مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

                                                                                    الأربعاء 15/8/ 2012

 

الشرارة الأولى!

مزهر بن مدلول

هناك احداث ربما لا تخطر على البال، لكنها اصبحت نقاط تحول مهمة في حياة الانسان الخاصة او في مسار التاريخ السياسي والانساني عامة..

ففي قصة (كارل وآنا) يعود البطل ريتشارد من الأسر بعد ان توقفت الحرب، وكان رأسه مليء بالاحلام السعيدة حيث سيرتمي في احضان! حبيبته التي فارقها لمدة اربعة سنوات، لكنه ما ان وصل الى بيته حتى اكتشف المأساة كلها!، فأنّ زوجته تركته وتزوجت احد اصدقاءه، مما ادى الى ان تتحول حياته الى جحيم يحترق فيه كل يوم.

وفي مسرحية هاملت لشكسبير، تكتشف اوفيليا العذراء! البريئة ان حبيبها هاملت هو الذي قتل والدها، فاضطربت افكارها وتشوهت عواطفها ووقعت ضحية جنون حقيقي ادى بها الى الانتحار غرقا.

اما في الاسطورة المعروفة، فأن الملك أوديب يعاقب نفسه بأطفاء نور عينيه عندما يعلم بأن الملكة التي تزوجها هي أمه، وهناك العديد من الامثلة التي تركها لنا الادب الانساني والتي تعكس المعنى الحقيقي لسلوك الانسان عندما يشعر بالعار من خلال موقف معين، وهذه النماذج واجهتنا وسوف تبقى تواجهنا في الحياة الواقعية طالما على الارض بشر يتمتعون بنقاء الضمير.

هذا كان على صعيد الافراد، اما على الصعيد الاخر من الاحداث التي غيرت وجه العالم، فأن الثورة الفرنسية التي حدثت في عام 1789 ووضعت حدا لخمسمائة عام من الحكم الملكي، انطلقت بسبب مهاجمة مجموعة من الشبان لسجن فارغ في احدى ضواحي باريس.

وفي الولايات المتحدة الامريكية وبسبب امرأة زنجية طُلب منها ان تنتقل الى مؤخرة الحافلة، ولدت الحقوق المدنية هناك.

وفي منطقتنا العربية امتد الحريق الذي اشتعل في جسد الشاب بو عزيزي الى كل مكان فيها، فاحرق الطغاة وبيوتهم ومازالت النار مشتعلة الى الان، وهناك الكثير من الاحداث التي لا يمكن حصرها والتي ساهمت بشكل مباشر في قلب حياة الاشخاص او في تغيير مجرى التاريخ في العالم.

اما في بلادنا فالامر يختلف، حيث الاحداث مهمة ومتراكمة وتمس حياة جميع العراقيين، ومع ذلك فأنّ التصدي لها لم يكن بمستوى ما تركته وما سوف تتركه من خراب، وخاصة تلك التي نطلق عليها (السياسة الطائفية).

فقد قالوا في السياسة الطائفية اكثر مما قال الامام مالك في الخمر!، فما يمرُّ يوم الاّ ونجد عشرات المقالات في الصحافة الورقية والالكترونية التي تتناول هذه المشكلة التي يحاول اصحاب (الحلِّ والعقد) في العراق تكريسها، ليس فقط في المؤسسات الرسمية وانما في حياة الناس والمجتمع. ونتيجة لادراك المثقفين الوطنيين لمخاطر هذه السياسة التي باتت تهدد وحدة البلاد ومستقبله وامنه، فقد اطلقوا العنان لاقلامهم احتجاجا واستنكارا وتحذيرا!، ولكن لا حياة لمن تنادي! فالسلاطين اخرجوا كلّ السكاكين لتقطيع وتقسيم جسد البقرة المدرارة!، اما المواطن المحروم من ابسط مقومات العيش فلا حيلة لوعيه في التفريق بين الابتسامة الخبيثة المتملقة وتكشيرة الاسنان!. وهذا ما يريده المتنفذون من الرعية الا وهو الاستسلام لمشيئة اقوى من العقل الانساني ولقناعة اكثر دفً من رغيف الخبز.

من هنا بات من الضروري انتقال المثقفين الوطنيين وجميع الناس الذين يؤمنون بمشروع الدولة المدنية وكل المخلصين الذين يفضلون الموت على قلب المعاطف! الى مرحلة اتخاذ الخطوة العملية، وهي (مرحلة الحرب المفتوحة) على اتجاه العملية السياسية الطائفي والاثني وتغييره الى الاتجاه الوطني الذي يضمن وحدة المجتمع وكرامة المواطن ويصون الوطن من التقسيم والضياع.

واذا كان المواطن اليوم مسلوب الارادة بسبب التضليل والديماغوجية التي يمارسها الاقوياء، فانه سيعي في يوم ما مسؤوليته ازاء ما يجري له من ظلم وتهميش، وينبغي لنا ان نؤمن ونتيجة للحيف المتراكم، بأنّ لحظة انطلاق الشرارة الاولى قادمة حتما ولنا في تجارب العالم التي ذكرناها ما يغني تفكيرنا وتحركنا.
 

free web counter