| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مزاحم مبارك ماالله

 

 

 

الثلاثاء 7/10/ 2008



تأثير الدكتاتورية والعنف الطائفي
على الوضع النفسي لأطفال العراق

د. مزاحم مبارك مال الله

أظهرت الدراسات والبحوث العلمية عمق الهوة بين الوضع النفسي للطفل العراقي (وأطفال بلدان أخرى تشابهه بالظروف)وبين ما هو عليه لدى غالبية أطفال العالم أو على أقل تقدير لأطفال المجتمعات الأقليمية،وكذلك أفضت تلك الدراسات الى نتائج مهولة في الشرخ النفس ـ اجتماعي الذي أصاب الطفل العراقي والتي تعد الجذر الأساس في الأنحراف المتوقع للمجتمع بشكل كامل ما لم تتظافر الجهود الهادفة الى معالجة الواقع المأساوي(وهذا موضوع أخر).
وحينما نتحدث عن ظاهرة فهذا يعني وبكل تأكيد شمول شريحة واسعة من الفئة المعنية أو موضوعة البحث أو المقالة بمعطيات تلك الظاهرة ،فالحديث عن الطفل العراقي وفق هذه المعطيات أنما يعني أننا نستهدف الكتلة الكبيرة من أطفال العراق والذين عانوا الأمَرين ولازلوا،ومما يشار أليه إن هذه الظواهر مترعرعة بين أوساط الطبقات الفقيرة والمعدمة والمتوسطة،وهم في جميع الأحوال يشكلون الغالبية من بين الأطفال،أذن الحديث يتناول السواد الأعظم من هؤلاء الأطفال.
إن تداعيات الأوضاع النفسية للأطفال العراقيين وما آلت أليه في التأثيرات السلبية على أحوالهم الأجتماعية لم تكن بمعزل عن تداعيات أوضاعهم الصحية فهي بكل تأكيد قد فاقمت الأزمة وعقدّتها.
فالوضع الذي نشير أليه لم يكن وليد صدفة أو حقبة بسيطة من الزمن أو جراء أحداث متفرقة ولكن جاء كنتيجة متوقعة لسلسلة من أحداث المراحل الأقتصادية ـ الأجتماعية التي مرت بالعراق وعلى العراقيين،فأضافة الى التمايز الطبقي وسطوة الرأسماليين القلّة على الأغلبية الفقيرة والمتوسطة ورغم ما سرده التأريخ العراقي المعاصر من مآسي البسطاء في العهود الأستعمارية(العثمانية والبريطانبة)والملكية،ألاّ إن النظام الصدامي المقبور يعد الأعتى والأبلغ والأقوى في تأثيراته الأجرامية على نفسية الطفل العراقي وبالتالي فهو نظام نجح في زرع الخلايا الأجرامية في جسد وعقل الطفل البرئ،وذلك من خلال:ـ
1. تشكيل سرايا أشبال وطلائع وفتوة صدام:وهي تشكيلات عسكرية أدت الى حرف الطفولة البريئة المسالمة نحو التفكير الدموي والتسلطي وبث روح العجرفة العسكرية والنظرة القاسية أزاء المجتمع والزمن بمراحله الأنية والمستقبلية وذلك بحكم معطيات الضوابط العسكرية التي عاشها هؤلاء المساكين وقد حرموا من المرور الطبيعي المفترض أن تمر به حياة أي طفل،وبالنتيجة فقد أنحرف تفكير الطفل،علماً أن الأنتماء لهذه التشكيلات كان قسرياً.
2. تشويه التأريخ وصورته الحقيقة بما يخدم الرؤى الصدامية والتغيير المقصود في المناهج الدراسية خصوصاً لطلبة الصفوف الأبتدائية والتي يتوجب تعليمها بما يتناسب مع عقلية ومدارك الأطفال،لقد أستخدم النظام البائد الأساليب الهتلرية في توظيف الدرس والمدارس لطموحاته اللامشروعه النابعة من نفسيته المريضة.
3. تعليم وتدريب الأحداث على الأساليب اللصوصية من خلال ترغيبهم وترهيبهم للأدلاء بمعلومات عن عوائلهم،وفعلاً ادت هذه الأساليب الى سجن وأعدام الكثير من أباء وأمهات المغدور بهم،مستفيد من عفويتهم وبراءة تفكيرهم وخوفهم من الكبير.
4. أغراق الأسواق بألعاب ودمى كنهها القساوة والقتل والحروب والتشفي والعدوان وبكل ما ينقل التفكير الطفولي البريء الى عالم العنف والأنتقام.
5. لم يغفل النظام الصدامي ولم يعتق هؤلاء الأبرياء،بل أستمر في غيّه فأسس تشكيلاً دموياً أخر أطلق عليه أسم "فدائيو صدام" وجعل منهم متوحشين متدربين وبأمتياز بحيث أستخدمهم لذبح الأنسان بواسطة السكين(كما فعل ذلك في العامين الأخيرين من حكمه مع العديد من اللاتي هن الأخريات أنحرفن أخلاقياً وكان نظامه أحد الأسباب الرئيسة لأنحرافهن،أضف لذلك السرايا التي شكلّها أبّان أنهياره النفسي والأيديولوجي)!
6. واستمراراً للمخطط الأجرامي،فقد توّج نظام صدام أعماله بمؤسسة الجيش الشعبي وحرف حزب البعث بالكامل نحو العسكرة والتسليح.
7. القساوة التي أستخدمها ضد آلاف العوائل العراقية بحجة تبعيتهم الأيرانية وجردهم من بيوتهم ووطنهم وأسقط عنهم جنسيتهم والأسلوب الأذلالي الذي أستخدمه ضدهم حيث فرّق بين أفراد العائلة الواحدة،ولكم أن تتخيلوا مدى الدمار النفسي الذي لحق بأطفال هذه العوائل قبل كبارها!
8. الوحشية التي أستخدمها ضد أطفال كوردستان وخصوصاً أستخدامه السلاح الكيمياوي ضد الشعب الكوردي المظلوم.
9. الحروب الصدامية،لم يذكر التاريخ عبر مراحله المختلفة أي فائدة للحروب،وقد شن النظام البائد حروباً غير مبررة أدت بحياة عشرات الألوف من أبنائه وبالذات منهم أصحاب العوائل،فكانت نتائج ذلك:
• نشوء أجيال من الأطفال مع اباء معاقين جسدياً وبعضهم نفسياً.
• نشوء اجيال من الأطفال بلا أب أو أم أو كلاهما.
• تغيير في نسيج العائلة فالكثير من هؤلاء النشأ عاش حياة زوج الأم أو زوجة الأب ومنهم سكن دور الأيتام.

هذا ما فعله المجرم على مدى ثلاث عقود ونصف وما جناه المجتمع من هذا الوضع اللاأنساني،حيث خرّجت مؤسساته الأرهابية آلاف بل عشرات ألوف العٌنفيين والقساة ومنهم يمارس عمله الأرهابي الأن بعد أن غدر به زوال النظام الذي خلقه وامده بمفاهيم الأجرام والعنف.
مما تقدم تتوضح ألأرضية المشوّهة التي أسسها النظام السابق حيث زج بمئات من العراقيين الى أتون الجريمة والأنحراف واغلبهم تزوّج وأصبح لديه أطفالاً، والسؤال:كيف سيكون الوضع النفسي والأجتماعي والتربوي لطفل أبوه مجرم أو أبواه لطفل ينشأ في وضع أسري مفكك خصوصاً من بين عوائل أنفصمت فيها الأواصر الأسرية.
ثم جاء الوضع ما بعد زوال النظام والذي ولّد معطيات جديدة ومختلفة ومتقدمة للأنحراف النفسي والأجتماعي،ألاّ انها تصب بذات المجرى المأساوي.

وقد تجلت تلك المعطيات بالصور التالية :ـ
• مشاهد الأموات والدم في الشوارع والأزقة وحتى التمثيل بجثث المغدورين.
• سماع القصص اليومية بما يحل بالناس من أوضاع سيئة.
• الحرمان من مواصلة الدوام بالمدارس ولأيام بل أسابيع،وحتى إن حصل الدوام فيكون تحت أجواء وظروف الخوف والرعب فغالباً ماكانت تحصل المواجهات والمداهمات المسلحة وغيرها.
• أنقطاع صلة الرحم بالعديد من أفراد العائلة أو العشيرة بسبب التقتيل.
• أنقطاع حبل الصداقة والزمالة وعلاقات الطفولة مع العديد من الأقران بسبب عمليات التهجير القسري التي طالت آلاف العوائل.
• تحديد حركة الأطفال وأحتباس طاقاتهم في اللهو واللعب.
• تغلغل الطقوس والفعاليات التي ترضي طموحات وقناعات الأبوين قبل الطفل،وتجد هذا الكائن البرئ يؤدي واجبات لايعرف كنهها.
نتيجة ما حصل لايقل شأناً عمّا حصل جراء سياسات النظام الصدامي البائد بل تجاوزه بالقساوة والأساءة للطفولة العراقية.

وفي المرحلتين المتعاقبتين لعبت التجارة السوداء دوراً سيئاً جداً في ترسيخ سياسة العنف والموت والقتل،هذه التجارة المتمثلة بأستيراد كل أنواع اللعب التي تمثل الحروب والقتل والدمار.
والأن فالطفل العراقي يعاني من وضع صحي ونفسي يشوبه الكثير من السلبيات، ويمكن أجمال ذلك بمايلي:
1. حالة سلس البول الليلي.
2. حالة مص الأصابع أو طقطقة الأسنان أو مص الشفتين.
3. حالة التلكؤ بالكلام (التأتأة).
4. حالة فقر الدم جراء العزوف عن تناول الوجبات الغذائية الرئيسية.
5. حالة هبوط المناعة جراء الضغوط النفسية.
6. زيادة حالات التوحد والتي ظهرت لدى عدد لابأس به ممن دخلوا تواً للمدرسة.

إن أعداد لابأس بها من الأطفال تعلمت وتداولت عادات سيئة ومسيئة للصحة والمجتمع كالتدخين وبعض الفتية يتناول الكحول وأحياناً المخدرات.
وبكل تأكيد فهذه المعطيات ونتائجها وهذه الصورة المحزنة ستؤثر سلباً على التطور والتفاعل الأجتماعي للجيل النامي في ظل أوضاع وظروف غير مستقرة وستكون سبب مباشر في عرقلة تطور المجتمع مالم تنمو الأسباب الحقيقية لأنقاذ ما تبقى.

 


 

free web counter