مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 27/9/ 2010

 

لحظة.. إنتظرْ!

مزهر بن مدلول

أغمضتُ عيني كي لا أرى الزمن..
فأنا في كل الاحوال، قد بلغتُ السن التي إنتهتْ فيها حروبي..
شعورمراوغ يراود النفس، حين تتحسس اوجاع السنين، فتحاول ان تفلت منه لرغبة شديدة في تجديد خلاياك..
ولكن الى أين، وكل خطوة تقودك للأنفجار؟.. من أيّ بوابة حرب يمكنك الخروج، وعلى أيّ شاطئ احمق ستخلع ثيابك؟؟..
بالتأكيد لامنفذ للهروب من لحظة كهذه، إلاّ ان تنكأ الجرح، وتقف على أطرافه النازفة، تتأمل عمق الهاوية بعينين خائفتين..
فقد مرتْ سنوات كثيرة، وتشابكتْ أزمنة كثيرة، وأنت تكافح من اجل أن ترى إبتسامة على شفتين أحببتهما.. إبتسامة، لاتأتي من طُرفة دامية.. ولا من مكان تُطحن فيه الافكار والمشاعر..
بل اريدها أن تأتي من منابع الحزن، ومن حقول الأحلام والنشوة المكتومة..
أحلام طيور الهور، ورملة زامل سعيد فتاح، والريل وحمد، ورد للناصرية إردود مخنوك بألف عبرة..
أحلام لو أنها تحققت ستفسد.. لاشك في ذلك إنها ستفسد.. وأنت حتما ستسقط قتيلا بطعنة خنجر مسموم، أو رصاصة طاغية، في قلب ( البلبل الاندلسي) قبل ان تتاح لك فرصة سماع أغاني الغجر..
ماريانا تطرز علم الثوار
اذا قتلوني
سيجئ حبيبي ليموت الى جانبي
فهذا هو ماقاله لي ذات مساء
وهو يغمر شعري بقبلاته
لذلك حرص آلهة الفاسدين على جعلنا نحلم فقط، نحلم دون طائل، ودون ان نعلن عن أحلامنا، خوفا علينا من أوهام العبقرية والخروج عن المألوف!..
إذن عليك أن تجلس الى مائدة أحلامك، التي لايمكن أن تتحقق.. اترك رأسك يتدلى من جسدك كما لو كنت مخنوقاً..
إتركهُ يحلم، فأنت مجرد رجل طائش.. أنت فنان تصنع التماثيل.. أنت سامسا الصرصار، بائس ونصف مجنون!..
أنت المشرد الأُميّ الخباز كانوفالوف، الذي أقصتهُ الهواجس.. لقد غزتك الحيرة وسموم التخبط.. فأنت سئ الحظ، كما قال عنك بالضبط مكسيم غوركي..
عدْ الى إضطرابات لياليك الغامضة.. الى خرائب بابل وكلكامش وأور.. عد أيها المغامر الى القوقعة..
لاتحاول ان تصرخ، فثمة من يعثر على صوتك.. لاتغني، فقد فرضوا حظرا على حنجرتك.. لاتصمت، فأنّ صمتك له دويٌ يعلو على اي ضجيج..
فعدْ الى الكهوف الغائرة وسفوح الجبال العريضة.. الى الحقول البهية والشموس المتفتحة..
عدْ الى ليزا!..
ليزا؟!..
ليزا تحت المطر مبللة الثياب..
امرأة وردية.. تدفقتْ في لحظة خاطفة.. في لحظة كاذبة وساخطة.. دخلتْ دون ان تطرق الباب.. تدلتْ مثل نيزك جميل في ليل طويل.. فأنهمر ضوئها مرة واحدة، وأقامتْ طقساً جنونياً في غرفتي..
ليزا من عزلة وشهوة.. جاءت من قازان هاربة من ايفان الرهيب.. جاء بها الجميل محروم القلب، إيفان تورجنيف في ( ذات مساء).. فولجتْ قلبي وسكنتْ في إحدى ضواحيه..
سرقوها في النهار.. كسروا التماثيل.. حطموا النصب التذكاري الذي شيدتهُ لها في رأسي..
لذلك اطلقتُ ذقني، وقررتُ الانتحار..
سأرمي بنفسي من مئذنة شاهقة، كي تقرع أجراس ارنست همنغواي، وتستقبلني فرجينيا وولف في (غرفة تخص صاحبها)..
إكتسى وجهي بالشرود والقلق في لحظة الأمتحان..
إحساسٌ خفي بأنّ ليزا إستيقظتْ في ليل ندي.. لامستني أنفاسها.. روحها تفور بالغناء.. غزالةٌ تتقافزُ أمامي..
قالت انت حبيبي..
وعلى صدرك خريطة الوطن....
فغمرتني السعادة
وأجلتُ الانتحار...............!



 

Counters