مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                    الأحد 7/4/ 2013

 

الدليل، تجربة ومعاناة!
(
16)

مزهر بن مدلول

سبق لي وان كتبت عن احد الكمائن القاتلة التي وقعنا به بالقرب من جبل (شيرين)، وفي هذه الحلقة سأكتب ما لم استطع كتابته في المرات السابقة: والسبب الرئيسي الذي جعلني ان اكمل الكتابة، هو ضرورة ان يأخذ هذا الحدث المهم مكانه بشكله الواقعي في سلسلة (الدليل).

اخبرني الرفيق النصير (فيصل الفؤادي) ابو رضية، بأنهُ ومجموعة من الانصار رافقوا مفرزتنا منذ ان تحركت من منطقة (بهدينان) حتى وصلنا الى نهر (الشين)، ثم عادوا الى المقر بعد ان ساعدونا في عبور النهر، ورغم ان ذاكرة (ابو رضية) تتمتع بهيبة، لكني كلما حاولت ان اجد ولو خيط رفيع يصلني الى ماذكرهُ، فلم اعثر عليه، هذا مع العلم أنّ مفرزتنا اغلبها من الانصار الشباب الاقوياء، ولااظن بأنها كانت بحاجة الى مساعدة، وعلى كل حال، اذا كنت قد نسيت هذه المعلومة، فشكرا للعزيز (ابو رضية) على التنويه.

كنت اسير في مقدمة المفرزة، وعندما وصلت تحت الكمين مباشرة توقفت، التصقت بجذع شجرة بلوط كبيرة، ومددت رأسي بين غصنيها اللذين شكلا مايشبه الرقم سبعة، ورحت استطلع المكان من بعيد، لكني لم ارَ اية حركة ولا اسمع ايّ صوت يدلُّ على انّ فوق القمة كمين.

عندما وصلت المفرزة الى المكان الاقرب، انطلقت اول رصاصة ايذانا ببدأ الهجوم، وانهمر الرصاص بطريقة جبانة لاتصدق، وبسبب المفاجأة الغير محسوبة وغزارة النيران،  تعرض عدد من الانصار الى الاصابة في الرصاصات الاولى، وكان نصيبي رصاصة  تحت ابطي الايسر، دخلت في جسدي وخرجت من الجهة الثانية.

كان سلاحي في ذلك الحين هو بندقية (الناتو) واغلب السنوات التي امضيتها في الانصار كنتُ احب هذا السلاح، وليس لي رغبة في (الكلاشنكوف)، وسبب ذلك ان (الناتو) بعيد المدى وتأثيره اقوى، ولهذا طلب مني مختار قرية (ادلبي) بعد هذا الكمين،  بأن استبدل سلاحي بسلاح آخر!، وعندما سألته عن السبب، قال لي: بأنك اصبت اثنين من افراد الكمين وربما يتعرفون عليك عملائهم في القرى من خلال هذا السلاح ولذلك عليك تبديله، مع العلم اني اعرف بأنّ المنطقة مليئة بالجواسيس ولولاهم لما وقعت مفرزتنا في الكمين دون المفارز الاخرى التي عبرت قبلنا.

كنتُ اسمع الرفيق الفقيد (ابو اصطيف) يصرخ ويشتم، لكنّ رصاص الكلاشنكوف لايصل وليس له فعالية، اما (الناتو) فكان دوره واضح، فعندما كنت اطلق النار، كان الرصاص من حولي يتوقف، وعندما اتوقف لثواني لكي اضع (شاجورا) جديدا ينهمر عليّ الرصاص بكثافة من جديد، حتى شعرت وكأني المستهدف الاول.

كنتُ واقفا اقاتل، فلم تكن بجانبي صخرة ولاشجرة ولا ايّ ساتر، كنت في مكان خالٍ من اية حماية، وبقربي كان النصير ابو سرمد (اعلام) منبطحا على الارض، ثم انتبهت الى أني سأموت لو بقيت في هذا المكان، لهذا ركضت لأتحصن بصخرة كبيرة.

في هذا الكمين، استمرت المعركة من الصباح حتى اختلط الظلام، واشترك فيها، بالاضافة الى الاسلحة الثقيلة الطيران الهيلكوبتر، وبسبب شراسة المعركة والخسارة التي تعرضنا لها والملابسات والاخطاء، كان من الطبيعي ان نتعرض الى الاسئلة من قبل (القيادة) لكي نستفيد من الدرس.

بالقرب من منطقة الكمين، كانت مفرزة كبيرة ل(اوك) تنوي العبور باتجاه (بارزان)، وبسبب هذه المعركة انقطع عليهم الطريق فتوقفوا عن الحركة، سألتهم فيما بعد عن سبب عدم اشتراكهم بالقتال، فأعتذروا، لأنّ لديهم مهمة خاصة غير قتالية!، وهمس لي احدهم بأنّ (مام جلال) معهم وهو يأسف لما تعرضت له المفرزة من خسائر، ولكنهم في نفس الوقت اذاعوا الخبر في اذاعتهم وقالوا (ان مفرزة الشيوعيين تعرضت الى كمين واستشهد فيها عشرة من الانصار والمصدر هو (ابو هادي)!).

في الليل وبالقرب من النهر، صادفت ثلاثة من القرويين يتأهبون للحركة بأتجاه مناطق (لولان) فطلبت منهم ان يحملوا مني رسالة الى مقر الانصار في (موسلوك)، وأبدوا استعدادهم لذلك.

كتبت، (الرفيق العزيز ابو حازم، ان مفرزتنا تعرضت الى كمين قاتل، نحتاج الى مساعدة، انا جريح، ابو هادي) وحددت المكان في الرسالة،  وعلى ضوء ذلك وصلت في صباح اليوم الثاني مفرزة بقيادة الرفيق (ابو دنيا) الى (كَلي ره ش) للمساعدة.

الرسالة كانت معنونة الى المستشار السياسي، وهو الرفيق (ابو حازم التورنجي)، وأوصيت حامل الرسالة الاّ يسلمها الاّ بيد (ابو حازم). شخصيا ليس لي ايّ هدف من وراء ارسال الرسالة الى (المستشار السياسي)، وانما كتبتها دون التفكير بأيّ شيء، وحتى لمّا سألني بشيء من المزحة آمر السرية العسكري الرفيق (ابو دنيا) والذي كان المفروض ان اكتبها لهُ، عن سبب ارسالها الى ابو حازم، لم تكُ عندي اجابة، ولكن الان استطيع ان اقول بأني كنت في لحظة نفسية منحازا الى الناصرية دون ان ادري!.

في مقر (موسلوك) يوجد تجمع كبير للانصار، والرفاق المسؤولون عن المقر من حزبيين وعسكريين، هم: علي مالية، الدكتور ابو كَوران، المرحوم (ابو قيس) فلسفة، ملازم قصي، ابو حازم التورنجي، ابو دنيا، ابو احلام مالية، واخرين.

عندما وصلت الى المقر، كان الحزن شديد على وجوه الرفاق، وقام بمعالجة جرحي في الهواء الطلق الرفيق الدكتور (حسان عاكف) ابو يسار، الذي كان معنا في نفس المكان في ذلك الحين.

وكما ذكرت اعلاه، بأنّ من المنطقي ان يسأل الرفاق عن تفاصيل الحدث، فراح (المكتب العسكري) يلتقي مع الانصار واحدا بعد آخر، اما انا، فلم يسألني احد، و انما اخذوني بالأحضان (والأحضان قصتها قصة!!)، طبعا ليس لأني مصاب، لا، وانما اكتفوا بقول الرفيق ابو سرمد (اعلام)، حيث قال لهم: (انا رأيت ابو هادي يقاتل وهو واقف).

ومازال اثر الرصاصة، مثل نجمةٍ مضيئة، قريبةٌ من القلب.. ومازلتُ اغني.. (ونجومه يمه ياكَمر).. وعندي حجي آخر، استحي احجيه!.

 


 

 

 

free web counter