الأحد 6/2/ 2011

رؤوس الطغاة اينعت، وحان قطفها مزهر بن مدلول (شوارعهم نبيلة وشوارعنا مخزية، شوارعنا عتيقة، اعتق من اكبر العجائز سنا، وشوارعهم محترمة ونظيفة دائما) - بلزاك بيوتهم فارهة، واسعة النوافذ، وندية النسيم.. شرفاتها تشرق فيها الشمس، وتطلّ على الانهار والبحيرات والحدائق.. وبيوتنا ضيقة، عشعشتْ في زواياها الرطوبة، فكان هوائها فاسدا، وتموت في داخلها الاحلام. وجوه امهاتنا قهرتها الغربة والانتظار، ولوّنتها الحروب، وسال عليها الاسى والدخان والتجاعيد.. ونسائهم يتزينن بالاقراط البديعة والاساور البرونزية، ويمسكن بالضباب والمطر وقوس قزح. نحن حفاة، اجسادنا نحيلة وبطوننا خاوية، نتقاسم الخوف والرغيف والدموع.. وهم يتنزهزن في وسط الغابات، يقيمون الولائم الكبيرة، يغنون ويرقصون وقلوبهم مليئة بالكراهية والجريمة. نحترق في النيران العبثية التي يشعلونها، ثم يتبادلون التحايا، ويعلقون على صدور بعضهم الاوسمة والنياشين. تلطخت ملابسهم وجدران قصورهم بدمائنا، كما تلطخت الى الابد ثياب فرانكو بدم لوركا. تفننوا في ابتكار الاساليب من اجل تعذيبنا، حتى قدموا رؤوسنا طعاما الى الوحوش التي يربونها وكأننا نحيا في زمن (جايوس) امبراطور الدم والعطور. هؤلاء اصحاب الافكار المصابة بالجرب، شنوا علينا الكثير من الازمات والمحن القاسية، وحولوا النهار الى خيبات وجروح، والليل الى آهات واحزان. احتكروا الكتاب والتاريخ، والذكاء والنبوغ، ومزقوا العواطف البريئة وصادروا من العيون الابتسامة. عشرات السنين وهؤلاء يأكلون من لحمنا، عشرات السنين وهم يرمون بجثثنا في حفر واسعة مليئة بالوحل ولم يتركوا شاهدة تدلّ على موتنا. ولكن في هذه الساعة من النهار.. الساعة التي سبقت غياب الشمس.. الساعة التي سطعت منها الحقيقة.. الحقيقة التي انفجرت مثل بركان غاضب، تصرخ في وجوههم بملء شدقيها.. ايها الجبابرة، رقابكم اينعت وحان قطفها. تلك الاصوات التي تسمعون، ليس اصوات المدافع والدبابات التي اعتدتم على سماعها.. تلك الاصوات غريبة على مسامعكم، انها الهدير البشري الثائر، الذي يقطع انفاسكم ويملأ رئاتكم بالدخان والفزع. تلك هي كرة النار التي تدحرجت من سيدي بوزيد ولااحد منكم يستطيع صدها.. ذلك هواللهب الذي انطلق من جسد بوعزيزي وتحول الى حريق هائل، ليس بامكانكم اخماده.

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس