نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

 

السبت 8/7/ 2006

 

 

اختلاف دروب الجريمة والمجرمون هم أنفسهم

 

مصطفى محمد غريب

الجريمة في أعراف المفاهيم الإنسانية هي التجاوز على حقوق الآخرين بوسائط غير مشروعة لا تقرها الشرائع السماوية ولا القوانين الوضعية السليمة ولهذا سنت القوانين منذ صدور أول قانون في وادي الرافدين المسماة بقوانين حمورابي ولحد هذه اللحظة من اجل حماية الفرد والمجتمع من التجاوز على حقوقهم ولكن مع كل ذلك نجد أن الكثير من الدول والحكومات والأحزاب السياسية والدينية تستغل القوانين في بلدانها أو تفسرها حسب مصالحها وبالضد من معارضيها لترتكب الجرائم باسم القوانين نفسها، كما تستغل الأحزاب السياسية الدينية والمنظمات المتطرفة الشرائع السماوية لتصدر قوانينها الخاصة وتشريعاتها المناهضة لتلك الشرائع باسم الشرائع نفسها.
أردت من هذه المقدمة الولوج في قضية مهمة جداً حسبما اعتقد وهي جريمة الدولة الشمولية التي سلكتها لسنين طويلة ومارست فيها سياستها المخادعة من اجل تنفيذ جرائمها الوحشية ووفق قوانين خاصة ادعت بأنها سنت من اجل المجتمع والأمة وامن البلاد وهذه القضية أثيرت عندي أيضاً بعد سماعي لجريمة وقعت يوم الثلاثاء 4 / 7 / 2006 ضد أب وثلاثة من أبنائه وجدوا مذبوحين في محلهم المخصص لبيع لعب الأطفال وبضائع أخرى في شارع ( 14 ) رمضان في المنصور وعند نقلهم إلى الطب العدلي لم يستطع أحداً من عائلتهم استلامهم لخوفهم من القتل وقد هددوا بعدم إقامة مجلس عزاء لهم، وكنت والحق يقال قد سمعت الكثير من هذه الأخبار والحوادث المشابهة تناقلتها البعض من وسائل الأعلام والكثير من الناس إلا أن هذه الحادثة قد نقلت لي من قبل احد أفراد هذه العائلة بالتفصيل وبما ن دروب الجريمة واحدة تتغير فيها الطريقة والأسلوب فقد عادت بي الذكريات إلى الماضي غير البعيد وبخاصة في زمن النظام السابق الذي مارسَ أساليب تكاد أن تكون شبيهة بهذه الأساليب، فالكثير ممن كانوا ضحايا الجريمة المفبركة لأجهزة الدولة عوملت عوائلهم بالاسلوب نفسه، فقد كانت الضحية التي تعدم بالرصاص وبمختلف الحجج مثل الهروب من الحرب أو الجيش وبتهمة الجبن أو التعذيب في السجون أو المعارضين أو الذين عليهم علامات استفهام يطلب من عوائلهم دفع ثمن اطلاقات الرصاص التي أدت بحياة أولئك الضحايا ثم يهددون بعدم إقامة مجالس عزاء لهم تحت طائلة القوانين التي ادعوا بأنها سنت من اجل المجتمع ولإقامة العدالة والمساواة بين الناس.
اليوم تتكرر المأساة بطرق أخرى للجريمة و بأشكال مختلفة ولهدف واحد كانوا ومازالوا يسعون للوصول إليه وهو إرهاب المواطنين وجعلهم ينكفئون على أنفسهم، فإذا كان الأسلوب السابق إطلاق الرصاص على رأس الضحية أو حبل المشنقة أو الاغتيالات المرتبة توفي بالغرض القمعي وتحقق هدف الجريمة وتبعياتها ويحرم أهل الضحايا حتى من إقامة مجلس العزاء لهم وتهدد عوائلهم بالتصفيات والسجن والقتل فان الحوادث الأخيرة تثبت أن المخطوفين الذين يتم خطفهم واحتجازهم يصفون باسلوب قطع الرؤوس والتعذيب أو إطلاق الرصاص على رؤوسهم وفي حالات كثيرة يجدون جثثهم بدونها ولهذا تذكرهم وسائل الإعلام على ألسنة المسؤولين " بمجهولي الهوية " أو رؤوس بدون جثث وهنا الطامة الكبرى فالبحث عن الجثة بين الجثث المجهولة الهوية قد يستغرق أياماً وشهوراً وقد تختفي إلى الأبد وإذا أخبرت العائلة أو أدى البحث والتنقيب إلى معرفة مكان الجثة في الطب العدلي فالخشية من استلامها ودفنها تؤدي إلى قتل من يريد استلام الجثة وإذا نجح في الاستلام فهو مهدد وعائلته بالتفجير أما بمفخخة أو مفخخ يريد الدخول إلى الجنّة فيدخل إليهم ليقتل الأكثر منهم وهذه قضية معروفة، وقد يتسآل المرء ما العمل وعوائل الضحايا بين مطرقتين تدق رؤوسهم وتجعلهم يعيشون تحت طائلة قوانين الجريمة التي كانت ترتكب من قبل الدولة واليوم ترتكب وهم بلا دولة وخارجين عن القوانين وبحجة كاذبة تأييد الاحتلال أو العمل مع قواته.
إذاً فهذه الجرائم معروفة المعالم والمرتكبين هم أنفسهم أن كانوا في السلطة أو خارجها لأن دروب الجريمة واحدة تدركها الأكثرية من الشعب العراقي، وأولئك الذين مارسوها في السابق يمارسونها الآن " وعينك عينك يا تاجر" مازالوا يعيثون فساداً وكأنهم يمارسونها كما في السابق في وضح النهار بدون رقيب ولا حسيب، وتراهم من مختلف الجهات يتجولون بسياراتهم وبمختلف الملابس العسكرية أو المدنية وبأسلحتهم ليخطفوا من يريدون خطفهم وقد تكون الضحايا بالعشرات كما حدث لبعض منتسبي المؤسسات الحكومية أو الأهلية.
تبقى القضية الكبرى وهي أس البلاء قضية المؤسسات الأمنية ومسؤولية الحكومة الحالية في العمل من اجل أمان الناس والحفاظ على حياتهم وأموالهم ـــ فإلى متي تبقى هذه القضية بهذه الحالة المزرية وهذا الانفلات الرهيب؟ ألا يوجد طريقة أو حل عملي لها؟ أم هناك قضايا أهم من حياة الناس وأمنهم ؟.. نعتقد أن الحكومة والمؤسسات الأمنية مسؤولة بشكل مباشر وعليها أن تدقق قضاياها الأمنية وبخاصة هناك أكثر من تصريح بان بعض قطاعات الشرطة أو غيرها مخترقة وتستغل من قبل البعض وحسب تصريحات رئيس الوزراء المالكي الأخيرة حيث أكد " بأن أحد أجهزة الشرطة أصبح شريكاً في القتل "، ولهذا عليها واجب وطني ومسؤولية تاريخية لإيجاد الحلول العملية والمنطقية لتأمين وأمان المواطنين الأبرياء والا " ضائع راس الشليلة " كما يقال، وكما نعتقد أن الحل معروف ودربه واحد وهو اعتماد المواطنة وإبعاد الطائفية والحزبية الضيقة والمحسوبية والمنسوبية عن المؤسسات الأمنية وفي مقدمتها الجيش والشرطة والتخلص من الفساد المالي والإداري وتطبيق القوانين بشكل متساوي وعدم إعفاء أي جهة أو أي شخص مهما كانت مسؤوليته أو شأنه في الدولة من المحاسبة وتحت طائلة القانون بما فيها تلك المليشيات المسلحة غير القانونية وفي مقدمتها ما يسمى بجيش المهدي وأوكار الجريمة المنظمة تحت مسميات وألوان مختلفة إضافة إلى المنظمات الإرهابية التي تعشق الجريمة بحجة الدين والشريعة وهي بعيدة عنهما كبعد الأرض عن بعد السماء.