مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الخميس 26/1/ 2012

 

حين تركتكِ بعيدة!

مزهر بن مدلول

ليس بسبب انانيتي، اخترتُ الطريق الذي لا يفضي اليكِ،
وإنما كنتُ آنذاك، لا أراكِ بعينين مغسولتين، وكانت الفكرةُ التي لها قلب طفل، تتمثلني، وتستوعبُ هواجسي، وتغريني بأكتمالِ وجودي، فخرجتُ طواعيةً اشاركُ الجوقةِ في بناءِ برجَ بابل!، وكما ترين، لا صعدنا الى السماء ولا السماء نزلتْ!.
ولكن، ورغم انّ مياهً كثيرة جرتْ تحت الجسر، وانّ السنين تولدُ وتموت، والذاكرة خالية الاّ من بعض الكوابيس، ورغم اني فقدتُّ رغبتي في الدوران وضاع مني الملاذ الأليف، فمازلتُ اتعثرُ بحضوركِ الفاتن، واتظللُ بالشفق الباهر الذي يطلُّ من وجهك، يتسللُ من بين اصابعي كفضاءٍ باذخٍ بالرسمِ والشعر.
لهذا السبب، عدتُّ من غيبتي لأرمم الفداحة!، وأقتفي أثرَ خطواتِ القدر الضائعة في ضباب الماضي الكثيف، فلا تستغربي من هذه السخرية المشحونة بالمرارة والاندهاش!،
ولاتلوميني اذا كانت كلماتي نتيجة لعنف الصدمات المتلاحقة تفوحُ منها رائحة العرق والتعب!.
وانتِ تعلمين..
بأني جئتُ من الارض التي فيها تعلمتُ، كيف اخرجُ الخبزَ من تحت ترابها،
جئتُ من ارض الأبدية الغائصة في الزمان، والعبقة في العلم والجهل والجهاد!،
من الارضِ التي مازالت تنتج الاساطير، وتجوعُ فيها العصافير، ويظمأُ في صحرائها الشعراء، وفيها بشرٌ لا يأكلون كلما جاعوا، بينما الاخرون يجلسون في مكاتبهم ويخططون لتعاستي!.
لذلك ذهبتُ اطارد الحلم المذبوح، فكانت التجربة ثرية وجديرة بالرصد،
تجربةٌ داعرة بقدر مافيها من شرف!،
والموتُ يمعنُ بالموت،
وانا اقفُ على جرفهِ، متشظي الرؤيةِ والحواس، بينما القنابل الذكية تبدد عتمة الليل...
برقَ فجأة في ذهني بئرُ قريتنا، ذلك البئر العميق والملئ بالضفادع وشتى الكائنات البشعة، وفيه اتقنتُ الغطسَ والعوم، فأنجبَ رأسي الفكرة:
ترى هل استطيع!؟،
هل استطيع!؟؟؟؟؟، وغصتُ داخل علامة الاستفهام!،
تأملتُ دجلة،
استعطفتهُ الانتظار، لوّحتُ لموجاتهِ باصابعي،
اقسمتُ عليهِ بأبن العبدِ، وابنِ تيمية، وابنِ خلدون وكل الابناء الذين ابتكروا من وحشة الربع الخالي واحةً للحبِّ والجمال!،
اقسمتُ عليهِ بالخيمةِ القيسيةِ! وقهوتها، ان يتذكر سلالتهُ، وان يحمل معه رسائلي واحلامي الخضراء قبل ان تلتهمها النيران،
اما نحن، فكنا نزحفُ فوق بعضنا، في تشكيلٍ دراميٍّ عجيب، استأثرَ بكلِّ مافي الوجوه من ملامح الحيرة والتوتر،
طوقتنا العصابات المدربة واغلقتْ المنافذ، فضاقَ المكان ولم يبقى امامنا الاّ العبور اوالموت،
خلعتُ ثيابي.. شمّرتُ عن ارادتي.. فتلتُ عضلاتي.. اعومُ بيد واحدة وادفعُ الزورق الذي امتلأ بالثوار بيدي الاخرى،
اعومُ وادفع، اعومُ واغني!،
والرصاصُ يتعقبني.. الكونُ كلهُ يرعد، والأملُ يتداعى..
تقطعتْ انفاسي، كنتُ الهث، علقتُ بمكيدة، ورأيتُ حوتا يريدُ ان يبتلعني!،
على الجرفِ، فقدَ قلبي حكمتهُ، وحين افقتُ من غيبوبتي، وجدتني وحيدا مع الليلِ ودجلةٍ والقذائف، بينما عيناكِ يحتلان مساحة اللوحة كلها!!. 

 
 

 

 

 

 

 

 


 

 

free web counter