مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    السبت 28/4/ 2012

 

الموتُ، طليقا يتجولُ في الشوارع!

مزهر بن مدلول

لاني وحدي، اجلسُ في زاوية هادئة ومسالمة، ولأن الحياة هنا باردة ولا تثير الافكار والعواطف، فمهما حاولت ان امسك باللحظة الراهنة، اجدني مضطرا ان اقف امام التي سبقتها، وهكذا.. فكل لحظة لاتاتي الاّ باستدعاء اللحظة التي قبلها، حتى وجدت ان الكثير من الوقت وقد تراكم على جسدي..

فمن اين ابدأ!؟..

لاشك، في اننا مازلنا نجترُّ ادوارنا القديمة بطريقة ساخرة ومتهكمة، لأننا عجزنا عن درئ المحنة وايقاف الأسى، فاصبح كلٌّ منا يبدو وكأنه راضيا بخرابه الداخلي، لأن عوامل الانتصار على الهزيمة الروحية تتطلب المزيد من رؤية الجمال.. ولأن هذه الرؤية تستوجب ايضا خلق انسان جديد ومتلائم.. انسان يحب الحياة.. خلاق وقادر على بناء عالم بقيم جمالية ومبادئ انسانية نبيلة، لذلك، فاننا نقف حيارى امام اسئلة مهمة وعسيرة ومعقدة:

فما هو السبيل الى هذا الانسان الجديد؟.. كيف نستطيع ان نخلق انسانا حر الارادة وسليم النفس؟.. ماهي الطريقة التي يمكن من خلالها ان ننتشل الانسان في بلادنا من وسط النيران التي مازالت مشتعلة وتلتهم الممرات والنوافذ!؟.. وهل نحن بحاجة الى كافكا عراقي لكي يصور لنا (الظلام النفسي) الذي يمزق الناس والمجتمع ويجعلنا نستعيض عن الحلم بالوهم وعن الحبيبة بالبندقية!؟..

لقد كان ارثنا من ركام الانقاض وفي جميع الميادين هائلا، بينما كنا انذاك مثل الاجساد الغجرية في مسرحية (نوتردام دوباري)، حيث هناك دائما من له القدرة على ان يرقص فوق جثث الضحايا!!..

فقبل مايزيد عن الثلاثين عام ونحن نلوذ بالصمت المشحون بالمأساة.. ماسأة جعلت الوطن مقطع الانفاس، وخريطة الذهب التي نحلم بها تحولت الى رمال وغبار، حتى اصبحت الحياة بالنسبة للآباء والامهات عبئا ثقيلا لايطاق، والاطفال والشيوخ عاشوا حياة انهيار دراماتيكي محزن لايستطيع ان يتحمله القلب البشري دون ان يصاب بالخيبة والفزع!..

اما الطاغية المريض، فقد كان في ذلك الحين يتنزه في الحدائق الحافلة باحواض اللوتس والنافورات وكل ماتشتهي العين!، يلوّحُ ببندقية الصياد  بغرور وانتشاء وهو يستمتع بهتافات المغفلين الذين يمتهنون الاهازيج من ابناء قومه: (ياصدام ياحبيب.. اضرب اضرب تل ابيب)!، بينما قنابله لاتكاد تترك ثقبا ضئيلا في صحراء بعيدة، وكان الجنود العراقيين يهلكون من الجوع والعطش وهم خلف المتاريس، والطائرات السمتية تقصف الاحياء في الشمال والجنوب..

وضلت الحرب تتناسخ في بلادنا لزمن طويل، فلم تترك الاّ حياة جافة وقاسية ومليئة بالتشوهات والعاهات المستديمة، لقد استنزفت تفكيرنا وذهبت بارواحنا على الاغلب الى الهدم والتخريب، ولم تمنحنا الفرصة حتى لنتأمل وجوهنا في المرآة..

وفي خضم هذا الاضطراب والسفر العراقي الدامي، وُلد جيلان.. جيل عاش وسط الحرائق وجيل اخر لم يرث سوى الرماد، فكانت الحصيلة ان صفرت الباخرة ونحن مازلنا نبحث عن شارع يفضي الى الميناء!..

ضياع حقيقي وعزلة قاسية، في بلد ارادوا له ان يتحول الى مجرد حجاب ولحية ومسبحة!، وراحوا يشحذون السكاكين ويبتكرون طرقا جديدة للموت، فانتقلنا من حرب المدافع والغازات السامة الى حرب السيارات الملغومة والعبوات اللاصقة وكاتم الصوت!..

يالها من محنة، تلك التي نطلق عليها سياسة، فالنفاق صار لباقة اجتماعية، والتزوير براعة وذكاء، وسرقة المال من بنوك الدولة حلال.. والموت يتجول بريئا حتى تثبت ادانته!!..

 

 

 

free web counter