مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الخميس 1/3/ 2012

 

من أجل مشروع ثقافي تنموي

مزهر بن مدلول

ان الصراعات التي يشهدها العراق اليوم، والتي تتمحور حول تقاسم السلطة والثروة على حساب مصلحة المواطن الذي تحاصره آلة الموت، تقتضي من المثقفين والباحثين الوطنيين المزيد من الجرأة في التأشير على العطب الذي وصلت إليه الحركة الثقافية بكل تجلياتها ومؤسساتها في بلادنا.

فالانحطاط الاخلاقي الذي خلفته الحروب في حياة المجتمع، والتدمير النفسي الذي لحق بالمواطن جراء عقود طويلة من القمع والتنكيل والحصار الظالم، يستدعي وقفة جدية من المهتمين بالشأن الثقافي العراقي.

ومن اجل ارساء الاسس لمشروع ثقافي وطني تنموي يلبي حاجات الانسان المادية والروحية، ويكون جوهره العيش المشترك والتقارب بين الالوان الثقافية وترسيخ مفاهيم السلام واستعادة الهوية وتوفير الرخاء للمواطن العراقي، لابد من تلك الوقفة المتأملة لهذا الانحدار المريع الذي تدحرجنا اليه.

واذا كان الاصطياد وسط العتمة أمر غاية في الصعوبة، فأن اولئك الذين يحترفون البحث والتفكير عليهم أن يعثروا على بارقة الوضوح، حيث ان بلاد مابين النهرين  ثرية بموروثها الثقافي والعلمي والمعرفي، وهذا الموروث الغني بحاجة لمن يمسح عنه الغبار الذي تراكم عليه بسبب تعسف الحكومات المتعاقبة واهمالها لأهم مرفق من مرافق الحياة الضرورية للمجتمع، الا وهو الجانب الثقافي.

ومن اجل تحريك مياه الثقافة الساكنة، تقع على عاتق المثقف وجميع العاملين في حقل الثقافة، ان ينقلوا هذه القضية الهامة الى قلب النقاش السياسي والمجتمعي، باعتبارها رافعة من روافع التنمية البشرية والمكان الذي تنطلق منه قيم الحداثة ومبادئ الحوار والايمان بالتعدد والاختلاف،

وبالتالي نستطيع ان نخلق فضاءا واسعا نتخلص بواسطته من ثقافة صناعة الرمز والطريق الأوحد وغسل الادمغة.

وبالاضافة الى ذلك، فأن على الجمعيات الثقافية والنوادي الاخرى الناشطة في هذا الميدان، ان توحد جهودها لكي تصبح شريكا حقيقيا وحيويا في بلورة الاسس التي يقف عليها هذا المشروع الكبير الذي نتحدث عنه، باعتباره مشروعا حضاريا يحمل في داخله التناغم والتلاقح بين الثقافات المتعددة، وبعيدا عن التهميش والاقصاء وفرض تسييس الثقافة.

ورغم ان المهمة تحتاج الى توفير آليات مؤسساتية كبيرة ولها نفوذ في اتخاذ القرارات على صعيد الحكومة والدولة، وهذا من صميم واجبات وزارة الثقافة، لكن ذلك لايمنع من رفع الصوت الثقافي ليواجه كل مايعيق العملية الابداعية التي بدأت بالظهور بعد سقوط نظام البعث الذي لعب دورا رئيسيا في استبدال الثقافة الحقيقية والانسانية الى ثقافة (كل شيء من اجل المعركة).

فالثقافة كما هو معروف، هي تعبير صادق عن الانتماء الى حضارة تميزت في انها ليس من انتاج جنس واحد من البشر، وانما هي انجاز مشترك لشعوب عديدة قطنت في بلاد الرافدين واشتركت في صناعتها، فخرجت منها ثقافة متنوعة وشاملة احتوت على جميع عناصر ضيائها في العقل والروح،

وانطلاقا من هذا المفهوم، تأتي اهمية السعي المتواصل لاستعادة ثقافتنا الى السياق المستنير واخراجها من دوامة المتناقضات، وذلك في البحث عن القاسم الانساني المشترك  بينها، وجعله المحرك الاساسي والرئيسي في مخاطبة قيم الحرية والكرامة وسعادة الانسان،

ورغم خصوصية الثقافة لكل شعب او لكل جماعة تشترك بعلاقة مع المكان والمناخ والتراث والتاريخ والحاضر والمستقبل، إلاّ ان الدعوة الى مشروع ثقافي وطني يجب ان لاتكون محصورة في نمطية احادية، لان ذلك سيجعلها ثقافة معزولة وغير قادرة على الاستمرار ولاتستطيع التفاعل مع واقع اليوم الذي تفرضه مرحلة معرفية وثقافية جديدة اخذت تتغلغل في العلاقات البشرية،

فمما لاشك فيه، بأن البشرية عامة انتجت ثقافات في حقول كثيرة لها اهمية قصوى في حياة الشعوب ولايمكن لأي انسان الاستغناء عنها، وفتحت تكنلوجيا المعرفة افاقا واسعة في طريقة التعامل مع الاخر، واتاحت لنا فرص كثيرة للتعرف على الثقافات الاخرى التي اشتبكت رموزها برموز ثقافتنا المحلية،

ولكن ذلك لايعني بأننا غير قادرين على الحماية، وخاصة امام زيف العولمة الراسمالية ومحاولاتها الهيمنة على ثروات البلدان الفقيرة، طالما اننا نمتلك هذا الكم الهائل وعبر تاريخ طويل من الانتاج المعرفي والعلمي والابداعي، وطالما اننا اجدنا استخدام هذا الموروث المهم في تنمية وتطورمجتمعنا، فهذا هو سلاحنا الذي نشهره بوجه الاستغلال وامتهان الكرامة، وهنا لابد من ان نتذكر القول الشهير لغاندي، (إنني أسمح لكل الرياح أن تهب علي، لكني لا أسمح لها أن تقتلعني من جذوري).


 

 

free web counter