| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مزاحم مبارك ماالله

 

 

 

                                                                                     الأحد 26/8/ 2012



ابو صفار الولادي..... خطر أذا اُهمِلْ !

د. مزاحم مبارك مال الله  

حالة يعاني منها الكثير من حديثي الولادة وتسبب قلقاً حقيقياً لأهاليهم، وأعتقد من حق الأبوين أن يقلقا ،كون هذه الحالة تشكل خطر مباشر على الطفل (فيما لو أهملت، كون المادة الصفراء شديدة السميّة لخلايا الدماغ). الناس يعرفون هذه الحالة والتي يطلقون عليها(الصفرة) ولكنهم لايجيدون التعامل معها كونهم يجهلون سببها فيلجأون الى أساليب بدائية بعضها والبعض الأخر غير صحيحة.

طبياً نطلق عليه اليرقان الولادي وهو من أهم الحالات التي تستوجب العناية حيث يصيب وخلال الأسبوع الأول حوالي 60% من حديثي الولادة كاملي فترة النمو الجنيني أي تسعة أشهر، وحوالي 80% من الخدج(أي الذين لم يكملوا فترة الحمل أو أن وزنهم أقل من 2,5 كغم أو مصابين بأحدى العاهات الولادية التي تحتاج الأشراف المباشر لفترة ٍ ما وتستوجب أبقائهم بالحاضنات)،كما أنه يصيب 10% من الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية.

أن اليرقان الولادي لايعني وجود مرض في جسد الوليد(علماً أن بعض الحالات من اليرقان سببها أمراض محددة)وأنما هو حالة فسيولوجية(وظيفية)مرتبطة مباشرة بنمو ونضج وعمل الكبد ولايشكل أي خطورة فيما لو أحسنا التعامل وعدم الأهمال.

في حالة الولادة المبكرة فالكبد يكون غير قادر أكثر بالتعامل مع المادة الصفراء ،كما أن مثل هؤلاء الخدج لايرضعون بشكل كاف لتنشيط الجهاز الهضمي لغرض تسهيل خروج المادة الصفراء مع البراز.

وقبل الدخول بالتفاصيل فأن اليرقان الولادي يختلف قطعياً عن اليرقان الذي يصيب الكبار،فهناك ثلاثة آليات مَرَضية لحصول اليرقان لدى الأنسان سواء كان صغيراً أم كبيراً، وهي 1)السبب في الدم(علماً أن اليرقان الولادي أيضاً سببه الدم ولكنه غير مَرَضي)، 2)السبب في الكبد كما في ألتهاب الكبد الفايروسي، 3) أنسداد في قنوات الصفراء كما في حصى المرارة.

من أين تأتي المادة الصفراء؟ المادة الصفراء ويطلق عليها كيميايوياً بـ (بيليروبين)هي نتاج التحلل البيايوكيمياوي المعقد لمادة الهيموكلوبين الذي تحمله الكريات الحمراء جراء تحطم وموت هذه الكريات وبالتالي فمادة الصفراء دائمة الأنتاج مادام الأنسان حيّاً، والبيليروبين مركب لايذوب بسهولة فيقوم الكبد بأمتصاصه من الدم كون الكبد مصفى الجسم فيحيله الى مركب يسهل أخراجه والتخلص منه، أغلب المادة يتخلص منها الجسم بطرحها بالخروج ،وقسم قليل جداً يستفيد منه الجسم من خلال أرساله الى كيس الصفراء(المرارة) لتتم فيها عملية تركيز المادة الصفراء، مكونات كيس الصفراء تفرز بين أوان وأخر في الأمعاء للمساهمة عي عملية هضم الدهون، نقاط من أفراز كيس الصفراء كافية لتكسير أواصر الدهون الموجودة في الغذاء لتتم عملية هضمها وبالتالي خزنها في الجسم.

في المرحلة الجنينية فان نوعية الهيموكلوبين تختلف ويُطلق عليه(الهيموكلوبين الجنيني، وعند الولادة يقوم الجسم بتكسير هذا النوع ويدمره ويبدله بخلايا الدم الحمراء)علماً أن دم الجنين يحتوي على المادة الصفراء ولكن جسم الأم يستطيع أن يخلص جسمه منها، ولكن بعد الولادة فأن حديثي الولادة وبعد أن أصبحوا يعتمدون على أنفسهم في هضم الطعام(وهو الحليب) بعد أن كانوا يستلمون تغذيتهم جاهزةً من الأم عن طريق المشيمة والحبل السري ،فالكبد غير مكتمل النمو ليتعامل مع غذاء الطفل أو الكريات الحمراء المتكسرة، لذا يصبح الكبد عاجزاً(بشكل وقتي)عن أداء مهامه وبالتالي تتراكم كمية البيليروبين في الدم فترتفع نسبته الى درجات عليا في حين ان نسبته يجب أن لا تزيد عن(1 ملغم / 100 سي سي )، والعلامة الرئيسة التي تعكس هذا الأرتفاع بكمية المادة الصفراء هي أصفرار العين والجلد وتلون البول وبراز الرضيع بمادة صفراء قاتمة أحياناً كثيرة، علماً أن المادة الصفراء أول ما تظهر في بياض العين لأنها شديدة الجاذبية من قبل المادة البيضاء التي تكوّن كرة العين ،أما المنطقة الثانية التي يظهر فيها الصفار جلياً هي أرنبة الأنف.

الأصفرار يظهر بعد اليوم الثاني أو الثالث بعد الولادة ،ويختفي تدريجياً دون الحاجة لأي علاج (وحسب الدرجة والمضاعفات أو ما يستصحبها من أعراض أخرى).ولكن هذا لايعني عدم ظهور أبو صفار جراء حالة مرضية معينة.علماً أن ظهور أبو صفار لدى حديث الولادة في اليوم الأول علامة تدل على وجود خلل حقيقي يستوجب التدخل الطبي المباشر.

وفي جميع الأحوال وأينما تكون قد تمت الولادة سواء بالمستشفى أم خارجها ،وكذلك مهما كانت طريقة التوليد هل هي طبيعية أم بعملية قيصرية أو بأي وسيلة مساعدة أخرى، فالأمر يتطلب مراقبة الرضيع كل 12 ساعة وخصوصاً مابين اليومين الثالث والخامس ما بعد الولادة حيث تكون المادة الصفراء في أعلى درجاتها لو أرتفعت. وهناك علامات وأعراض مهمة جداً تدل على أرتفاع المادة الصفراء في دم الرضيع:ـ

1.    زيادة غمق لون المادة الصفراء في بياض العين وأرنبة الأنف والبطن والأطراف.

2.    صعوبة الرضاعة.

3.    لايمكن أيقاضه بسهولة.

4.    بكاء الطفل غير مسموع،نبرته ليست حادة، الرضيع تظهر عليه علامات التعب والخمول الشديد.

كل هذا العلامات والأعراض تحتاج أستشارة الطبيب وعلى الفور،فتتم اجراءات الفحص لمعرفة مستوى المادة الصفراء في دم الرضيع وعلى ضوئها يستطيع أن يحدد الطبيب طبيعة العلاج المطلوب بعد أن يتأكد من السبب في أرتفاع المادة الصفراء،أن الغالبية العظمى من حالات اليرقان الولادي لاتحتاج أي علاج ،وهناك حالات تحتاج الى وضع الوليد في حاضنة ويتم تعريضه الى الأشعة فوق البنفسجية التي ستتفاعل مع المادة الصفراء في الجلد فتخرج خارج الجسم ـ مع ملاحظة حجب عيني الطفل كون الأشعة تؤثر عليهما ـ وهناك بعض الحالات التي ترتفع فيها المادة الصفراء الى مستوى يتوجب تبديل دم الطفل.

 هناك حالات أبو صفار يظهر أما في اليوم الأول أو بعد مضي فترة من الزمن(ظهور متأخر) وهذه الحالات لايجوز أهمالها مطلقاً ،وأسبابها:ـ

1.    نزيف داخلي لدي الطفل، والكدمات التي قد تحصل أحياناً جراء الولادة فتسبب نزوفات جلدية وبالتالي تكسر المزيد من الكريات الحمراء.

2.    ألتهابات حادة مختلفة في أجزاء مختلفة من الجسم ومنها الدم والسرّة.

3.    عدم تجانس دم الطفل مع دم والدته،والذي يتسبب في نشوء أجسام مضادة لجسم الجنين فتعبر المشيمة لتكسر كريات دمه الحمراء.

4.    تلكؤ عمل الكبد ،ومنها نقص بعض الأنزيمات.

5.    أمراض جينية.

6.    خلل في السلسلة التركيبية للهيموكلوبين.

7.    وهناك حالة يُطلق عليها يرقان حليب الأم حيث تصيب حديثي الولادة الذين يرضعون رضاعة طبيعية والسبب كما يعتقد بعض العلماء وجود مواد في حليب الأم تؤثر على كبد الرضيع في أيامه الأولى، فيتم منع حليب الأم عنه لمدة محدودة ومن ثم تتم معاودة أرضاعه طبيعياً حيث يتمكن كبد الرضيع من التعامل مع هذه المواد.

8.    قلة الرضاعة والجفاف.

مضاعفات أبو صفار:

الأمر المهم جداً هو معرفة أن المادة الصفراء تخترق معبر الخلايا الدماغية وتصل أليها فتترسب فيها مسبب خلل دماغي حاد يظهر بعلامات(تشوهات) أو أعراض على الطفل مستقبلاً، ومنها التخلف العقلي أو التأخر بكل الوظائف الفيزياوية للطفل كالنطق والسمع والتعلم ...الخ

ممارسات خاطئة:ـ

1.    أستخدام "الخرزة الصفراء"لطرد المادة الصفراء، وهي ممارسة خاطئة وليس للخرزة أية علاقة بالمادة الصفراء وغالباً ما تنتكس حالة الرضيع حينما ينتظر أهله فعل الخرزة وهي جماد!

2.    أعطاء ماء وشكر للرضيع، أو وللأسف بعض الأوساط الطبية يعطون الرضيع ما يُسمى " السكر الطبي" وهذا خطأ أيضاً.

3.    لاحظنا بعض حالات اليرقان الفسيولوجي وقد تم أستخدام بعض المضادات الحياتية له.

4.    وكذلك شهدنا أعطاء بعض الرضع العسل أو الدبس مما كانت سبب مباشر بحصول الأسهال وبالتالي الجفاف ومن ثم أرتفاع مستوى المادة الصفراء السامة في دمه.

 

 

free web counter