مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                    الجمعة 23/11/ 2012

 

الدليل، تجربة ومعاناة!
(4)

مزهر بن مدلول

من أجل أن لاتنكسر المطرقة ولايُثلم المنجل!، قدّم الكثير من الشجعان وعلى مرّ المراحل سنوات عمرهم وارواحهم في هذا السبيل، كانت قلوبهم كقلب (غيفارا) (معلقة كالبندول بين حبيباتهم ونداء الفقراء)!،

لقد ادمنوا، وافرطوا في الادمان، وهم يبحثون عن عقار مضاد (لجنون البقر  -البعث- )، ذلك المرض الخبيث الذي فتك بنا جميعا وحوّل البلاد الى مجرد شهادة وفاة، وراية ممزقة، ونشيد لاصدى له!.

وايضا!!، ومن اجل ان لاتُخنق الافكار، ولاتتمزق النصوص، ولاتتشوه المقدسات، جمعنا الكثير من العصي، ونزلنا ضربا على رأس (كولن ولسن) حتى انفطرتْ جمجمة (اللامنتمي) ومات!.. قتلناه، دون ان ندري بأننا قتلنا (امرأة جميلة ومن معدن نادر اسمها - حرية -)!. 

في ناحية (النصر) التابعة لقضاء (الشطرة) عشتُ سنتين او اكثر بقليل، لقد اصرّتْ (امي) على ان اكون معها و(اخي الكبير) الذي للتو حصل على امر اداري بتعيينه في مديرية الاحوال المدنية في الناحية.

وفي هذه المدينة الصغيرة التي يعرف اهلها بعضهم بعضا، تكونت لنا علاقات واسعة وحميمية، كان ابرزها مع عائلة نائب مدير الناحية الرجل المتمرد (صبري العتابي)، وطبيب المستوصف الوحيد الدكتور (امين عريبي)، ومدير اسالة الماء القادم من سوق الشيوخ (ناصر السنيد)، والشخصية المعروفة (عزيز السيد جاسم)، وغيرهم الكثير.

تولى (عبد العزيز مدلول) مسؤولية المنظمة الحزبية في المدينة، ورغم ان الشرطة السرية لاتحتاج الى جهد للتعرف عليه لأنه خرج توا من المعتقل في مديرية امن الناصرية ومصنف في اللائحة السوداء للأجهزة الأمنية، لكن عمل المنظمة كان محاطا بسرية تكاد تكون تامة بحيث لم يكُ احد يعلم بأنّ الدكتور (امين عريبي) هو سكرتير الحزب بالمحافظة وكانوا يأخذون منه تبرعا شهريا كصديق!.

وبسبب النشاط الحيوي والعمل الدؤوب بين الشرائح الاجتماعية المختلفة وخاصة الشباب، راح الجهاز الأمني بالمقابل يزيد من حركته وينشر جواسيسه في كل مكان حتى صار مثل حشرة عملاقة بأقدام عديدة!، واصبح الناس كثيرا مايلتفتون الى الوراء!.

وفي احد الايام (لا استطيع ان انسى ذلك المنظر المؤلم)، عندما عدتُّ الى البيت قبل غروب الشمس، وجدتُّ (أمي)  راكعة على ركبتيها في الباحة خارج البيت، كانت تحفر الارض بأضافرها، وتنثر التراب على رأسها، كانت تنوح (يالولد يبني)!!، صرختْ بوجهي ناحبة: (روح دوِّر على اخوك)!.

يا الهي.. (وين ادوِّر)!؟.. وهؤلاء اصحاب الآذان الطويلة! منذ ان وصلوا الى السلطة وهم يحملون برنامجا لآخرتنا ولم تخطر ببالهم دنيانا،

(وين ادوِّر)!.. ولكلّ واحد منهم أنياب مكشرة، وعلى رأسه يضع ريشة طاووس كأنه سلطان زمانه،

لقد بلغتُ حدا من الحيرة لا تضاهيها حيرة، وتمنيت لو كانت لي القدرة في ان اضع هؤلاء امام المرآة لكي يروا كم هي قبيحة وجوههم!.

اعتقلوا.. عبد العزيز، وعماد علي الصاحي، واحمد طاهر، والمسرحي طالب خيون واخرين، واخذوهم جميعا الى مديرية امن (الرفاعي)، وبعد يومين من جولات التعذيب نقلوهم الى امن الناصرية،

أمّا أنا فلم اترك بابا في مدينة النصر الاّ وطرقته ولكنّ صراخي كان بلا صوت، فأخذت امي وخرجنا من البيت لكي نعود الى الناصرية، وعندما عبرنا الجسر الصغير الذي يربط ضفتي المدينة ووقفنا في الكراج امام المقهى الوحيدة بانتظار السيارة، فوجئنا بالدراجات النارية (الماطورات) تطوقنا من كل الجهات، وكانت بنادق البعثيين مصوبة الى صدرينا!،  دون ان نعرف اي شيء عما يجري الاّ انّ راديو المقهى كان يعزف المارشات كما لو انّ البلاد ذاهبة الى الحرب!،

بعد قليل من ذلك المشهد المخيف، أُذيع بيان إنتصارهم على المتآمر عليهم (ناظم كَزار)!، ففتحوا دائرة الحصار وسمحوا لنا بركوب الحافلة.

عندما وصلت امام مبنى المحافظة في الناصرية، رأيتُ (خالتي) تحمل على راسها (صينية كباب)، وسمعتُ أنّاتاً، ورأيتُ امهاتا وآبائا، كلهم يبحثون عن العنوان (الدليل) الذي يقودهم الى الاطمئنان على سلامة ابنائهم!.  

 

 

 

 

 

 

 

free web counter