مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    السبت 29/9/ 2012

 

تداعيات الصورة!

مزهر بن مدلول

من اعلى مكان، بدتْ (كوبنهاكن) مثل لوحة انطباعية رسمها (رينوار)،

في هذه المدينة المعلقة على جدار الماء، يتفاعل الضوء والظل بشكل يثير الأدهاش، يغمرك بالهدوء ويعيدك الى الصفاء والتطهر الروحي.. هي ابنة ملك البحر، التي تجعل الطفولة تندلع خضراء، وهي حورية (كريستيان أندرسون) الصغيرة التي انتظرتْ مئات السنين لكي تحتل عرشها الانساني،  

ترى ايّ عقلٍ عبقريٍ رسمها، وايةِ موهبةٍ جميلةٍ بنتها!؟،

هذا السؤال جعل صور مدننا الخربة، تتداعى الى ذهني صورةً صورة!،  

فقد كنتُ كغيري، احلمُ بالضباب يحتضن صفحة النهر، وبمهرجانات الزهور تملأ الارصفة، وبحرارة العشقِ الذي يحاكي مملكة الروح!، لكنّ (صدام) قصف احلامنا بطائراته وسمّمها بقنابله وذهبت جهود (برمنيدس) ادراج الرياح!!،

كما تداعت الى ذهني الصورة المتفردة في غموضها ونكبتها لعشرات (الانصار الشيوعيين) الذين اصابهم (العمى المفاجئ)! واحدا بعد اخر في (كَلي زيوة)، وكأنهم عاشوا محنة شخصيات (جوزيه ساراماغو) الخيالية، لكن الفارق هنا، هو انّ المكان محدد والزمن معروف والعمى لم يكن وهميا!،

هكذا مرتْ الحقبة الاكثر قسوة والأشد ظلاما في حياتنا، فعدنا بعد ان انزلق الحجر من تحت (قصر النعمان)! الى ترميم احلامنا القديمة التي تهدمتْ، وصرنا نرى الشواطئ (قاب قوسين) مفروشة بالعشب الاخضر، وقصور (المعدان) البيضاء عائمة فوق غابة البردي، ومن نوافذ ازقة المدن الضيقة تنبعثُ انغام (ريدريغو)! فنشعر بجلال الفرح وعذوبة النسيم، ونذهب بأحساس عميق الى آفاق باهرة في رومانسيتها وكأننا نعيش في مدينة (عصير البرتقال)!،

ولكن يبدو، وياللاسف الشديد، ان تلك التي اتحدثُ عنها، لا تصلح الاّ ان تكون حكايات فولكلورية مضحكة، او انها ليس سوى اغاني شعبية، ايقاعها لا يخدش حتى اصحاب الآذان الناعمة،

فالشوارع الهادئة تحولتْ الى (ساحات وغى)، والاشجار التي نحلم بظلالها، قطّعنا جذورها واستبدلناها بالاسفلت الاسود، وداليات العنب ما عادت تلامس الاكتاف، والصحة عليلة، والجسد ذابل والمياه مازالت راكدة تحت البنايات!،

ويبدو ايضا، ان هذه البلاد لاتكفيها لطمةٌ واحدة، ولايروي عطشها نزيفُ حربٍ واحدة، ولاحتى يُشبع انانيتها منظر الحيرة والحزن الذي تكتمه الافواه والعيون!، حتى انك تظن بأنّ كلّ آلهة الجحيم ظهروا من شقوق هذه الارض، وان ابليس نفسه ولد فيها!!،

فألى متى يبقى الموت صديقا لبلادنا، والى متى يبقى عدوها شبح!؟، وكم من العمر نبقى مختبئين في احلامنا!؟،

لا ادري!، لكن بالتأكيد عندما يُوضع العقل في الثلاجة، يكثرُ الدجالون والمشعوذون والسحرة، الذين يزاحمون التفكير ويطيحون بسلطة التأمل، وتلك هي جريمة الجرائم!.

free web counter