| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مزاحم مبارك ماالله

 

 

 

 

الأثنين 2 /4/ 2007

 

 

الجانب الصحي للشعب
في وثائق الحزب الشيوعي العراقي
(1)
 

د. مزاحم مبارك مال اللــه

إهتم الحزب الشيوعي العراقي بكافة قضايا الشعب والوطن،فكما هو معلن و معروف إنه حزبٌ ثوريٌ يؤمن ويناضل من أجل قلب الواقع المتخلف والمتردي الذي يصب في مصلحة طبقة وفئة معينة دون مصالح الطبقات والفئات الإخرى،ولم تبق قضية تهم مصلحة الشعب والوطن سواء داخلية أو خارجية وعلى كافة المستويات والصُعد إلاّ وتناولها بالدراسة والبحث وكشف واقعها مسترشداً في ذلك بالنظرية العلمية الثورية من أجل إيجاد الحلول الناجعة والتي أولاً وأخيراً تصب في مصلحة الوطن وفي مصلحة السواد الإعظم من أبناء الشعب بل إنها تمثل الحلول المثلىفي أكثر الأحيان التي تلبي مصالح الكادحين. ولذا فقد إلّتفت الجماهير حوله .إن أفكار ومبادئ الحزب جسّدت طموحات الشعب،وبالتالي فإن برامجه التي طرحها ويطرحها تلتقي مع آمال وتطلعات الشعب للعيش في حياة رغيدة سعيدة وفي وطن حر متحرر. إن مشاكل شعوب العالم تنجلى في ثلاث صور وهي الفقر والجهل والمرض،وهذا يعني إن الصورة الصحية(الواقع الصحي) لأي شعب إنما تحتل ثلث إهتمام الحركات التقدمية والأحزاب الشيوعية ومنها الحزب الشيوعي العراقي وبالتالي فمن المنطقي أن يتبنىالحزب بل ويركز في نضاله على واحدة من أهم القضايا التي تهم حياة الشعب ألا وهي القضية الصحية ، مدركاً إن الصورة الصحية هي عبارة عن جملة من الأسس متمثلة بالبيئة الصحية وبالتغذية الصحية وبالتربية والتعليم الصحيين.
كشف مناضالو الحزب الإوائل ومنذ البدأ الصلة بين الواقع الصحي للشعب وبين واقعه الإقتصادي ـ الإجتماعي ووجهوا الأنظار الى إدراك حقيقة غاية في الإهمية والخطورة الإ وهي إن صحة المواطن هي من صحة المجتمع وإن صحة المجتمع هي من صحة المواطن والوطن،وكذلك كشف الحزب ما ملخصه إن صحة المواطن ما هي الإ إنعكاس لوضعه الإقتصادي والبيئي وبالتالي الإجتماعي.
لم يكن هذا الكشف الواضح الصريح للموضوع بالإمر الهيّن على حركة ثورية نشأت في ظروف متخلفة حضارياً وصعبة ومعقدة منذ ما يزيد على السبعين عاماً،في ظروف غابت فيها الدراسات العلمية والبحوث الأكاديمية والإحصاءات الدقيقة،وإنما كانت مهمة صعبة إحتاجت الى نظرٍ ثاقب وتفسيرٍ علمي مبني على أسس جدلية في فك رموز عقد مأساة الشعب وفق الفهم المعمّق للمشاكل ،ثم (وهذا المهم) فهي بحاجة الى القائد و القيادة التي توظف المعطيات لتطرح الحلول الإنسانية المطلوبة كمساهمة في تغيير إتجاه أسلوب معيشة الشعب الكادح المظلوم.
و من خلال قراءة وثائق الحركة الشيوعية في العراق منذ بواكير تشكيلها وخصوصاً الحزبية منها (المؤتمرات والكونفرنسات وإجتماعات اللجنة المركزية والصحافة)يتبين إن كل هذه المحافل الحزبية لم تهمل ذكر الواقع الصحي في بياناتها ونداءاتها وتقاريرها رغم إنها كانت إشارات غير معمّقة بالدراسة والبحث (كموضوعة صحية مستقلّة بحدّ ذاتها) وذلك كما يبدو إن الحزب لم يناقشها بشكل متجرد كونه عدّها جزء لايتجزأ من الإزمة العامة للبلد ومن صُلب الصورة العامة للمشهد الإجتماعي البائس.
ومع قلّة المصادر التي أعتمدنا عليها أو رجعنا إليها، نستطيع أن نقول إن التشكيلات الشيوعية الإولى قد سلّطت الضوء على الواقع الصحي للشعب العراقي وربما وردت الإشارة أو الإشارات،هنا أو هناك، الى ذلك الواقع.
ويبدو أن أول إشارة بهذا المجال قد وردت في أول بيان ظهر في العراق يحمل شارة (المنجل والمطرقة) وشعار (ياعمال العالم إتحدوا)،والذي كتبه الرفيق الخالد فهد بخط يده وعلقه في ثمانية عشر مكاناً مختلفاً في الناصرية في ليلة 13/12/1932 و ذيّله بتوقيع :(عامل شيوعي)،حيث جاء في البيان :ـ
"... العاطلون عن العمل يملأون الشوارع،نساؤهم وأطفالهم لا يملكون ما يقتاتون به.. هل فكرت الحكومة بمساعدتهم في هذا الطقس البارد ؟ لم يحصل شئ من هذا.. لأن الحكومة ليست الإ عصابة تعمل ضد الشعب،لا أحد يعرف آلام الجوع إلاّ الجائع... تقدموا الى العمل المثمر والى الحرية والى الرفاهية ".
أما الإشارة الثانية فقد وردت في بيان (جمعية مكافحة الإستعمار) والذي تم توزيعه في النجف في 21/آذار/1935،حيث جاء فيه :ـ
"... الى كل المضطهَدين،على سواعدنا قامت الثورة العراقية الإولى،نحن جماهير العمال والفلاحين،... لم يكن نصيبنا سوى الجوع والبرد والمرض الذي لايرحم.. "
أما في الصحافة ـ ففي مقاله المعنون (واجبنا تجاه الوطن ـ نضالنا في سبيل الديموقراطية) كتب الرفيق فهد في صحيفة القاعدة بتأريخ 6/7/1943،مايلي :ـ
" أما صحة الشعب وشؤونه الثقافية والإجتماعية فإنها تسير من سئ الى أسوأ وهذا التدهور لم يكن بالحدث العرضي بل إنه حل بنا نتيجة سياسة هذه الحكومة كما إتبعتها الحكومات التي سبقتها..."
ومن هذه الكلمات التشخيصية يؤكد المقال على التمازج بين صحة الشعب وبين ثقافته وشؤونه الإجتماعية من جانب ومن جانب أخر يفسر سبب تدهور الحالة الى أسوأ وذلك بإسناده الى سياسة الحكومة آنئذ السيئة أيضاً،أي بمعنى إن نظرة الحزب هي نظرة علمية تكشف الحقائق وتفسرها أمام الجماهير من أجل تحفيزها للنضال نحو التحرر والتقدم.
وفي تعقيب الرفيق فهد على خطاب العرش في 1/12/1943 الذي نشره ، قائلاً : " وهناك قضايا جوهرية أخرى تتعلق بحياة الشعب لم يتطرق إليها خطاب العرش كصحة الشعب الأخذة بالتردي يوماً بعد أخر .. " ، هنا نتوقف قليلاً لنوضح :ـ
1. إن مثل هذه المناسبات السياسية لم تكن تّمر هكذا دون أن تنال نصيبها من التحليل والتدقيق والشرح وتثبيت الموقف إزائها .
2. أعتبر التعقيب إن صحة الشعب قضية جوهرية ، إذاً فهي بالتالي تشكّل ثقلاً مميزاً في نضالات الحزب.
وهذا دليل أخر على المتابعة الميدانية " فالصحة تتردى يوماً بعد أخر" .
3. وإن تفكيك الخطاب الملكي ( وهي رأس السلطة في البلاد ) وعرض عيوبه ونواقصه إنما هي أحدى وسائل النضال المطلبي الجماهيري لعموم الشعب .

يتبع