مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الجمعة 18/5/ 2012

 

حرائق وفاء الربيعي الصامتة!

مزهر بن مدلول

عبر حواسها يمرُّ العالم.. العالم المؤقت والعالم الزائل!، يمرُّ بكل مهاميز الوجع وغصّات الحزن الذي يلكز الجرح، فتهبُّ رائحة احتراق الحروف ويتصاعد منها دخان ابيض يفتح طريق التيه.. والتيه كان في هذيان العواطف التي لا تتوقف الا في محطة الشعر والغناء..

تحملنا ريح

نسقط زخات مطر

عند تلك البوابة

من تلك البوابة يخرج عالم الشاعرة الفردوسي، وكأنه يخرج من تجاويف زنبقة محترقة، ويحلق عاليا في فضاء الحلم، ثم ينهمر بتلقائية مبهرة صورا شعرية مجردة من تكاليف الاحتيال الذهني والتأمل القسري لتوليدها..

وبعينين مرهقتين وناشفتين، تسقي بساتين عالم جميل افتراضي، فتجعل فؤادها ينبض بين الكلمات، كأنها تزرعهُ في حقل القصيدة ليزهر.. تهرولُ نحو الفجر.. علّها تلحق به.. لكنه يهرب منها..

انثيالٌ عفوي لاشعوري لأصابع ترتجف، يعبّر عن شخصية جوّانيّة للشاعرة وفاء الربيعي، هذه الشخصية التي توحي بالخريف حيث تتساقط الاوراق مثلما هو العمر، بينما الشجرة مازالت هناك على الهضبة بانتظار ان يدثرها ثلج الشتاء القادم..

ثلاثون قصيدة في ديوان (حرائق لحروفي الصامتة) يتعانق فيها قلق الغياب مع لحظة الحضور، اختارتها الشاعرة ان تكون مكانا بديلا تسكن في داخله او ان يكون الشعر هو منفاها الحقيقي بعيدا عن الجغرافية، وجعلت لكل قصيدة فماً ينطق بالبوح البرئ الذي اهمله العاشق على الشاطئ!، فحملت الغربة نعشا وعادت تنضّد الامنيات في الظلام وذاكرة النهر..

لن ابحر اليك

دون بوصلة...

بحرك عميق

اخشى ان اقف على ساحله

ويبدو ان الشاعرة لا تريد الاستراحة من الاعباء الثقيلة التي تحملها في قلب رقيق، انها تتفيأ في ظلال قسوة الكلمات وتنتظر الامواج تجرفها الى داخلها الانساني الذي راهنت عليه كثيرا، لكنها في كل مرة تخسر الرهان..

اسمع قهقهة

تسخر مني

وانا واقفة على مفترق

المحطات انهكتني

والتواريخ

اراهن كل مرة، انها الاخيرة..

وفي كل مرة اخسر الرهان

ورغم ان كلماتها مبللة بمطر الحنين الى ارجوحة الصبا المفقودة، الاّ ان في قصائدها تظهر لذعة المغامرة شاحبة، فهي لا تريد ان تطيل النظر في عمق الهاوية، لكي لا تبصر المزيد من الضحايا، ولذلك تراها كلما فتحت جرحا، كلما حاولت اعادة ترميمه دون استجابة لصوت التمرد في روحها، لانها مستسلمة تماما للشيء الذي لا ترغب فيه، وتبقى تطارده في كل الازمنة، وكأنّ عدوها داخل مرآتها ولا تستطيع الهروب منه..

 

 

 

 

 

free web counter