مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                    الاثنين 5/11/ 2012

 

الدليل، تجربة ومعاناة!
(1)

مزهر بن مدلول

احيانا يُخيّل إليّ، بأني كنتُ واحدا من بؤساء عمال مناجم الفحم!، او أني عشتُ حياة ( كوازيمودو) في (نوتردام دوباري)!، حياة لايعرفها الاّ الذين احدودبتْ ظهورهم وسكنتْ اوجاع العاهات في قلوبهم.

فمنذ أن سحلتْ جثتي عصابة من أمن النظام مفتولي العضلات على رصيف شارع الرشيد في مشهد مسرحي من مشاهد (عرس الدم) وكما لو أني (لوركا) الحقيقي في مواجهة رجال (فرانكو) المتعصبين، وكان الدم يسيل من فمي وانفي، وكانوا مثل خنازير برية وجائعة تفترس احد الحملان!،

ومنذ ان كانت مغامرتي الانتحارية في ان اقفز من طابق مرتفع نحو هاوية لاأعرف عمقها، وضياعي فيما بعد بين الأزقة الضيقة وفي الشوارع الملتوية والاتجاهات التي لاأدري عنها شيئا في السابق، منذ ذلك الوقت وانا يتملكني هاجس البحث عن المعنى الحقيقي لأهمية أن تكون عارفا بالمسالك والوجوه! والانفاق الآمنة، التي تنتشلك من انياب قبيحيِّ الاشكال وانتهازيِّ المضامين!.

قبل تلك الاحداث الدراماتيكية كان عقلي صغيرا، وكنتُ مغرما بالشعارات والمعارك الثورية، واعشق الصعود الى المنصات!، ولم يخطر ببالي بأنّ يوما سيأتي اكون فيه بلا اقدام ولا بوصلة، حتى أني عندما كنت جنديا في (معسكر التاجي)، وأسرَّ لي صديقي المسرحي (سهيل عبد الحمزة) هامسا: ( انتبه انهم سيعدموك )، ابتسمتُ ساخرا، واعتبرت تلك مجرد مزحة فيها الكثير من المغالات، وأنّ صديقي لايرى العالم الاّ بعينين مغلقتين!،

لكن في صباح اليوم الثاني، وجدتُ نفسي وحيدا في غرفة ضيقة تخص الاستخبارات العسكرية، ومن على كرسيٍّ عالٍ سُلطتْ عليه الاضواء من كافة الجهات، التقطوا لوجهي صورا كثيرة من الامام ومن الجانبين الايمن والايسر، ولم يسالوني عن شيء سوى أن أحد الضباط قال لي هازءا: (انت من الناصرية مو)!.

خرجتُ مسرعا لأخبر (سهيل) عن هذا العالم الضبابي وتلك الأيماءات المبهمة، قلتُ له أنّ الشبكة التي أنا فيها لاتشبه ابدا شبكة العنكبوت!، وانّ أخذ الصور من الجانبين يثير الخوف والشكوك، فقال لي: (هذه وثيقة الاعدام، فأهرب)، عند ذاك عرفت بأني اواجه الموت الوشيك، فقررتُ الهروب، ولكن كيف اهرب واين ومن اين؟!..

لم اكُ أعرف بأنّ صديقي (سهيل) كان يفكر بالأمر أكثر مني، وكان قد اتفق مع صديقنا (مهدي) وهو فلاح من الديوانية أن يعيرني دشداشته التي ترافقه دائما!، وفي نهاية الدوام الرسمي وقبل (قصعة العشاء) والتعداد المسائي للجنود، رافقني الصديقان الى ثقب في سياج المعسكر، ومن هناك همتُ على وجهي في منطقة واسعة ومليئة بالاشباح! ورجال بلا ضمائر، وتتبعثر فيها خيم ممزقة وغرف من طين مهدمة كأنها شواهد على قبور مفتوحة!.

امضيتُ اثني عشر يوما مع عائلات جنوبية، جاءت تبحث عن عمل في صناعة البلوك او (اللبِن)، وكنت اشعر بأني ثقيلا جدا على هؤلاء الفقراء الذين يقتاتون فقط على الخبز والشاي، ولولا لهجتي الريفية والقفشات والحكايات القروية التي ارويها لهم ليلا على سطح (السوباط)، لطردوني!، لكني كنت مستعدا ان اعمل الكثير مقابل أن اعثر على عنوان القصة، (الدليل)! الذي يقودني الى اطراف المدينة ويجنبني المرور بسيطرات الانضباط العسكري قبل ان اصبح الشهيد التالي! بتهمة القيام بتنظيم معارض داخل الجيش!!.

 

 

 

 

free web counter