مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    السبت 28/7/ 2012

 

رحل ابو ذكرى مكللا بحب رفاقه

مزهر بن مدلول

رحل اخر الاشقياء، الذي طالما انتصر على زوّاره وهو يجوب الجبال والوديان بقدمين متورمتين، انتصر بصبره على آلام الظهر والمفاصل وضغط الدم والسكري وكهولة الجسد،

انتصر بروحه الظليلة، كظلال نخل السماوة، والرقيقة كسنابل حنطتها، وكلما ضاقت بنا الآمال ترانا قد تجمعنا في حضرة ذلك البدوي الجميل القادم من (وادي قصير) لنسمع منه عن الوركاء والسومريين ومضايف القهوة والعزف على الربابة،

نسمع منه عن مغامرات المناضلين الرواد وحبهم للناس وعشقهم للحياة وعن ذلك العنفوان الذي يصنع المعجزات..

رحل ابو ذكرى وهو يشعر بثقل الاغاني التي لم يغنيها، وبحزن القصائد التي لم يمنحه العمر وقتا لكتابتها، فقد كان في رأسه مخزنا لحساسية مرهفة طالما استدرجتنا الى واحاتها لنرتوي بأبيات الغزل والحب العذري والحنين الى الاهل ومملكة الناس البسطاء الطيبين،

رحل الشيوعي  ناظم عبد الملك (الخال ابو ذكرى)، ومازلنا بحاجة الى عالمه الفكاهي (ها، خالي)!، ونظراته اللاذعة وقفزاته الفرحانة وطرائف كثيرة لامتعة فيها الاّ عندما تنطلق من فمه،

كان يكتب شعرا في الظلمة الارجوانية، لكي يعود دائما الى البدايات، ويمنح قصائده ايقاعا خفيا مليئا بالعفوية وكأنها العبث الطفولي السعيد!، يرددها مع نفسه ويهمس بها احيانا لأقرب اصدقاءه، ورغم ان عالمنا كان اكثر دفئا ومودة، الاّ انه اشد ضيقا على الروح التي تحاول التحليق فوق التضاريس، ولهذا السبب كان الفقيد ابو ذكرى يصنع من الغسق زمنا صوفيا خاصا به وحده، لكي يستطيع ان يمسك الخيط الذي يصل به الى ضفاف الفرات ودواوين المدينة المكتضة بالمحبة،

كان معنا يقطع المسافات الجبلية، يتسلق القمم وينحدر الى الوديان، وعندما تسأله عن تلك المغامرة يقول لك بكل لباقة: (بسيطة ثلاثة ايام صعود وثلاثة ايام نزول)، وينظر الى اقدامه المتورمة، يضحك، ويضحك الرفاق.. فكم مرة عبرت الزاب ايها الرفيق، وكم مرة خضت في مياه (الشين) العميقة، وكم مرة جرفك تيار الروبار في (ده شت براز كَرت)،

لقد كانت تلك علاماتك التي بقيت محفورة على الحجر ومطبوعة في اذهاننا مثل جرح يتوهج في جسد الارض، فنم مطمئنا ايها العزيز بأنّ جسدك وروحك قدما الكثير للشعب والوطن.

 

 

 

free web counter