مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الجمعة 29/4/ 2011

 

ليلتان...... وموقدُ نار!..

مزهر بن مدلول

ليلتان........... أجملُ من ليالي ديستوفسكي البيضاء كلها!..
واعذبُ من خرافةِ حبٍّ، برَقتْ من خيالٍ بدويٍّ!..
واسطعُ في الروحِ، من اطفالِ لوركا وغرناطتهِ الغجرية!..

ليلتان..... ليلتان.....
وتمترستُ خلف عزلتي، أستجلي صورة ذلك السرالعجيب، من تحت الظلال الخفية..
.................
لاأثر في هذه البقعة، لمتاحفٍ او مسارح، ولاوجود لبحيراتٍ او حدائق، لاشيء يحرضُ الذاكرة على البوح..
وهؤلاء المنحازون الى الظلام، جاءوا من كلِ ناحيةٍ..
من الجبال والأنهرالعالية.. ومن (الحب العميق والنافورات)..
جاءوا لمجرد اللقاء.. جاءوا، وفي رؤوسهم صورٌ، وأحاديثٌ متلهفةٌ للخروج..

أنا مجنون!.......... أنا عاقل!..........
النجوم تتلألأ في سماء صافية!.. الاشجار طريةٌ خضراء تحيط بمنزل ريفي قديم.. رائحة عشب ندي تختلط برائحة البحر..
لم يكن ذلك خطأً من أخطاء الحواس، ولاخدعةً من خدع الخيال.. بل كانت صورة واقعية للطبيعة الخضراء، التي تحتضن المكان..
ولكن هذه الصورة، لايمكن لها أن تكون بداية لقصة قصيرة في زمننا الحاضر، ولا حتى مجرد خاطرة من خواطر العشاق العذريين.. فكنتُ أضحك دون رغبة مني، لهذه التعابير البسيطة الساذجة..
النجوم تتلألأ...... الاشجار طرية...... رائحة عشب...... ثم لاأستطيع أن أملك زمام ضحكتي..

وعلى الرغم، من أنّ الشجر والعشب، رموز للحياة المتدفقة عند تشيخوف وسارتر وغيرهما.. غير أني تمنيت في تلك اللحظة، لو أستطيع أن أكتب بغير لغة (بني تميم وحُمير وقريش)!!..
توغلتُ في الغابة، ومازلتُ أضحك، حتى أني خشيتُ أن يراني أحدٌ، ويكتشفُ، انّ خللا طارئا أصاب رأسي!!.. ولما دبَّ بيَّ اليأس، ولم أعثر على شيء يستفزُ أحاسيسي، رممتُ كياستي، وعدتُ ادراجي الى القاعة..

في القاعةِ، ضجيجٌ، واصواتٌ مكتومة!.. في القاعةِ، عناقٌ لايريد أن ينتهي.. في القاعةِ، ضحكٌ، دون أن نعرف السبب.. وفي القاعةِ أيضا، زوبعةُ غبارٍ، لسنين صعبة..

هنا.. وجوهٌ، تراكمتْ عليها قسوة العمر، وأنعكستْ فيها أشعة التجاعيد، ومازال الجوعُ يلتصقُ فيها..
وجوهٌ، منقوشةٌ في ذاكرة بعضها حلماً من أجمل الأحلام.. وجوهٌ، تلمعُ في الأذهانِ، كلمعان وجهِ الحبيبةِ الغائبة!..
هنا.. قلوبٌ طافحةٌ بالاشواق، وعيونٌ تستطلعُ الملامح، وكانت وحدها قادرة على دغدغة الخيال..
كل شيء في نفسي، كان يرتجف ويتشنج في آنٍ واحد، وشعرتُ بعاطفةٍ مبهمةٍ، هزتْ كياني..
عاطفةٌ، لاأعرفُ لها سبيلا.. عاطفةٌ، لها نكهة موشحات الاندلس، ولها عذوبة اللقاء الاول بين (ناستنكا) والحبيب الحالم!..
عاطفة، استدرجتني الى مناخات الفعل المغامر، الى الدوائر المضيئة التي تستقطب الوجدان، الى ازمة الوجود الأنثوي في حياة المقاتل..
استدرجتني، الى الايقاع الاول، لتلك الحقيقة القاسية، التي مرتْ الآن، سريعة مثل طيف هارب، الى منصور عبد السلام، (الذبابة، الفأرالأعرج) وهو يركضُ لاهثاً وراء القطار!..
في الركن الحاد، وعلى جهة اليمين، كان قنديل بصخرته وواديه.. وفي الركن الآخر، كان كَارة، وبين الاثنين، وديانٌ مظلمةٌ كثيرة، وقرى مشنوقة، وفلسفة خاصة لايمكن البوح بها..
تحركتْ، جميع الهموم الدفينة، التي ظلت هامدة لدهر من الزمان تحت (البشتين والشروال)!..
انبثقتْ على شكل أغنية، لها رائحة الحجر.. وقصيدة لترميم التناقضات.. ومسرحية هزيلة الكوميديا، فتحولتْ الارواح، الى عصافيرٍ ترفرفُ في فضاء القاعة الكبيرة..

في الليلة الثانية، أُطفئتْ الأضواء، عيونٌ مسمرةٌ نحو شاشة العرض، الفيلم الذي أعده وأخرجه الفنان النصير علي رفيق..
العنوان :
مناضلٌ لا يعرف الحزن.........
المقدمة.........

مات الصبي
...............
مات النصير الشيوعي العنيد
..............
مات السريالي العجيب
.............
مات المتمرد
.............
مات الضحك
.................
فتسللتْ من المآقي دموعٌ صامتة، والتهبتْ في النفوسِ مشاعرُ الحنين الى القارة المفقودة.. وصخبتْ القاعةُ والجدران....... بأغاني ايام زمان.. ايام الوجع الجميل ، والفرح الحقيقي..
 

 

Counters