| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مزاحم مبارك ماالله

 

 

 

الخميس 28/2/ 2008



واقع
مراكز الرعاية الصحية
والعيادات الشعبية في العراق

د. مزاحم مبارك مال الله

يعد نظام مراكز الرعاية الصحية الأولية في العراق من الأنظمة العالمية الذي خططت له ونفذته الجهات الصحية العراقية منذ زمن ليس بالقصير بعد ان ثبتت أهميته وفائدته في عدة أتجاهات ومنها: تقديم الخدمات الصحية الأولية للمواطنين،الرصد الوبائي،المسوحات الصحية،الصحة المدرسية أضافة الى تطبيق برامج اللقاحات.
والى جانب ذلك فيوجد في العراق نظام التأمين الصحي في القرى والأرياف والمناطق النائية،وزاد من أهمية الأعتناء بالجانب الصحي ما تم تخطيطه وتنفيذه من نظام العيادات الشعبية والتي تفتح أبوابها أمام مراجعيها ما بعد أوقات الدوام الرسمي الصباحي.
تنتشر في العراق شبكة واسعة من هذه المراكز والعيادات،والعمل فيها ينصب على تقديم خدمات رعاية الحوامل والأطفال وطلاب المدارس والتعامل مع أمراض المواطنين سواء أمراض حادة أو مزمنة.وقد مرت تلك العيادات والمراكز بجملة من الأنقلابات الأجرائية سواء على صعيد تعريفة أجور الكشف وصرف الدواء أوعلى صعيد الدوام فيها أو أستخدامها لنظام الأحالة الى المستشفيات،وغالباً ما تصل لإدارات تلك المراكز والعيادات تعليمات خاصة وعامة تغير وتستحدث وتوجه و..الخ،وغالبية تلك الأجراءات والقرارات هي إدارية ونادراً ما تكون فنية.فتراها مرة تعفي الطلبة من التعريفة،ومرة تحرم الطبيب المعالج من صلاحية منح الأجازة المرضية(بما يزيد عن 72 ساعة)ومرة ترفع أجور الكشف في العيادات الشعبية وأخرى تحصر أجهزة الأشعة بالعيادة الفلانية دون غيرها,ناهيك عن مفردات الأدوية والعلاجات هي الأخرى تعاني من هبوط وأرتفاع كفة توفرها.
ومع كل ذلك فمراكز الرعاية الصحية الأولية عليها أن تستقبل المواطنين ضمن الرقعة الجغرافية(رغم إن عدد مراجعي المراكز متفاوت)،والمراجعين يتوزعون بين الحامل التي يُفتح لها سجل المراجعة الشهرية وتعطى لقاح الكزاز ومقويات الحمل ومراقبة كل ما يتعلق بالحمل من وزن وضغط ..الخ وهناك أمر في غاية الأهمية يحتاج الحيطة والأهتمام ألا وهو الحوامل الواقعات تحت دائرة الخطورة أي اللاتي يحتجن الأهتمام والمتابعة وهن(ممن حصل لهن أسقاطات،ذوات دم
Rh سالب،اللاتي أجريت لهن عمليات قيصرية،ذوات ضغط الدم المرتفع ...الخ)،والسؤال الذي يطرح نفسه هل الحوامل يلقين الأهتمام من قبل الطبيبة؟علماً بأن هذه المراكز لايعمل فيها الأختصاصيون وأنما الممارسون،نستطيع أن نؤكد إن الغالبية العظمى من الحوامل لا يلقين الأهتمام والرعاية المطلوبة والسبب كثرتهن أضافة الى قلّة الطبيبات،علماً إن الدافع الأنساني لايكفي لدفع الطبيب للأنغمار والأبداع في عمله بالمركز وأنما هناك الدافع المادي والمعنوي الذي يجب أن يتوفر له ومع إن الطبيب العراقي تحسن راتبه بعد التغيير لكنه لازال بعيداً عن الطموح!
أما النوع الأخر من المراجعين فهم الأباء والأمهات الذين يحملون أطفالهم الصغار كونهم مشمولين ببرنامج اللقاحات،وهو برنامج عالمي لاجدال عليه وضمن ما مطلوب في منطقة الشرق الأوسط ،والبرنامج يشمل تلقيح الأطفال خلال الأسبوع الأول من الولادة ثم من عمر شهرين وكل شهرين(ثلاث جرعات) ثم بعمر 9 أشهر و1.5 سنة وأربع سنوات وأخيراً بعمر الدخول للمدرسة، فما هي المشاكل:
1. لازال وعي الناس بخصوص اللقاحات دون المستوى وخصوصاً بالمناطق النائية والريفية.
2. عدم توفر اللقاحات بشكل كامل في الكثير من الأيام،أي إن الأهالي يعانون من نقص في أحد أو أكثر من مفردات اللقاح خصوصاً تلك التي تُعطى خلال أشهر 6،4،2.
3. أنقطاع سلسلة التبريد وخصوصاً بالصيف،وذلك بسبب أنقطاع الكهرباء،رغم إن الجهات الصحية وفرت الثلاجات النفطية وحاويات الثلج،فإن أنقطاع هذه السلسلة من شأنها أن تتلف اللقاح،علماً إن شهود عيان ذكروا إن اللقاح(في أحدى السنوات الماضية)بقي في أرض مطار بغداد لأيام بدون تبريد!!
4. عدم أكتراث الأهل باللقاحات،فغالباً ما تمضي فترة ليست قصيرة على المواعيد.
5. الوضع الأمني وتهجير المواطنين ضيّع الموقف التلقيحي للأطفال فأصبحنا نعتمد على ذاكرة الأم والأب وعلى وصف اللقاح لهم بغية معرفة ماذا أخذ الطفل وماذا بقي له من لقاح.
6. ومرة أخرى ولكثرة المراجعين وقلة الأطباء،فأيضاً لايخضع الطفل الى الفحص الطبي قبل أعطائه اللقاح.
النوع الثالث من المراجعين هم الطلاب،وهؤلاء يأتون في ثلاث حالات:الحالة الأولى مرضى حقيقيون وهم قلّة،الحالة الثانية جراء تفشي بعض الأمراض الوبائية وهم حسب موسم إنتشار الأمراض الأنتقالية كألتهاب الكبد الفيروسي أو جدري الماء أو النكاف أو الحصبة ..الخ أما النوع الثالث من الطلاب ويشكلون الغالبية فهم الذين يأتون طلباً للأجازة المرضية كون لديهم أمتحان فيؤجَلون من الأمتحان بمجرد أن نمنحهم الأجازة،وأذا ما رفض الطبيب منحهم الأجازة خصوصاً أذا كان أمتحان رئيسي،على أعتبار أنهم متمارضون، فيحصل للطبيب ما لم يخطرعلى باله!!(وهذا ما حصل فعلاً وفي بغداد العاصمة وبأمثلة عديدة).
النوع الأخر من المراجعين هم ذوي الأمراض المعروفة.وبقي نوع ربما غير موجود في البلدان التي تبنت وأسست وطبقّت نظام مراكز الرعاية الصحية،ألا وهو نوع سماسرة الدواء،فأعداد غير قليلة تدعي المرض،وأخرى تأتي لصرف دواء محدد،وأخرى لها علاقات مع العاملين بتلك المراكز،فلازال المواطن العراقي يبحث ويهتم ويتأثر ويعمل بأسلوب الأقرباء والمعارف وهذا من عشيرتي وذاك أبن منطقتي ...الخ.وتجد هؤلاء السماسرة أما يعملون لصالحهم أو لصالح بعض منتسبي المراكز نفسها كون المنتسب لايستطيع أخراج الأدوية معه.
بعض مراكز الرعاية الصحية الأولية جعلتها السلطات الصحية مراكز نموذجية أي بمعنى فيها أجهزة ومعدات وتسهيلات لاتوجد في المراكز الأخرى أضافة الى سجلات أحصاء الولادات والوفيات.
المراكز الصحية عموماً تقسم الى وحدات،ومنها وحدة رعاية الأم والطفل،وحدة الصحة المدرسية والعينية والتي تقوم بجولات في المدارس لفحص الطلبة في المدارس والغاية أكتشاف العاهات والأمراض المزمنة والوراثية،وهناك وحدة الأسنان ووحدة الضماد ووحدة الرقابة الصحية ووحدة الأحصاء وغيرها.
المسميات والترتيب الوظيفي شئ والواقع شئ أخر!
ماذا يحدث على أرض الواقع؟
• وحدة الصحة المدرسية في أغلب جولاتها لاتفحص الطلبة بشكل علمي سليم،وأغلب الأحيان يقوم بالجولات معاون طبي أو فاحص بصر وليس الطبيب.
• أما وحدة الأسنان فمعظم كراسي الأسنان عاطلة(وهذه الأجهزة لها قصة حيث استوردها النظام السابق من أحدى الدول الأسيوية لغرض تبني موقف سياسي معين في مجلس الأمن أزاء الحصار الدولي المفروض على العراق،وكانت من أردأ أنواع الأجهزة)،الكاربول(بنج الأسنان)في أغلب الأحيان غير موجود،وإن وجد فمحدود الكمية.في مراكز الرعاية الصحية الأولية لايكترثون لحشوة الأسنان.وغالباً ما يحيلون المريض أما للعيادات الخاصة!أو هو المريض ذاته يحيل نفسه إليهم!!أو يحيلونه الى مراكز الأسنان التخصصية،والتي تشهد الأزدحام والمواعيد البعيدة.
• أما وحدات الضماد الرجالية والنسائية فحدّث ولاحرج فكل الأدوات والأوليات التي يستعملونها بائسة وقليلة،بل هي وحدات الضماد بحاجة الى الرعاية الصحية!!
• وحدة الرقابة الصحية،ففي العهد البائد كانت تعاني من الفساد الأداري بشكل يفوق التصور أما ما بعد التغير فالرقابة الصحية لاوجود لها وللأسف الشديد.
• وحدة الأحصاءات/لاتوجد أحصائيات علمية دقيقة في مراكزنا الصحية وأغلبها عشوائية وغير سليمة،وربما توجد بعض الحقيقة في أحصائيات الواقع الصحي والبيئي ولكنها ليست كل الحقيقة أو على الأقل نصفها !!!
العيادات الشعبية /ويستطيع حتى الطبيب الأختصاصي أن يشتغل فيها وتحُسب للأطباء العاملين في هذه العيادات نسبة من أجور كشف المرضى،لذا تشتغل المضاربات!هذا أضافة الى إن من مهام العيادات الشعبية توفير أدوية الأمراض المزمنة كالسكري وأرتفاع ضغط الدم،عجز القلب،الصرع ..الخ والمريض يزود بدفتر الأمراض هذه حسب وصفة الطبيب المشرف على علاجه يُصرف له العلاج ،ليس هذا بمشكل ولكنها تكمن في عدم توفر بعض الأدوية وعدم توفرهذه الأدوية له أسبابه العديدة!!وأغلبها خارجة عن القانون.في الأونة الأخيرة راح المسؤولون عن هذه الأدوية يقومون بعملية ترشيق الحصة الدوائية!!!
والأغرب في كل ذلك فإن العيادات الشعبية في العراق سجلت أنخفاضاً كبيراً بعدد مراحعيها والسبب هو الزيادة التي حصلت بأجور الكشف،فقد أصبحت ألفي دينار(الدولار يساوي 1200 دينار عراقي)بعد أن كانت500دينار.
هذا بشكل عام، ولابد من ذكر الكثير من الحقائق السلبة المشتركة الأخرى كالرشوة لعمال التنظيف،وصرف الدواء للمنتسبين دون أستحقاق مرَضي،تسريب الأدوية بطرائق متعددة،وغير ذلك.
وقبل الختام فلابد أن نقول إنه قد تم تحويل العديد من هذه المراكز الى متاحف لصور الشخصيات والرموز الدينية! فكنّا نعيب على العهد المباد بصورة واحدة لرئسه أما اليوم فالمراكز والعيادات تعج بعشرات صور الأسبقين والحاضرين وربما اللاحقين!
وبنفس الوقت وللأنصاف فهناك العديد من الحالات التي يتماهى فيها الضمير والأخلاص والأمانة.
هذا بعض من فيض والحقيقة تكشف عن نفسها وتردي الوضع الصحي في العراق ليس من باب الصدف أو هو من باب " هذا مقسوم للشعب العراقي" وإنما أسابه ملموسة بحاجة الى من يقول العراق أولاً والشعب أولاً والضمير أولاً .

 


 

Counters