مزهر بن مدلول
الثلاثاء 20/4/ 2010
فلِمَ لا نغرق..!؟
مزهر بن مدلول
هذه الجمجمة ..
في داخلها مصنع للمعرفة ، وفيها لسان يستطيع ان يغني .. من بين ثقوبها تنساب الموسيقى الخفية ، الالحان التي تكسر انياب الالم ، وتتالق جميلة صادحة ، كانها جزءا من الطبيعة ، فتقودنا الى النبع الذي نرتوي منه ، لكي نتحرر من فزع الاحساس المفرط بالشلل ..
تلك هي زهرة (بتهوفن) ، التي تنثر العطر وتشرب العذاب .. فرغم ماتعرض له هذا العبقري من عذاب ، لكن موسيقاه تبقى خالدة وتمنحنا الدفء والعاطفة .
هذه الجمجمة ..
قلق عظيم من اجل انتصار الفكرة ..
كان سقراط نجم اثينا اللامع ، رغم فقره وبساطة عيشه ، لكنه يرفض اللحظة السطحية في حياته ، فاستطاع ان يصنع الهة جديدة ، تستظل بحنانها النفوس البشرية كلما ارهقتها المتاعب ..
فقال في قاعة المحكمة وهو يدافع عن تميزه ..
انا جندي قديم ، ورجل طاهر الذيل ، شريف العيش وقد جعلت رسالتي هي محو الجهل الشائع في اثينا ، وجعلت هدفي هو خير الناس ، واني احاول دائما ان اجعل من حياتي بركة على ابناء اثينا ، ولو أُعفيت من الموت ، فانني ساظل اجاهد في نفس الطريق ، اما الذي يتهمني ، فما هو الا رجل غبي متكبر لايعرف الحقيقة ..
برهن سقراط على اخضرار عقله ، واعطى الدليل الدامغ لكي يشرب السم ويموت .
في هذه الجمجمة ..
ساحة للقتال العنيف ، قتال بين الانسان والاكثر من انسان ، بين الماضي والمستقبل ، بين المجتمع والانسانية ..
منها تعلمنا ان الالم خطوة نحو السعادة ، وان الفشل خطوة نحو النجاح ، وان الحياة تشبه الحبيبة المعشوقة ، كل شئ فيها جميل ، وفيها الناس كائنات جميلة ، وان الانسان هو الاقرب الى القلب ..
انه العظيم المشرد (تولستوي) الذي قال عنه غوركي (قد نجا بفضل صوفيا من رفسات الحمير) .
في هذه الجمجة ..
جسد رشيق وناعم .. متحرر ، لايخضع لمفهوم الخطيئة .. جسد ، يشبه غصنا طريا في شجرة صفصاف ، تنبض عروقه بعشق الحياة ، يتكلم بلغة يفهمها الجميع ، تعبر عن اعمق المشاعر الانسانية واجملها ، هي عاطفة الحب ومقاومة الكراهية ..
ذلك الجسد ، له لون السماء وحنان الالهة ، هو الجسد العبقري ل (جالينا اولانوفا) ..
فيحررنا شكسبير من اللغة المرتعشة الحزينة ، ويتركنا بعد موته ، ندورفي بهجة واشواق ومخاوف (روميو وجوليت) ..
وفي هذه الجمجمة العراقية ..
نبتتْ نخلة (سليمة الخبازة) في حي المربعة ، والجيران من الفقراء والمكافحين ، الذين يفيضون بالصدق العفوي والحلم من اجل التغيير ..
فنبحر في سفينة غائب طعمة فرمان نحو (زقاق المدق) باتجاه (الرجع البعيد) ..
هؤلاء ، وغيرهم الكثير من العمالقة ، حفروا لنا بئرا عميقا ، ينبع منه البوح البديع ، وفتحوا لنا دروبا للفرح والسعادة ، قبل ان يغرقوا في بحر المعرفة ..
فما اجمل هذا الغرق ، وما اجمل الغرقى ..
فلِمَ لا نغرق .!