مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأربعاء 29/4/ 2009



الى ابن خالتي الشهيد جبار شهد ( ملازم حسان ) وكل شهداء بشت ئاشان اهدي هذه الكلمات


بشت ئاشان مؤثثة بالنجوم

مزهر بن مدلول

في لحظة عاصفة بالموت ومذبوحة بالهوان ، وقفتُ مشدوها اتحسسُ اوهامي التي طحنها اتون الارض وهي تدور دون جدوى .. مزيجا من ظلال واغصان يابسة واشباح عوران يكرهون الموسيقى ..

لا ادري اذا كانت لي رغبة حينذاك في ان اتقيأ الحقيقة السافرة وارميها في سلة الخلايا الميتة ، ربما لاني لا استطيع ان اتصورها كشاهدة لقبر جماعي ، او لان ورقة الحلم الذابلة الوحيدة التي تتسكع على قارعتي قد دمرها الاعصار..

كنتُ مسلوبا بأمنية شاردة قد تلقي بي يوما نشيدا فوق متاريس دفاتري ، لولا انْ نشبتْ مشادة بين رأسي حين تحول الى نفق معتم وجسدي الذي توقف فجأة عن اداء وظائفه ..

لا انكر انها ليس المرة الاولى ، لاني دائما اسكن في قفص كبير من المفاهيم التي تمارس معي شتى اساليب الخيانة..

حاولتُ ان لا اغوص في وحول الخيبة ، التي جعلتني ثملا برأس خروف ، ورحتُ اكتشف هذا الكوكب بعيون كائناته ، تلك الكائنات الغامضة التي بدتْ كأنها مصابة بالهلع ومفزوعة باتجاه المقبرة ..

في كوكبنا البعيد ايضا مقبرة ، وبعضٌ من آلهة اللعنات ، يلقنوننا فنَّ طقوس العبادة وطريقة التعري ..

قبل ان تشتعل الينابيع .. كان كل منا سعيد بتفاصيله العليلة مهما اختلف عنه الاخرون ..

قبل ان تطلَّ نافذتنا على مساء بدون احشاء .. كان الرفاق جائعين ..

قبل ان يسقط التاريخ .. كانوا يلعبون كرة القدم .. لكن المنعطفات كانت تتوارى بسرعة وان موقد النار لم يعد كافيا لاستعادة جميع الذكريات..

هؤلاء السحرة المقيمون في هذا المساء العاري ، جاءوا من شتات الشمس ومن سلالة المدن الموبوءة باسراب النمل والمنجمين ..

من دواليب الهوا وذاكرة الشناشيل والعلامات الفارقة في البيوت المنقوشة بالمناشير ..

جاءوا يحملون معهم في شباك المخيلة التي اعتلاها التراب ، معاول البحث عن المغامرة اليقينية المشتهاة ، تلك المغامرة التي من اجلها باعوا كل ماتبقى في قواريرالماضي البهيج ..

يفتشون عنها ، منذ ان تسلق اول الاجداد سلّم الكهوف ..

ومنذ ان ودّع جنكيز ايتماتوف مهره الاسطوري غولساري ..

ومنذ ان بلّل المطر ايقاعات وحيدة خليل ..

هؤلاء الملوك الملائكة المعطرون برائحة البردي والغفران ، مازال غيابهم وهميا وسكونهم مقدسا وزمنهم لحظة ضائعة في رحلة العمر الموحشة ..

مشلولة في ممراته الملتوية ..

هائمة في محطاته المتشظية ..

لحظة دهرية .. انتظروها ان تخرج من بين مسامات الحجر ، فتحولت في الاول من ايار الى مهزلة تراجيدية اطاحتْ بعنجهية الخيال وقطعته اربا ، ولم تبق منه غير بحة الناي وحنجرة متيبسة لاتحسن الغناء ..

انها المتاهة الحقيقية ، متاهة التجديف في صحراء شاطئها قطيع من الذئاب ..

هؤلاء المتصوفون المعلونون بالرغبة والصفاء ، يختبؤون في ليالي الشتاء الطويلة تحت جلودهم المسنة ، اما قلوبهم المنحوتة بالحنين ، فهي تشبه فراشة استوطنتْ ضفة زهرة في بستاننا القديم ..

البستان الذي بعثر فيه ( عقيل علي ) شهادات كينونته .. وعلى اسواره ذرف ( جواد سليم ) كل هواجسه .. ومن سماءه امطر ( السياب ) اغانيه ..

هؤلاء المولعون في العشق والصدمة وقلق اللقاء ، يغنون ويضحكون ويتهامسون ، مع علمهم بان الدموع قرّحتْ عيون امهاتهم ، وان كيس الطحين سينفذ في اول الخنادق ..

سنلتقي في العيد القادم تحت الجدارية ..

نتمرغ في الحدائق الحمراء المظللة بالرقص والحمام ..

عند الشفق الازرق وسمفونيات النوارس ..

داخل قاعات العرض المرممة بالرصاص ..حيث الحكومة القتْ القبض على جميع المشاهدين الذين يندهشون ..

سنلتقي حتما ياحبيبتي ..

في الدروب المطحونة بالشعر والغزل .. سأهديك خلاصة رغبتي الغامضة وكل الاغاني التي سكنتني ، وارتشفُ من جديلتك رائحة الطين وعبيرزهرة الخروع ، وسأستمع الى صمت نظراتك المقدسة واغرق في عينيك ..

ما اجمل عينيك يا زهرة اللوز ..

سأعتذر لك ياحبيبتي .. لاني تاخرت كثيرا في اللحاق بخطواتك الحالمة ، فالوادي كان سحيقا ومعتما ، وتحت صخوره تركتُ قدميَّ ينزفان ..

قنديل المتغطرس يشبه فيلسوفا متعجرفا .. يأبى الاقتراب مني ، ينهشُ مخيلتي برطانة عواصفه ، ويستفزّ جراحي ببياض جلده البارد ..

قنديل منهمكا بعزلته وانا منهمكا برحيق شفتيك ..

اعتذرُ ياجميلتي ، لاني سأروي لك حكاية هذا النهار من اولها ، مع اني اعلم ان روحك لاتتسع للمزيد من المفاجاءات ، لكن ذلك آلمني بالصميم .. وجعل راسي خاويا إلا من بعض صداع ٍ وصدإ ودموع ، وقليل من صور تذكارية تؤرخ للقشعريرة التي تركها الزلزال في روحي ..

روحي ياحبيبتي ، مثقلة باليقظة المريرة والوجع الشامخ ، لكنها ورغم كل الطعنات مازالت من اجل ضحكتك ممتلئة بالقصائد ..

ومازال الربُّ يضحكُ في داخلي ..

في الطريق وانا اتعثر بانفاسي ، مقتفيا ابتسامتك الرائعة ، وكنتُ متكئا على حاجبيك حين يمنحاني طاقة ايحائية هائلة ، سمعتُ صدى طبولٍ تقرع وبنادقٍ محشوة بالهلاهل ، اندلعتْ من طقوس الجنيات ونبوءة الغربان ومن روث البهائم ..

من ذاك البعيد البعيد ..

من خلف الايام العالقة بمعطف الرذيلة ، فأخذتني ياحبيبتي براكين الاغتراب ، وبدا رأسي متدليا من سقف الجبل ، وحواسي استحالت الى ثعابين مرعبة ..

هناك حيث النهار على تخوم ليل بهيم .. رأيتُ وجها نقيا اطلّ من غسق قريب ..

وجها انيقا اعرفه ، كمعرفتي بوجه السيد المسيح ..

كعزفٍ في ليلة قاتمة

كهذا النبع الباذخ

غمرَ حسّان بنورهِ قسوة التضاريس

حينها .. ترهلتْ يقظتي وفقدتُّ امل اللقاء ...

 

Counters