مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الأثنين 3/9/ 2012

 

الخروج من الكهف!

مزهر بن مدلول

(انا مفعمة بالحياة داخل هذا التابوت)..

هكذا خاطبت الشاعرة الروسية (آنا أخماتوفا) شرطة ستالين، في اشارة واضحة بأنّ المقاتل الجريح وان كان مطروحا على الربوة يلعق جراحه ويلملم شظاياه، لكن صمته لن يدوم، وخاصة عندما يرى أنّ المهندسين حولوا البلاد الى بناية مغشوشة يمكن ان تتهدم في اية لحظة على رؤوس ساكنيها..

وكان بوذا نبي الهند وهو ابنا لاحد الامراء الاثرياء، يتساءل في شبابه عن اسباب الفقر الذي يفتك بالمجتمع وعندما اكتشف تلك المعاناة من خلال البحث والثقافة خرج من صمته الى الناس يصرخ: (يجب ان ننتصر على عوامل الفناء في الحياة، الموت والفقر والمرض والشيخوخة)..       

وهذا مانتوقعه، بأنّ صمت المثقف العراقي هو مجرد استراحة للمحارب الذي يريد ان يلتقط انفاسه بعد معركة ضارية استمرت لاعوام طويلة مع اقسى ديكتاتورية عرفها تاريخ العراق،

ولكن بعد ان سقطت اوراق التوت وانكشفت عورات الفاسدين، ولم تبقى في الجبين قطرة ماء، لابد ان تتوقف هذه الاستراحة وان يعود المثقف الى خصوصيته المميزة في ان يكون مزعجا لأولئك المتخمين الذين يأكلون الكعكة بالشوكة ويغرزون السكين في بطون الجياع،

ولابد ايضا ان ندرك بأن القيح الطافح على جسد الوطن اصبح بحاجة ماسة الى طبيب، والطبيب في رأيي هو المثقف، ذلك الذي لم يقع في حفرة ثقافة الارتزاق،  ولم تغريه شهوة السلطة، ولم تستطع الدولارات دغدغة جيوبه!، والذي مازال قادرا على تشكيل الذاكرة واستعادة الوعي وانتاج الدلالات.

ان مسؤولية المثقف كبيرة باعتباره ناشط عضوي يرتبط بطبقة اجتماعية وينشر وعيها وتصورها عن الاحداث كما يقول غرامشي، وتتضاعف مسؤولية المثقف في الظروف الصعبة والمنعطفات الحادة التي تتطلب تشكيل خطاب سياسي واجتماعي جديد وملائم لمرحة جديدة من التاريخ،

ومن هنا بات من الملح ان يخرج المثقف العراقي من الكهف الافلاطوني ليرى الواقع المأساوي الذي اصبحت فيه سياسة التقاسم والمحاصصة تختصر اسلوب السلطة والحكم وتتحول تدريجيا الى مايشبه البئر العميقة التي يصعب القفز منها، لكننا لم نصل الى ان نتصور بان مشروع الدولة المدنية مجرد حلم مات، فأملنا كبير، لاسيما وان تراثنا الثقافي والمعرفي زاخرا بتجارب المثقفين الذين ساهموا بفاعلية في ترسيخ القيم والاهداف النبيلة وتكوين العقل،

والمطلوب اليوم هو البحث عن الادوات التي يستطيع المثقف من خلالها ان يوصل صوته لاصداه، واعتقد من اهم هذه الادوات هو تجاوز المثقف للخطوط الحمراء وانخراطه بقوة في النقاش السياسي الدائر في البلاد، ورغم ان الازمة كبيرة والظروف معقدة، (لكنهم لا يقولوا كانت الازمة رديئة، وانما سيقولون لماذا صمت الشعراء)، بريخت.

free web counter