ماجد مطرود

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأحد 10 /6/ 2007

 




مجموعة شعرية
نافخ الناي


ماجد مطرود

أله قديم

بالأمس ..
وتحديداً , في منتصف المهن السعيدة
أفترضتُ انني السعيد .
الطير كان لي ,
الريح ,
لي مملكة من الوهم الالهي
غير اني .. ما كنت اله
لي مرة قال : قمْ
قلتُ : اين ؟
قال : علِّمْ , نبيّك الحيران مهنته ..
وبما أني , كنتُ بالأمس ذاته
وبين افتراضات بلا عجلات , تجر برهانها
قلتُ : لا
واتكأتُ , على فعل خماسيّ الحركات
وانكسرتُ
لكني لم أمت
بالأمس ايضاً , رأيته
بكامل عدته يبكي
خمّنتُ , كعرّافٍ يستخرج الحلم من جلده
امّا سيلفني بعبائته
أو.. سيعلقني من قدميّ
فيفلقني
لكنه ظل ساكناً
حجراً منذ الاف السنين
ينحتُ حبلاً لسرته لكي يصرخ .
تعلقتُ حيناً لساعته
وحيناً لسحنته ,
ودهشته
تعلقتُ
تعلقتُ حتى ترنح الليل
فأضعتُ ظلي ومرآتي
وضيعتُ كل شيء
حتى انقرضتْ
في الوحل نجماتي
ولأني زعيم الكواكب كلها
ولأن عجلات المدّ والجزر خاصتي
رأيته محارةً نستْ اسنانها في البحر
ولأني مشّع ابدي
نظّفتُ طاولتي من دنس الساعات
ثم هيّأته
راقصته بنبل وحلم سعيد
حاصرته بهيبة الموسيقى ,
وشرف العروق
توجته بكرم الورد ,
وصولجان البياض
ثم قلتُ : للشمس اخيّتي
هيّا رتبيه
رائحةً اكثر مجداً ,
همساً لفوضويته الدارجة
سوّري مدائنه الرمادية
بالفوانيس , التي توقد شعلتها ,
من بصاق النور
مرّي به
العين ترصده بدقاتها
هيّا اخيّتي
رتبيه ..
ولأن الامسَ جروٌ
تخرّ الدقائقُ من منخريه
ولأن الدقائقَ تشبه الافلاك
هنّدس التجاعيد بقوة
أحكم جهاته بالحكمة
وبلا موعظة خططها بالأحمر الكحلي
وادّعى انه النسيان
لا الطغيان
بنفسج انّما معتوه
زارني في منتصف الجرح بلا موعد
نسيتُ أن أنسى ذاكرتي
أهملتُ بقصد ..
ألاّ أظهر نسياني
جمّعتُ غاباتي كلها
كوّرتها ثلاثين قرناً
ثم رميتها .. أذ رمتني
وارتمينا
فلكاً في مثانة السكران
وعلى سطح الليل
وجدتُ اني
سرعان ما بنظارة الحندس وحدي
اقرأ نجمي
اقرأه
واقرأ أمي ببياضها المعتاد
وسرعان ما كذلك ,
تذكرتُ صلاتها عند الغروب
وتذكرتُ بأني لستُ الهاً
صرختُ ايها الامس المستديم
الغروب فم الله
فلنصلّي جميعاً
صلّيتُ ,
صلّيتُ
حتى انهار المسجد الاقصى
وكان الليل في يميني
وكنتُ ريحا ولست براقاً
دمدمتُ متى ..
يكشف ( البيث ) سّر ( كُداد ) ؟
*
أرعد يا حبيبي , البيت بالحكمة ,
لا بغداد بالصوف
كأن الصرخة في جلدها
من آرام تجترني
الى جاسم في حي ( الضأضأوف )
وبعضّةٍ لا توميءُ للحاضر
صرختُ بوجهي
عظني , كي اقفز فوق البداية
عظني .. وبحافريك الخرافيتين
لا تضرب عكازي
عظني .. فنابك ظل يقطر ماء النار ,
حتى عضّني في العظم والضاد
اذاً .. نزيف قديم
أو
كأنك دم على مرّ العصور يصلي
قبلته بغداد
وقامته اله النّار
يصعّر خدّيه
بالحرب والاوتاد
تبختر
تبختر
ايها الوجه الممجد بالخرائط
تبختر في امتصاص الموت
او في سبك الزمان
تبختر في الاله القديم
تبختر
تبختر
فالحاضر سكران
نسى رأسه
في مستنقع آسن
وغاب .

* بيث كداد في اللغة الارامية تعني بيت الصوف وتطلق على بغداد


العنقاء

الى : حسين السوداني منزوياً

الحكمة ..
البستني قبّعةً
ظلّها من رأسك
وريحها يديك
فدعني ..
البسك الحكمة قبعة
دعكتها زنابقي ,
وحنائي
تاجاً اليك
الطين ..
والالم البني
نهر طويل المدى
حزين كنخل السواد
شاهق
دلَّ عليك
ودمعك البحري
بمده , بجزره
نوارس
تتبعني بشهقة البياض
وآذار السواحل
يا زورقاً من حليب الرياح
كيف منحت العطر
خلاصة الندى ؟
وكيف ..
كوّرتني قبلة
في فم الصباح ؟
من دمك السلوان
اسكرتَ لساني
وشهوة السؤال قطّرتها
فوق سحابي
سلوةً
ثم مشّطتَ شعري البدوي
بآية , كُتبِتْ بماء البحر
وأمطرتني
قنديلاً مشعاً
من لؤلؤ الاطفال عليك
قنديلاً بعيداً
بعيداً ..
وأنا فيك المتبقي
وأنا فيك الابدي .
جسد خرافي
يحترق
ومن رماده
تعيدني ريشاً
فراشاً يهيم بالافق
عاشقاّ يدور
كطائر مجنون الجناح
طليق
وحيران
يخبرني ..
أن جراد العلّة
ينمو بلا وجع
وجناحه تأريخ الموت
فلا تبتأس
مقابرنا حبلتْ
بملائكة
ينفخون العشب نهراً
يسلّينا
مقابرنا ..
وضعتْ
جنين الحلم فينا
أينك ايها الساكن في جيب الله ؟
أينك ايها المختبيء كالروح
نموّاً
اخضراً
في عروق الشجر ؟
هل تعبتْ عنقاؤك التي
ترسّبتْ من سلم النّار ,
وآثرتْ على جلدها الرماد ؟
أم لم ينطق الحجر الذي
نفختَ فيه تاريخ الالم ؟
قل ..
قل .. ولو لمرة أخيرة
ان الكأس الاخير
سنشربه نخباً عزيزاً
لجلستنا الاخيرة
والمسيح نديمي وهواي
سيكون نديمنا
وحلمنا الاخير .


بانوراما بلا عجلات

في الساعة الخامسة والعشرين
وفي قرار لم تبلغه الدقائق ,
انّما الدموع
نزعتُ الروح عن جلدها
واستعرتُ معطف الايام
بينما الاسلاك التي حوطتْ , فجأة , وجه المدينة
طالتْ وقفتها
حتى نفذ الزيت من يدي
وانطفأ المصباح
قشّرتُ فراغ الوهم على مهل
لأسمع وقع اقدام المرايا
فرأيتُ البحر في عيني
يكرع الريح
ورأيتُ الفلك يستغيث بالغريق
غير ان البريق
اشار اليّ بالنسيان
وعلى الخط السريع
تبيّن ان حافلة الازواج بلا عجلات
غوغول ..
اشرب دمعتنا
التأريخ افسدنا
أنه الزاني المتكرر
فالنرجمه بالخرافة
في الساعة الخامسة والعشرين كذلك
اخطأ النهر وارتدى ثوب البارحة
أكان هذا الحب الذي يغمرني حبك ؟
قلت : بلا
الحزن باللافتات ام بالثياب ؟
بالدموع .. خدعتُ جدي وسرقت منه ايوانه
صفق لي ملوك الهزيمة كلهم
فانكسرتُ حينما لم اجد من يعاضدني .
كان ابراهيم صديقي
والعزاء
كان دارنا الاوحد
كان عراقياً فصيحا
لكنه حينما تكلم لغة الضاد
أعوجّ لسانه
فهجر الحروف
واستعان بالارقام :
عام 1920 – بنى مدينة من بخار كثافتها الصفر
عام 1958 – كوّن أجنّة تبيع وتشتري ارواحها في سوق الصفر
عام 1968 – استعار رئاتاً مستعملة ( لنكات ) من درجة الصفر
عام 1980 – جمّع اللصوص لكي يغزو اطالس الدنيا لكنه ظلّ الطريق فاسترشد ببوصلة الصفر
عام 1990 – قطع الاعناق وضيّع الارزاق مستفيدا من حكمة الصفر
عام 2003 – قال : للارقام بقية ربما الساحة تخبرنا اين هو الفردوس .
في الساعة الخامسة والعشرين ايضا
وفي وادٍ باضتْ به الاسود واثمرتْ
مسحتُ البراءة كلها
وزرعتُ شوكة الاشعاع في وجهي
انما المآذن التي رممتْ اثداءها
قسمتْ بانها لن تبارك سخط الساخطين
في ساحاتها يد خبيرة تشير باصبعين
تشير الى الفراغ ما بين المفاصل
( وبكاميرا ) من نوع خفي
توميء للص بالعبور لكي تذهل الصورة
وحده الصحفي الذي قتل بنار صديقة كان يقول :
( انما يأكل الذئب من الغنم القاصية )
يا لها من يدٍ مفتوحة على مصراعيها
بنصف ميت خبَّئتْ نصف النخيل
خبَّئته بالعبارات الناسفة
لكي يتعلم التصفيق برجليه
قلت : لماذا ؟
قال كبير المصلين :
اخفينا سراً
الحرب حربهم
ودمنا بارد كالصقيع
تدفأ بالبكاء قبل ان تدوس اقدامك الفرح
قلت : شكرا للبكاء
شكرا للمقطّر الهمّام
شكرا الى من اسكر التوحيد في عين الخصام
شكرا للفرح
يشرب دمعتنا
تاريخه افسدنا
انه الزاني المتكرر
فالنرجمه بالخرافة .

يوسف

( أجنحة الخاصة )
*
( ما قبل النص )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجرذ .. مسّ لساني
روحي استحالتْ عنكبوت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جدارك كلما ابتعدت أراه
كأنه الظل لا شي سواه
القفل في ضلعي
ليل .. يغلقني
ويدك الغليضة
ليل
كلما اسفرتُ عن ضوء
بليل , فوق ليل مسرحتّني
ظلام .. بالف ناب
ظلام .. لم يسبِ سواي
حجر مسنون عصاك
قبّلتني
وبعتاد من وصمة الناي
قبّلتها
وقبّلتُ دهشتها
كأفعى بكل فحيح الموت
تلحسني
أدمنتها – أدمنتني
كأن غائط السكران
سكران بجلدي
كيف لي اذاً
أن أُقنع الحلم
أنني لست بميت ؟
-لمن هذه القبور ؟
-لست بميت .

( في النص )
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
محطات – حافلات
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
السماء تفتقتْ , بثلاثين درباً
ثم هوتْ
بأكداس من حقائب
تعرقتْ سفائن الدمع
ثم هوتْ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
محطات – حافلات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شوارع ضاقتْ بأفقها
شموس معصوبة العيون
مشدودة الاقدام
وفي القلب جثث
منفوخة بالحلم
بالليل
بالاوهام
منفوخة بأسئلة
تستحي من اقدامها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محطات – حافلات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حصادنا الكبير
حروب قلعتْ اسنانها
واستغاثتْ
صيحاتنا الثكلى
أشرعة سرية
قالت : لِمَنْ نجى تذكر
وماتت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محطات – حافلات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وربما
زوارق ..
من دم كاذب الحنين
وربما
ريح
تسكر بأرواح الخائنين
وربما
كنتُ مختاراً
لذا أختار
فلِغربة القلب قضاء
وللنهرين في دمي
اقدار .

( ما بعد النص )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوسف ايها المطرود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قضبان نفيك أصداء
السجن شاهدك
القميص
وشاهدي
أثبات قدّني
وقدّني في البعد أعداء
سعيتُ بكل اعضائي
لم أصل
وأعضاؤك حينما وصلتْ
نسيتُ في السجن اعضائي
وانفصلنا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوسف ايها المطرود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبلنا الجمال
حينما أختار التفرد
ورفضنا التفرد
حينما اغتال الجمال
القوانين كلها حمقى
أورنمّو
اخناتون
العزيز
وأسماؤه الحسنى
حتى مردوخ ظل منشغلاً
يحرّم الخمر والهوى
النكاح والرقص المباح
هكذا ..
اطلقَ في الافق طيراً
فاحترقتْ في الرأس
افآق الطيور
القوانين كلها حمقى
هكذا ..
ايها المطرود انفصلنا .
( كينونة النص )
ـــــــــــــــــــــــ
توحّد – تداخل
ـــــــــــــــــــــــ
في السّر تعبدنا
وفي السّر الحدنا
اكلنا بعضنا
ثم
بطريقة عادية جداً
دخلنا بعضنا
توحّدنا
تداخلنا
ركبنا حمار الماء
وانفصلنا .

* سجن المعتقلين السايسيين في ابي غريب


نافخ الناي

الى كمال سبتي

المراسيم ..
اكملتْ موتها
باكتمالي
ولوّحتْ
بغصن
غصّ بطلعته
حين رأى الموت
وحيداً
جالساً
يرتدي بُنّ الحداد
ولوعة الندم
الغصن كذلك
أنكر مراسيمه
ثم خبأ رأسه
حينما التفتَ الوقت اليه
فشاهد الخريف فجراً حالماً
بوردة الميلاد
وديك النهار
امّا نافخ الناي , الذي توحّش سيرته
وغربته
فكأن الدهشة
انبثقتْ من نوافذه
أو .. كأن البياض
تفجّر في نومه
فاغلق بابه على حلمه
وأوقدني
ونساني
وحيداً .. أبحث عنه
لأدخله
قد يكون من الصائبين
لكنه , لم يترك لي
فرصةً
كي اشمّ رائحة القلب
قبل شخير الزورق
واحتراق الندى
وقد يكون من الحالمين
أو من السائلين
وربما
من العابرين .. الى ضفة الخراب
لكنه .. لم يترك لي فرصةً اخرى
كي أشدّ فمي
أو أخيطه
بحبل من كرستال السكون
قبل صرخة العيون
فوق جثة ألأسف
سألته ..
لمَ توّجتَ قلبي
بعراقية , تنزف اقماراً
من وريدها
أقصد عذراءاً
بلّلتها
نواعير القصائد
وزيّنتها
أناشيد النصوص
قال : خذني
ولا تسمّي كآبة الكأس
فيضاً
من جنون الامل
خذني ..
وحيداً
متفرداً
خذني
بدمعة تورّطتْ
بصخرة الرماد
منذ الازل
دمعة .. شقيقة الدماء
وشََمَتْ تأريخ البلاد
فوق اكتاف ألأسى
دمعة ..
تحللتْ بلغز الوراثة
وانسابتْ بمشيتها
ولم تغنِّ أصبع الفرحان
ولم تقفز فوق الورد
طفلاً
في حديقة
قال : خذني ثم مضى
لكي لا يخون
أو لكي لا يعود
حالكاً
ينفخ الناي
بشهقته
أو .. شاهداً ينادي
الخراب
الخراب
أو ..
لكي لا يبقى يصيح
اياكِ
اياكِ
يا بغداد .


موتائيل

( لكي يبدأ النص )

العين غيمة – اللسان صحراء – الرأس موتائيل – والقلب قرع يستطيل
موتائيل
موتائيل ئيل ئيل ئيل
نهران عانقا النخل
موتان بلا سلطان
برد وأنياب
بحر يستقيل
ليل ,
حجر,
أصنام ,
بلاد على ظهر موتائيل تنام
موتائيل ئيل ئيل ئيل
ملحداً كان
نسى الاسماء
نسى الانساب
نسانا
موتائيل في أرض الحرام
هل يجوز ؟
نسر عجوز
جسر
رغبة في العبور
دموع تنطّ باردةً
كرؤوس فوق رمح الخريف
حرب صبور
فمها النّار
جندها الرغيف
هل يجوز ؟
نهران تعانقا في الظلام
شموس بخّرتْ شفتيها
اطفأتْ نجومها
أرجأتْ نشيد نبعها
كأنّ النور في محاجرها صام
هل يجوز ؟
دوائر
حفيف
بقاءٌ حاذقٌ
جثث , روائح , أرواح , رميم
مقبرة تشتهي
فمها النصر
جندها الجوع
هل يجوز ؟
نهران توأمان
أي نصر نستعير ؟
اي رغيف ؟
الجوع واسع التأويل
والنصر من نياشينه يشيخ
موتائيل ئيل ئيل ئيل
أسندْ على الاكتاف رأسك
تمددْ هو ذا عشّ الحمام
أنت البقاء والنسل لك
زيّف ما شئتَ من أرقام
للرأتين رماد حامض بلون عينيك
موتائيل مات المسيح
ونحن الطيبون
سعداء ساعون اليك
وحدنا نسيح , نصيح
موتائيل ئيل ئيل ئيل
موتائيل فوقنا
موتائيل تحتنا
فينا
حولنا
موتائيل منا
شقيقنا الزئبقي
رفيقنا
بقاؤنا
زوالنا
موتائيل سؤالنا
موتائيل ئيل ئيل ئيل .


ثلاثون حلماً الى نشأت فرج

1968 – 1998
بقطرة ..
خبأتْ شتاءها
في ضمأ برّي
بصمت عنكبوت ينسج الصبر
بأصابع الجمر فوق الجدار
بحسرةٍ حاصرها أنفجار الانين
بأسف التأريخ
يبتلع قلبه
بعمق الرئتين يدخن
غصّة الثواني
وآرام الحنين
يركب المعراج حالماً بأسرائه
بيده الناي
مختبأً بتابوته
عازفاً براقه الاخير
هو نشأت الرحم باندلاقه
مآزيب تبيض الغيم والامطار
انمّا قرار الليل
عوسجة تعوي كبرد الخريف
تجفّف العين بملحها
تكنس النجوم بريحها
وتقرّ نشأت فرج
بلا فرج بلا حافلة
أو رصيف
بأُفّ الاعتراف
أو بحبةٍ
من أرق الكنائس في سدوم
الزمه القسّ كحمامة
رشرشها الليل
وانطفأتْ
بريش الحضور
ثم نام " حيميتاً "
في قبر الغياب
ورائحة السموم
ثلاثون قرناً
دسّتْ الضجيج في هدوء الكلام
ثلاثون قرناً
قطّرتْ صحراءها
فوق واحات اليمام
ثلاثون قرناً
ثم تكلمتْ عيناه
فرأى الله في المحار
رأى الصليب محفوراً على باب
رأى كاهله
رآني
رأى انه لم يمتْ
والمدى يسبق المدى
انمّا الساعات
تصدّعتْ اثداؤها في جدار
ثلاثون حلماً
تساقطتْ نجماته
توزعتْ ناياته
في الخنادق – في المشانق – في الدموع
ثلاثون قولاً قال
حين لمستُ يديه
أركعْ
لكني خفتُ من اللمس
من رطوبة الليل ما بين الضلوع
وكان القفل انغلاق الروح بيننا
حشود من الخوف
ريح
سوط
وبكاء
وأله الصبر صديقي
مطر فقّاس يغسلني
ينقذني من وهم الخوف
علّقَ مفتاح الافق على رمشي
لم يمشِ
كلّفني
" أقرأ "
فتّحتُ عيوني وقرأتُ
الحلم – الطين – وروح الليل
لم يمشِ .
ثلاثون طفلاً في الغروب
ثلاثون ثقباً في الشراع
ثلاثون قلباً في المجزرة
انه النزيف – الحرب – والموت حينما يشتد
يتبسم مبتهجاً
فوق أسوار المقبرة
أذكره وأذكر حين قال
دعّه يضاجع الامهات
حتى يشقى
وأذكر حينما قلتُ
رمانا واحداً واحداً
حباحباً في فم الليل
ولم يشق
بنّار الثلج
بحمّى الرماد
بسيف الحِداد
يقطع طفولة الورد
ولم يشق
فهل حينما يسوّق الشمس
ثلجاً للمدى
نشقى ؟ .


سنـدبـاد لك يا نعمة

هكذا ..
بالمعنى القديم
هكذا ..
كالذي ينفخ الروح
بالروح
أو .. كنبيٍّ رمى
أذ قال للبحر
ارتديها
انها يدي
هكذا ثم مضى
ناسياً تفاصيل حلمه
تاركاً منقاره ,
على أصغر ريشة في المدى
هكذا ..
بسره يكشف سر الليل
بسره تدركه نجمة ,
فقدتْ اطرافها في الطريق
وبسره كذلك
يحارب القضبان بالبراري
هكذا ..
يحيل جناحه أيائلاً
هاربةً
كقصائد نثرتْ ريشها
وأسكرتْ كلماتها افق الطيور
هكذا يستريح
هكذا يغني
هكذا راصداً بفمه
أميرته
خلف كأسه
تستريح
تُقطّر ثمالة المنى
وزفير العيون
هكذا ..
وهكذا قلتُ
فوق اي نخلة
سيبني بيته
لكي يسافر متراً واحداً
ولا يقيم
أو على اي قطرة
سيمطّ جثته
لكي يعبر الجسر
من غير جنون
وربما من غير جراح
هادنتْ نزيفها المطلق
ودوّنتْ مسافتها ليرى
كيف عبّأتْ وريدها بالمستحيل ؟
وكيف اطلقتْ
مكامن اللامعقول
في الممكن ؟
هكذا ..
يحدّث الزوايا
هكذا يقنعها
لتدير ظهر النوايا
عن دوائر الاشياء
لا اشياء الدوائر
هكذا ..
هكذا ايها المقيم
على جسد الفكرة بروحه
هكذا السندباد
يذرع البحر بالرسل
اذاً
هكذا ..
ألعبْ يا نسيم بأزمنتي
ألعبْ هكذا ..
بالمعنى القديم
فحينما يكون الغياب حضوراً
قابل اللمس
زاهراً
يختزل عمر العناق
ورائحة القبل
هكذا العبْ
هكذا اقتربْ الى جسدي وروحه
الى جسد الارض وروحها
أقتربْ لدقة الوريد
لقلبٍ
يتوالد دوماً
أقترب هكذا ..
أقترب اليّ
الى نخلة ثكلتْ ظلالها
والى امرأة هامتْ بحبي
أقترب
هكذا أبقى اصيحُ
هكذا كالذي ينفخ الروح
بالروح
أو كنبيّ رمى
أذ قال للبحر
أرتديها
أنها يدي
ثم مضى
هكذا .. بالمعنى القديم .

نحن منفصلان

كنتُ مشعّاً
حاملاً أجنّة البريق
وكنتُ الصفاء المطلق في العيون
والدهشة المبصرة
ورغم كل ذلك
فأنا حالك جداً مثل ليل حزين
ودمي .. لا يشبه القمر
عينايَّ صغيرتان
بهما رأيتُ شقيقي
لمحته يلوك يديه , قدميه , وما تبقى من شفتيه
لمحته يلوك جثته
يلوكها .. كحربٍ تأكل نفسها
وفجأةً وبكل ما لديه من خيل وأبقار
أطبق الظلام فكيّه ثانيةً
فسمعتُ تكسّر عظامٍ
يشبه هسيس النّار في الاضلاع
قلت : آهٍ من الاضلاع تلتمّ حول أنفاسها
ومن كوّةٍ في اليد ارصدها
أرصد جسداً مقطعاً
يتكوّم ..
كأنه جسدي
ومن كوّة في القلب
أرسل قارب النجاة
على جنح حمامة فقدتْ هديلها
الى دمعة تشبه الطوفان
في نوحه الاخير
كان لبكائي , لعينيّ , لأنتزاع روحي
لطمة العزاء
وكان للعزاء مرارة الغياب
وحمى الالم
كنتُ وحيداً بعينين صغيرتين كثقبين
وحيداً ..
دونما جسدي
كنتُ أرصده
من فجوة يزيد اتساعها دائماً
ومن ثقب أوسعه بالقلب
فأرى الواناً تشبه الوان الطّيف
او اكثر وضوحاً من عِرّق
يتنفس الظلام فينشطر
نخيله أصابع
كأنها الصراصير
تتوالد من ذاتها
وتموت في ذات كافكا
دوائر – مثلثات – قواطع – سلالات ..
ايّ هلام انت يا جسدي ؟
ايّ ظلام فيك ؟
سمعتُ المسيح قال :
" ادخلوا من الباب الضيّق "
قلت : بلا
كلما تعددتْ الابواب
كلما اتّسعت
ضاع الطريق
وما للباب سوى
يُفتح أو يغلق
فلِنتّحد اذاً
كلانا نتّحد من أجل باب مشترك
هي حكمة ربما فيها خطوات
سلمها لا يؤدي
ولكن ماذا نفعل ؟
منذ كنّا حيمناً , قطرة , بخاراً
يشم رائحة الاندلاق
كانتْ الباب حكمتنا الوحيدة
أنكفرُ بها الان ؟
أتريدُ هكذا يا شقيقي ؟
هكذا ..
من اجل طرقة
ربما لا تفتح شيئاً
فدعني أكمل ما سيأتي
أو .. اشطبْ أنت ما قد مضى
انّا منفصلان
هكذا رأينا
أو هكذا انت رأيت
أغلقت أذنيك , وعينيك , ومنخريك
اغلقتَ كل شيء
حين سمعتني أحدثك عن باب التوحد
نحن منفصلان بلا خجل
هكذا قلتَ
هو هكذا يبدو
كلانا يشبه الليل
فدعني اخيراً أُريك فكين
أفزعني ظلامهما
وبقوة الخيل والابقار
كان انطباقهما
دعني أسمعك هسيس النّار في الاضلاع
ماذا بعد يا شقيقي ؟
ماذا عن دم لا يشبه القمر ,
رغم الصفاء المطلق في العيون ,
ورغم الدهشة المبصرة ؟ .


سوف لن تراني ألاّ حينما تقرأني الى الشاعر مهند يعقوب

أرى خيولاً تركض بأتجاه غيمتي
أمطرُ أشرعةً بلا ذاكرة
هل تتذكر الريح احلامها ؟
أمتلأ البحر طيوراً تحيض بغربتها
الاّ جناحي ..
ظلّ يَضيق ببيضه , يَضيق
حتى استحال نخلة يبستْ ظلالها من شدة الضيق
وحدي رغم أني طوابير من خطوط لا تنتهي
الطير الذي فقد جناحه بقيلولة الافق
أستباحني
ونسى ريشه معّبأً
في وسادة زوجتي التي لا تنام الاّ فوق خصامي
بسلّة الورد يطارد الذباب معتقداً
أنه يغازل فراشاته الحالمة
كم هو سعيد في الرماد ؟
يحكُّ جلده بخندق دفنته الصحراء
يوقد من زيته قمراً
يرتدي قبعة النّار لمجوسيٍّ أحمق
يتعبد بفيروز خواتمه
خارجاً من مدار الاستواء .
وحدي رغم تداخلي وأبعادي وأنشطاراتي
لحظة سقطتْ من جيبيَ المثقوب ,
وأنحنتْ على بعدها الثالث
بكيت وبكتْ ثم أزالتْ كفناً بلا قلب
كان يفصل تأريخ القبلة الاولى
كان يناشدني لكي أطلقها ريحاً
لينهار بيدها اله الليل بنظّاراته الحمراء ,
التي كانت تبعد الريح , عن أحلامها واشرعتي
لابدّ ان أحاكي الطير
لابدّ ان أدّله على جناحه , فيدّلني على ريشي
لابد ان أرى الغيم خيولاً , تمدّ بوزها بأتجاه أشرعة بيضاء ,
تحمل يداً بيضاء كسر فضحته امرأة تشبه الهوى
تشبه لحدّ ما يدي التي سكرت في الحانة وأدّعتْ
انّها الاله الذي بكى
وكانتْ تقصد جلجامش المنهوك , الذي تعثر برغبته
وآثر النوم فوق الغيوم
ما زلتُ وحدي رغم انشطاراتي وأبعادي
أبصقُ شهوتي ,
فاتحاً فمي الذي يشبه طعنة الغدر
أصرخ انكيدو أيها الجرح المؤجل
أيها الدم المسافر بلا أشرعة
هل تتذكر الغيم قبل الرحيل ؟
أنه المطر النقي صار فراتاً يشربني ولا أشربه
وأن مَنْ يسعفني بعيداً عنه في لحظة الغرق , تلك التي سقطتْ فوق أبعادي
ما زال يتوضأ بطفولة تصلّي منفاها
وفي خرقة الدمع يبكي السندباد
ومن الف قلب ينوح
بغداد
هل تتذكر الريح أحلامها ؟ .


تعريف
ماجد مطرود ( كامل الجبوري )
شاعر عراقي ولد في بغداد عام 1963 , نشر العديد من نصوصه الشعرية في الصحف والمجلات الادبية داخل وخارج العراق , غادره في العام 1986 , يقيم الان في بلجيكا في مدينة ( أنتويربن ) عضو مؤسس في رابطة ديوان للثقافة العراقية ’ وعضو مؤسس في منتدى العراقي البلجيكي الثقافي .