مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    السبت 7/5/ 2011

 

مشاهد من جنة لوركا!....

مزهر بن مدلول

"ما أصدقها من ضحكة، مشرقة، قلبية، أقرب الى السذاجة، وأشبه بضحكة متشرد، وما أعنفه من مزاج، عفوي وقاسٍ، وماأغربها من طريقة للكلام، وكلام حتى مطلع الفجر.. كل جملة فكرة، وكل كلمة بيت شعر".
لوركا الذي يميل الى اللغة العامية، اللغة البسيطة، لغة التداول اليومي، والمعبرة عن الهموم والاستلاب الذي يعاني منه الشعب الأسباني، كان واحدا من الناس، حتى نعته اعداءه الذين ضلوا يقتفون اثره أينما ذهب " بالشاعر الشعبي "، للانتقاص منه، وللتقليل من قيمة اشعاره الغنائية..
لكن اغانيه تحولت الى مادة سحرية عند البسطاء من الناس، والغجرمنهم على وجه الخصوص، فكانت كلماته الدافئة المتساقطة من فمه كقطرات الندى، تتردد في اغانيهم الفرحة والحزينة، وترافق ارواحهم اينما ذهبت، لذلك عندما هوجم الشعب، هوجم لوركا وسُحل في شوارع غرناطة وأُحرقت كتبه:
"انني احب ان ارى الجواد بكامل عنفوانه وتعبيره، بأن يعتلي صهوته فارس ماهر، لا ان يركض كحصان بري، يبحث عن العشب في مرج خلفي".
ارتبط لوركا بعلاقة نادرة ومفرطة بالحميمية بأشياء الطبيعة المحيطة به، فأمتزج بها الى درجة الأندماج ونكران الذات، واستطاع أن يجعل منها مخلوقات ناطقة ورقيقة الأحاسيس وأكثر ذكاءاً من البشر، والصورة الخيالية التي وقع في غرامها لوركا، هي الصورة التي توقظ فيضا من الافكار والمتع.. الصورة الصادقة المشرقة، التي تحث العقل الى أن يبدأ يقظاً:
..................................
الليل يرفض أن يأتي
كي لاتسطيعين المجيء
ولااستطيع القدوم
لكن سوف آتي
رغم أنّ عقرب الشمس ينهش وسط صدغي
لكن سوف تجيئين
بلسان ألهبته قطرات المطر المالح....
.................................
لقد عرف لوركا المعاناة والعذاب طوال حياته، فكان مفعم بالحزن.. الحزن العميق، الذي لاتخفيه بهجته الظاهرة ومرحه العفريتي، وكان مشغول الذهن في حكاية البحث عن الهوية، عن الحب الذي هو الأسمى، يبحث عنهما في غاب شهواني وعالم لايدرك روح لوركا وعمقها:
..................................
أسير باكيا في الشارع
بشعا
منذهلا بحزن سيرانو وكيخوته، المخلّص من اللامتناهيات البغيضة.
مع ايقاع الساعة
ارقب الزنابق تذوي
والشمس كعنكبوت آخر
تخفيني بمجسات من ذهب
لا! لن انجح في مغامرتي
لأني مثل الحب نفسه
فاعمدته تفجعاته،وإرتعاشاته قلبه.
.................................
الفكرة عند لوركا غاية في الايجاز ومليئة بالاسهاب، واسطورة لوركا عقله، ذلك العقل الذي يهبط عليه الجنون ليحل محل المعتقدات المبهمة التي لايمكن سبر اغوارها، إلاّ بالأنطلاق بها خارج الفضاء الوجودي، ولهذا تتداخل عنده الغنائية والرومانسية تداخلا مدهشا، والعمل الدرامي لاينفصل عن اعماله الشعرية:
..................................
أني أعود من اجل أجنحتي
دعني أعود
أريد أن أموت فجرا
أريد أن أموت
أمسا
أني أعود من اجل أجنحتي
دعني أعود
أريد أن أموت ينبوعا
أريد أن أموت بعيدا عن البحر.
.....................................
لوركا الانسان المتوقد المنتفض.. قال عنه نيرودا، "كان لوركا التماعة برق مجسمة، طاقة في حركة ابدية، بهجة، اشراق، كان وجوده سحرا ذهبيا وخارقا، تفيض منه السعادة فيضا".

فتاة جميلة
سالتني قلبي
فوهبتها قلبي
سالتني روحي
فقلت لها الوداع........

وتنبأ الشاعر الذي ملأ اسبانيا صخبا بتعابيره الحسية وموسيقاه الشعرية وألوانه.. تنبأ بوداع الفتاة الجميلة فقال:
(وعرفت أنني قُتلت وبحثوا عن جثتي في المقاهي والمدافن والكنائس فتحوا البراميل والخزائن سرقوا ثلاث جثثٍ ونزعوا أسنانها الذهبية ولكنهم لم يجدوني قط).
 

 

 

Counters