نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

 

 

 

 

الأربعاء 8/3/ 2006

 

 

 

الفروقات في استقلالية سلطة القضاء بين عهدين

 

مصطفى محمد غريب

يقال : ان الانسان السوي يتعلم اهمية العدالة وتطبيقها تدريجياً كما يتعلم من اكتساب المعارف والتجارب ان العدالة نسبية في ظل قوانين اللاعدالة الطبقية وعلى مر السنين توصل العقل الانساني الى مبادئ تكاد تكون مشتركة مع جميع البشر بضرورة تطبيق العدالة وفق مساواة نصت عليها القوانين الوضعية وحسب نوع الانظمة السياسية المختلفة، ولهذا نجد اهمية استقلالية سلطة القضاء وعدم التدخل في شؤونه لكي تطبق القوانين بشكلها الصحيح وليس المُحَرف القابل للتمويه والتحريف.. ومن هنا حَكَمْنا في العراق منذ نشوء الدولة بأن هذه الاستقلالية كانت دائماً تحت طائلة السلطة التنفيذية وحكامها الا فترات قصيرة نسبية ايضاً.. وعلى الرغم من الانتقادات والملاحظات التي قدمت حول محكمة الشعب بعد ثورة 14 تموز 1958 الا ان هذه المحكمة كانت مستقلة فعلياً عن السلطة التنفيذية، اما الفترات المظلمة بعد انقلاب 8 شباط المشؤوم وحتى سقوط النظام واحتلال العراق فان الاستقلالية كانت معدومة تقريبا وبخاصة في مجال المعارضة السياسية لتلك الانظمة.
من هذه المقدمة اتوخى العودة لمحاكمة صدام حسين والسبعة الذين معه بتهمة القتل الجماعي وتجريف البساتين في مدينة الدجيل المنكوبة هذه المحاكمة التي كتب عنها الكثير بين معترض ومؤيد ولن ادخل في التفاصيل لكن بالمقارنة فقط مع محكمة الثورة التي شكلها النظام الشمولي والتي كانت تحكم بالجملة اعداماً او لسنين طويلة وخلال ساعات قليلة، بدون شهود ولا محامين مستقلين ولا ادلة ثبوتية الا اللهم تلك التحقيقات المخابراتية والامنية واعترافات المتهمين المأخوذة قسراً وبواسطة التعذيب الجسدي والنفسي لهم والاعتماد على الريبة والشك ليس للوصول الى الحقيقة بل ادانة حتى البريء، وقد اذكر مثلاً لمحاكمة جرت معي شخصياً كنت فيها متهماً بتهم سياسية فحكمت بستة اشهر خلال دقائق بسبب هذه التهم الباطلة والملفقة وبدون شهود وادلة ومحامين مكلفين من قبل تلك المحكمة مع العلم انني انكرت تلك التهم واخبرت الحاكم بالاساليب اللانسانية التي اتبعت معي للحصول على اعترافات وهمية لا اساس لها.
اليوم نشهد محاكمة قَلّ مثيلها في المنطقة نجد فيها المتهمين لهم حرية الكلام والمناقشة والدفاع امام وسائل الاعلام المختلفة وامام مرأى الجميع ومعهم محامين ليسوا عراقيين فحسب بل من دول اخرى يدافعون عنهم ويشككون بالادلة والشهود ويتهمون المحكمة وطاقمها بتهم شتى وصولاً الى اعتبارهم غير شرعيين بحجة ان صدام حسين ونظامه واقطاب نظامه كانوا شرعيين والجميع يعلم انهم جاءوا الى السلطة مرتين بانقلابين عسكريين مدعومين من الخارج وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية، فكيف يمكن اعتبار الانقلاب العسكري او المحاكمة الصورية والاعدامات الفورية بالشرعية؟
يبدو ان ذلك موجود في قواميس السفاحين والانظمة الدكتاتورية فقط.
لقد قرأت الكثير عن سير محاكمات عالمية ومحلية، وفي برلين المانيا الديمقراطية سابقاً واثناء دراستي درست التجربة الالمانية في بناء الدولة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واطلعت عن كثب على محاكمة الزعيم الوطني البلغاري ديمتروف، كتابة وتقارير وافلاماً سينمائية حيّة، تلك المحاكمة التي حولها ديمتروف لصالح الفكر التقدمي الانساني وعرى بها العقلية الهمجية والفلسفة الفاشية التي سيطرت على المانيا، ولم يتوان ذلك الزعيم المعروف بشجاعته ومبدئيته ودفاعه عن القيم الحضارية والمبادئ الانسانية في صراعه على المهادنة ولم يجعل محاكمته كمسرحية كميدية كي يسيء الى شخصه ومن يمثلهم، بل العكس تماماً فقد اضطر النازيون الاعداء الى احترامه والاستماع اليه ولم يكتف ذلك الزعيم في الدفاع عن نفسه بل دافع عن الحزب الشيوعي الالماني حينذاك الذي اتهم بتفجير الرايستاغ " البرلمان " الالماني وحقق براءته امام العالم اجمع ، اقول تذكرني تلك المحكمة بمحاكمة صدام حسين والبعض من اقطاب نظامه فيما يخص ابناء مدينة الدجيل فقارنت بين تلك وهذه فكان واخيه كمهرجين في سيرك مضحك يضحك الآخرين بتصرفاتهما وحراكاتهما ، بين شخصية ديمتروف المتحدي بجعل قضاة المحكمة متهمين يدافعون انفسهم وبين شخصية صدام حسين ومحاولات تغطية الجرائم بالرئاسة الشرعية المزيفة، بين هجوم ديمتروف ضد النازية وفكرها العنصري ومن اجل الافكار التقدمية والديمقراطية وبين دفاع صدام حسين واخيه القرقوز عن جرائم ارتكبوها ضد العزل والابرياء ومدى خستها وعارها على مرتكبيها، مواقف الصمود امام اعتى طغاة ذلك العصر وقضاتهم من النازيين العنصرين المشبعين بالكراهية للعنصر البشري غير الآري ومن اجل تبيان الحقيقة وكشف الجناة الحقيقين، وبين المواقف القرقوزية المضحكة للتستر عن الجناة الحقيقيين وغمط الحقائق ومحاولة تشويه الاحداث وتكذيبها وهي ماثلة بشخوصها وادلتها المادية وأخيراًاعتراف صدام حسين بالمسؤولية عنها.
امام مجريات محاكمة صدام ومن معه ودفاعه ودفاعهم يراها المتتبع عبارة عن مأساة حاولوا من خلالها تسفيهها وتسفيه تلك التصفيات والاعدامات وتخريب الاراضي وتجريف البساتين، قتل الاطفال والاعتداء على النساء والشيوخ وتهجير العوائل للسكن في الصحراء بحجة محاولة الاغتيال.. الم يكن صدام حسين ضمن مجموعة اغتيال الشهيد عبد الكريم قاسم؟ وهل بهروبه اعتقلت حكومة عبد الكريم قاسم أمه صبحة وزوج امه وابنائها او اعمامه واولادهم أو خاله خير الله طلفاح او البعض من اقاربه او عشيرته؟ ثم الم يقل ذلك الزعيم الوطني" عفا الله عما سلف لبقية القتلة المجرمين؟ " هذه هي الشهامة والزعامة والاخلاق في العفو عند المقدرة، ولكن عند الانسان السوي وليس السفاحين القتلة.. نقول ان نهاية المحاكمة اصبحت قاب قوسين من الانتهاء فاذا حكم صدام حسين ومن معه فهم يستحقون الحكم العادل الذي سيكون بالتأكيد ضمن استقلالية سلطة القضاء وضرورة عدم التدخل فيه وهذا ما نريده لأنه سيكون جادة الرواح الى تحقيق العدالة حتى لو كانت نسبية وتحقيق امل العراقيين بأن لا عودة لمحاكم المخابرات والامن العام ومحكمة المجرمين في الاذاعة العراقية وما يسمى بمحكمةالثورة والاساليب الاجرامية مهما كان نوعها، او من كان خلفها من الجدد الذين يفكرون بالطريق نفسها، ويريدون ممارسة الطريقة القديمة نفسها. طريقة اللاقانون واللاعدالة وتبعية القضاء لبعض الرؤوس الكبيرة لخدمة مصالحهم وسلطتهم الفردية .