مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الأحد 19/2/ 2012

 

إبتسمْ، أنتَ في الناصرية!!

مزهر بن مدلول

وجدتُ اهلها يتهكمون!!:

بأنّ جون شتاينبك احرق قانا اللبنانية ( بعناقيد الغضب )، وجيوش ( رامبو وبودلير ) الفرنسيين طردتا الصرب من ( كوسوفو )، اما القذافي فقد مات في ( فجر الاوديسة )!!،  

ولكن في هذه الارض، ارضنا العجيبة، ارض الديانات والانبياء والاولياء والاطباء والصالحين، فنحن نقطع رؤوس بعضنا بصيحات ( الله اكبر! )، وحصان طروادة يسحل جثثنا وكأننا نعيش في الفصل الاخير من (الياذة هوميروس)!!،

ويقولون ايضا، هازئين!:

لقد فاضتْ الصحراء على الشوارع، وشمس ( النهايات ) لعبد الرحمن منيف، اكلتْ تراب البساتين، ولهذا السبب تبخر الفرات من فرط الفجيعة ، بينما السماء خرساء لا تسمع السياب وهو يستغيث ( مطر مطر مطر )!،

هذه هي مدينة الماء والمعدان،

مدينة المليون عريف والشجرة الخبيثة!،

مدينة الحب والطرب والسياسة، ومدينة الحرية كما اطلق عليها ( حنا مينة )،

اما انا، فأشبهها بالبقرة الحلوب، التي كلما اقتربتَ منها وكلما اعطيتها، كلما درّتْ وانفجر ثدييها غناءا وشعرا وسحرا، ليشربهُ اولئك الذين يملكون ما يكفي من الوقاحة والبلادة والذين يكرهون النجاح والمواهب والكفاءات،

تلك هي مدينة الاسرار والاهوار، المسلسل التلفزيوني الطويل، الذي مازال أبطالهُ يلبسون الاحذية المطاطية، ويرقصون ( الجوبي ) على انغام ( المطبكَ والماصول ) المصنوعين من القصب، رغم أنّ اصواتهم بحّتْ وهم يطالبون باسقاط الفساد،

تلك هي الناصرية، وذلك هو لغزها السومري، حالة مستمرة من ألم الكينونة المدهش، الذي يغوص في اعماق الحكايات مرةً، ومرةً يظهر منقوشا في دفتر التخيل والذكريات، فيمنحها عنوانا براقا لصفحة مضيئة من عمرها الاسطوري وتاريخها الكوميدي المرير،

وصلتُ الى عروسة الفرات قبل الظلام،

دخلتُ الى المكان الأليف والاحاسيس الاولى،

جئتُ الى تلك الجديرة بالعطور، واللائقة لثوبٍ مطرزٍ بالزهور،

وكنتُ احمل معي لهفة اللقاء، وانفاسا امتلأتْ برائحة خبز التنور و( الشعواط  ) واراجيح الطفولة التي اقسمتُ ان لا انساها ابدا،

وصلتُ، وفي رأسي وهما كبيرا في ان اجدها : فتاة جميلة ومدللة مثل ( ليزا )، ( تحتضنُ انساروف وتسكتهُ بشفتيها )، وتقول له :

( يا حبيبي انا معك الى الأبد! فأنتَ حبي ووطني واسرتي )، وتنام مطمئنة في حضن فارس الاحلام الذي انتظرته طويلا!،  

لكني ( كمن ضيع في الاوهام عمره )، فليزا امرأة عاهرة! وانساروف ذهب الى القتال، والمدينة تقف حائرة امام الهواء الملوث بالذباب، ، والحريق الكبير القادم من الكوكب الاسود لم يترك سوى حفنة من الرماد،

حين دخلتُ الى شارع الحبوبي، أستقبلتني نسائم الازقة بالضحك والهلاهل وهي تردد ( آه ياعكَد الهوا اشكَد داستْ عليك اجدام ترفه )، فأستدعتْ هذه الصورة المشاعر والذكريات الدفينة، وراحت دقات قلبي تبحثُ عنها في كل التخوم والزوايا ومسالك العبور،

لكنّ هذه الصورة التي تتجول دائما في فضاءات القلوب والتي تفردتْ بها الناصرية في سنوات سومريتها، لم اعثر عليها الاّ في قصائد عبد العظيم فنجان!،

ومع ذلك، فأني لم اتراجع عن اشباع شغفي في المزيد من التنقيب ، فطفتُ في جميع الأمكنة الرمزية التي تركتْ تأثيرها الفطري في الوجدان،

وهناك رأيتُ الأنوثة الموؤدة، والأصيص الخالي من الزهور، والسدرة بلا جذور، و( مشحوف ) كان متشظيا وغارقا في الوحل، وادهشني أني قرأتُ على صفحته حروفا اكلها الملح تقول : إبتسمْ، أنتَ في الناصرية!!.

 

 

 

free web counter