيل. كانت امريكا واثقة من تقديراتها وتعلم بان عملية الغزو ستكلفها خسائر جمة بشريا، وتلف معدات حربية، ومليارات هائلة من الدولارات. كانت على يقين من ان استنكار واستياء الرائ العام الامريكي والمجتمع الدولي عموما سينصب عليها بسبب هذا القرار الدموي التعسفي اللانساني، ومع ذلك لم تتراجع الادارة الامريكية عن قرارها، لماذا؟،لان الغزو كان المخرج الوحيد لتحقيق هدفها الستراتيجي في المنطقة

ما يهمنا هنا هو التذكير والتاكيد من ان القرار الامريكي بشن الحرب لم يكن لاسقاط نظام صدام، بحجة امتلاك صدام لاسلحة دمار شامل يستوجب تدميرها وانقاذ الشعب العراقي من الحكم الدكتاتوري، والعودة بعد انجاز المهمة الى قواعدها الحربية، كلا والف كلا. الدافع للغزو كان البدء في تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير المتضمن تغيير الخارطة الجيوسياسية الاقليمية لصالح امريكا وحليفتها اسرائيل ، وتعزيز التواجد العسكري الامريكي في المنطقة عبر انشاء قواعد ومرتكزات عسكرية جديدة، واخيرا، احكام السيطرة على الثروة النفطية والغازية للعراق

عقود النفط والغاز

في ثمانينيات القرن الماضي تاكد للكثيرين من الجيولوجيين المختصين بعلوم بحث واستكشاف النفط والغاز، من ان العالم سيعاني ازمة انتاج النفط والغاز عند الثلاثينيات من القرن الحالي بسبب انحسار الاحتياطي العالمي حيث الاستهلاك العالمي اصبح يفوق حجم الاكتشافات الجديدة، باستثناء العراق، وتقارير منظمة اوبك ومنظمة الطاقة الدولية تشير الى ذلك بوضوح (1) . منذ ذلك الحين بدات دول الاتحاد الاوربي والدول الصناعية الكبرى مثل امريكا وكندا وروسيا والصين واليابان الاستعدادات لمواجهة هذه الازمة المرتقبة، التي ستنعكس سلبيا على حجم انتاج الطاقة الكهربائية في العالم وفي القارة الاوربية بشكل خاص. لقد استعدت صقور العولمة برسم خريطة طريق، لاستيعاب الازمة المرتقبة وتوظيفها في خدمة مصالحهم على حساب شعوب الحكومات المتخاذلة، الحكومات الوضيعة . صانعوا القرار الستراتيجي في امريكا وجدوا ان الصيد بالماء العكر هو الحل الامثل لهم في استباقة الازمة المرتقبة عن طريق زيادة السيطرة على منابع النفط والغاز في الدول العربية، وفي الطليعة منها وضع اليد على المنتوج الهايدروكاربوني في العراق من خلال الغزو العسكري واحتلاله لاحقا ... تمهيدا لاحتلال (استملاك) حقولها النفطية والغازية. وكان من شان هذه الخطوة النوعية في الاحتلال ان تؤدي الى توسيع مساحة المظلة الامريكية المسيطرة على صناعة النفط العربي، مقابل حماية ودعم حكومات هذه الانظمة، ملكية كانت ام جمهورية، منتخبة او موروثة

غداة سقوط نظام صدام واتمام الغزو واحتلال العراق اعد مسودة "قانون النفط والغاز" وبعد تنقيح المسودة للمرة الخامسة ارسلت من قبل رئاسة مجلس الوزراء(في زمن الجعفري) الى مجلس النواب في كانون الاول 2006 لاقرار قانون النفط والغاز!. الشئ الملفت للانتباه "وطبعا لا يدعو للاستغراب"هو ان مسودة القانون قد كتبه طرف اجنبي، ويفترض ان المشرع هو امريكي، لان النسخة الاصلية لقانون النفط والغاز مكتوبة باللغة الانكليزية وتم ترجمته الى العربية لكي تناقش في مجلس النواب!. قانون النفط والغاز، ورغم مرور اكثر من 6 سنوات لا يزال مختفي في دهاليز البرلمان ولم يجري مناقشته داخل قبة البرلمان الى يومنا هنا بسبب خلافات جوهرية في تفسير بنود وفقرات القانون بين اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية. القانون يحوي على نصوص مجحفة بحق سيادة العراق ويقود الى الافراط بالثروة النفطية، ويتضمن جملة من التناقضات التطبيقية بين بنودها وفقراتها، ناهيك عن الغموض في تفسير المحاور الاساسية فيها مما يجعل من القانون مسرحا للتصارع بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان، ولهذا السبب رفض التحالف الكوردستاني مناقشة مسودة قانون النفط والغاز بالصيغة المعروضة تحت قبة مجلس النواب

الاكاديميين والخبراء العراقيين المختصين في شوؤن النفط، استنكروا مضمون الصيغة التي تضمنتها مسودة القانون وعكسوا موقفهم في مذكرة وجهت الى مجلس النواب في شباط عام 2007 بتوقيع 104 باحث وخبير نفط عراقي ( بضمنهم كاتب الاسطر) دعت فيها الى رفض مناقشة المسودة لانها لا تخدم مصلحة الوطن. شخصيا كنا السباقين، وربما الوحيد، الذي قام بدراسة تحليلية معمقة للمسودة بصيغتها الاخيرة التي وصلت الى مجلس النواب بصيغتها النهائية، دراسة (2) نشرت في الصحف الالكترونية وحضيت باهتمام وتقدير خبراء النفط

بعد زوبعة اعلامية دامت اسابيع واشهر طوال اغلق الستار من منصة البرلمان على مسرحية قانون النفط والغاز واصبحت المسودة ومناقشتها في طي النسيان. الا ان انتهاك حقوق الشعب العراقي في الاستفادة من ثروته النفطية مستمر الى يومنا هذا، وهو قائم على قدم وساق من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان على حد سواء. حكومة الاقليم، وبعد رفضها لمسودة قانون النفط والغاز، باشرت الى التصرف بالثروة النفطية الموجودة في الاقليم دون الرجوع الى الحكومة الاتحادية وقامت بعقد صفقات تجارية مع شركات نفط اجنبية تتضمن تطوير الحقول المكتشفة، وبحث واكتشاف حقول جديدة والخ. في عام 2008، وعلى اثر قيام الاقليم بتوقيع عقد مع احدى الشركات النفط الاجنبية لتصدير نفط الاقليم، اعلن رئيس حكومة اقليم كوردستان نيجرفان بارزاني في احتفالية رسمية من ان الاقليم قد اصبح احد "البلدان" المصدرة للنفط وكان ضمن الشخصيات البارزة المدعوة لهذه الاحتفالية وجالسا في الصف الاول هو زلماه خليل زادة!... اظنني لا غرابة في الامر

الحكومة الاتحادية تناست بدورها موضوعة سن قانون للنفط والغاز واتجهت الى رفع شعار الاسراع في زيادة انتاج النفط العراقي من خلال تطوير الحقول النفطية المكتشفة، واكتشاف الجديد منها، بدعوى حاجة البلاد الماسة الى موارد مالية. عراب هذه الفكرة، وزير النفط السابق شهرستاني، قد تجاوز القدرات العراقية البشرية والفنية لتحقيق الزيادة المنشودة، واتجه مباشرة الى الكارتل النفطي للاحتكارات العالمية، الكارتل الذي ساهم في تخطيط غزو العراق واحتلاله !. طرحت وزارة النفط العراقية على شركات النفط العالمية العملاقة عقود مشاركة تمنح " تهب" بموجبها الحكومة الاتحادية الشركات المعنية حقوق استثمار تجني منها هذه الشركات ارباحا مالية نقدية وعينية (نفط خام) متساوية مع حكومة العراق صاحبة حقل النفط، بل وان الشركات الاجنبية تستفيد من الناتج النهائي اكثر من العراق لان التصدير والتسويق ارتهنتها حكومتنا الوطنية للشركة الاجنبية المنتجة ولـ 20 ــ 25 سنة القادمة وقابلة للتمديد

نحن (كاتب الاسطر)، كنا ولا زلنا ضد عقود المشاركة، وانتقدنا نهج عقود التراخيص قبل سنتين من افصاح الحكومة عنها في مقال نشرناه في تموز 2009، و بعد عامين جاءت تكهناتنا الشخصية لتؤكد بان عقود التراخيص الاولى لم تكون الاخيرة وانما ستعقبها عقود تراخيص ثانية وثالثة، وهذا ما حدث فعلا بل واكثر (3). وزارة النفط في حكومة المالكي منشغلة حاليا بانجاز عقود التراخيص الخامسة !، علما ان السيد المالكي صرح عشية الانتخابات البرلمانية الاخيرة في خطاب متلفز قائلا "... قررنا عدم توقيع عقود تراخيص جديدة مع الشركات النفط الاجنبية، سنعطي عقود التراخيص الثالثة للعراقيين حتى لو دامت 10 سنوات!. رغم هذا التصريح الوطني العتيد ارتد المالكي عن تحديه للشركات الاجنبية ومنح عقود التراخيص الثالثة والرابعة وقريبا الخامسة (غازية) مجددا لهم. كجيولوجي مختص نعتقد بان الجولة الخامسة من عقود التراخيص ستكون الاخيرة، لان جعبة وزارة النفط العراقية قد فرغت من الرقع الاستكشافية الحاوية على الثروة النفطية والغازية. نحن على يقين من ان الافراط المبرمج بثروة الشعب النفطية سيستمر، ولكن بجولات جديدة نوعيا تشمل محطات التصفية وعمليات التكرير وانتاج المشتقات النفطية



يتبع


النمسا - آب 2013


الهامش

(1) د.مهران موشيخ... دور النفط والغاز في توفير الطاقة في القرن الـ 21 ... شباط 2008

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=125697

(2) د.مهران موشيخ... مناقشة قانون النفط والغاز واجب وطني لمهمة مصيرية تخص السيادة والعيش الرغيد... آب 2007

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=105320

(3) د.مهران موشيخ... عقود جولة التراخيص الاولى... ثروتنا الوطنية مهددة بالكساد تموز 2009

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=179217

 


* مختص في جيولوجيا النفط والغاز

 



 

free web counter