مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الأحد 29/1/ 2012

 

أمام صيدلية تشيخوف!

مزهر بن مدلول

مثلما الارض تنتج الخبز، ينتج عقلهُ الفكرة..

ومثلما يتدفق النبع، يتدفقُ من قصصه ومسرحياته حب الانسان والحياة،

عندما اشعر بأني في حاجة الى بعض من ( اقراص الاسبرين ) لتهدئة هذا الصداع النفسي، وترطيب الجفاف الذي يجتاح افكاري، اذهبُ الى صيدلية تشيخوف،

فأجدها عامرةٌ بزهور الربيع وقطرات الندى، وكلّ مايزيح الغبار من القلب ويرمم حطام الساعة المكسورة،

اجدُ فيها فضاءا من الوجدان، زاخرا بالجمال، جمال السلوك والشعور والكلمات، وطافحا بالصدق المدهش وروح الفكاهة والذكاء الفائق،

فتاخذني نوبة من الذهول في قدرته على استنطاق العيون والغوص في اعماق الانسان، ليكشف سرّ ذبول الروح والآهة الخافتة، ويضع البوصلة في الاتجاه المؤدي الى الخصوبة والفرح الداخلي،

وحول ( ضحكته الروحية ) كما يسميها مكسيم غوركي، يلتفُّ قلبي بأعمق مافيه من عاطفة صادقة ومتحررة من العناصر المزيفة، فتنهمر منه الانغام التي تعيد انتظام نبضه،

أما مخيلتي فتسافر مع تلك الموهبة اللامعة، لتتمرن على معنى الابتسام والبساطة والاكتفاء حتى في اكثر الاوقات ارهاقا وكابة..

لكن ما ابعد تشيخوف الان وما خلوّ صيدليته هنا،

على تلة مرتفعة اطلقتُ لخيالي العنان،

كنتُ احلم بالعودة الى الوطن، مثلما حلم ( اوليس ) بالعودة الى ( إيتاكا )!،

وعندما استيقظُ من حلمي واشعر بعجزي في تزوير المشهد المؤلم، ابقى انقبُ عن حكمة الحاضر الذي بدا بلا لون ولانهاية ، واحاول ان اصنع من هزائمه الروحية الكثيرة انتصارات جمالية للزمن القادم ، ففي ذلك عزاء لمن انهكتْ راسه الحرب، ومزقتْ فؤاده آهات الذين ليس لهم القدرة على التأمل في الظلام،

ولكن ايّة انتصارات جمالية تلك التي اكتب عنها، وهذا الوادي الذي نسميه بالوادي الاسود لشدة عتمته، والذي تسكنه الافاعي والاشباح والخنازير، واصبح المرور به مغامرة قد تصل بك الى الخاتمة، يسلبُ الحماس والبهجة من اية لحظة انسجام مابين العقل والقلب ويتركك في حيرة تشبه حيرة امرأة ارملة عجزتْ عن توفير الطعام لاطفالها،

ومااكثر الارامل في مدن العراق الشاحبة المبنية بالملح والرماد، ومااكثر اطفالهن الجياع وتلك العيون التي تنظر من بعيد الى عطايا ( القصر الفرعوني ) وكأننا نعيش في زمن لم نسمع فيه بعد دقات قلب تولستوي ولا نرى الصباح الجميل الذي يشرق من عاطفة غاندي،

عن ايّ جمال اكتب، ومازلنا لاندري اين كنا والى اين سنذهب، والمفاجآت تتوالى، والاحلام تتبعثر، وارض الرافدين تأكل ابنائها، وحفار القبور رغم ركام الجثث مازال يغني وكأنّ الحياة اصبحت في بلادنا مجرد عبث لاقيمة لها،

عن اي جمال اكتب، والعصافير الانيقة من دون اعشاش ولابحيرات ولاسماء خالية من الغازات والشظايا!!..

هكذا حين ينتشر الظلم بصورته الوحشية، تنتشر العاهات والتشوهات، ويختفي الضوء المعرفي ويسود الظلام والخرافة، ويصبح الناس مثقلين بالعادات والطقوس والهموم، مما يدفع امرأة فقيرة ان تبيع بناتها من شدة العوز، لأنها لم تلتقي ( بالبسطامي ) لكي يطوف حولها! وتحصل على المائتي درهم!!، انه مشهد لايمكن وصفه الاّ مكللا بالعار..

اجتاحت راسي عاصفة من القلق والتمرد، لااستطيع الكتابة، ساذهب الى صيدلية تشيخوف!.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

free web counter