| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

                                                                                  الأثنين 3/10/ 2011

 

تسويف مواد الفيدرالية في الدستور لمصلحة النهج الشوفيني

مصطفى محمد غريب

قال لي في بغداد احد خبراء القانون حينما كانوا يسنون الدستور أنهم استفادوا كثيراً من المرجعية الدينية الشيعية وبخاصة السيد السيستاني وأشاد بمعارفه القانونية والتشريعية حول وضع الدستور وبمساندة أحزاب الإسلام الشيعي السياسية وأكد في نهاية المطاف انه نال رضا واستحسان المكونات السياسية الدينية المختلفة وكذلك التحالف الكردستاني وكما هو معروف أن هذه الكتل والأحزاب السياسية تقاطرت على قيادة السلطة في العراق حيث ثبتت ملاحظاتها ومقترحاتها والكثير من الآراء التي قدموها، وملخص ما أكده الخبير القانوني الذي لدي معرفة به منذ سنين طويلة على بعض الحقائق، والبعض من النواقص والثغرات وحسب قوله أن الدستور ليس بالكتاب المقدس ومن الممكن تعديله في المستقبل وأكد القول انه سيفيد المرحلة الحالية وبخاصة أن العراق لن يعود للحكم المركزي لأن الدستور حمل بين طياته مواد دستورية تؤكد الفيدرالية في العراق، وصدق في حديثه فبعد الإطلاع على الدستور والتصويت عليه من قبل أكثرية الشعب العراقي عرفنا أن جميع الكتل المهيمنة على القرار في الوقت الحاضر كان لها دور كبير وبواسطة من انتدبتهم في لجنة صياغة الدستور لإقراره وإخراجه للوجود ومن يقول غير ذلك فهو اكبر كذاب ولا يستطيع المرء إلا ويراه انتهازياً ووصولياً مهما أدعى بالوطنية ومصلحة العراق.

لقد ظهرت ولم ينشف بعد حبر كتابة الدستور مظاهر الشوفينية والعدائية وبدأ الحديث عن المادة ( 140 ) وكأنها هابطة من السماء أو لم تناقش من قبل جميع الكتل السياسية الدينية وجري الاتفاق عليها، وادعت البعض من الكتل أنها (أي المادة 140 )سوف تضر بوحدة البلاد لأنها ستكرس ضم المناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها كركوك إلى الإقليم وبهذا المعنى فقد فصلوا الإقليم إعلاميا عن العراق متهمين الكرد بأنهم يسعون للانفصال، وليس دفاعاً عن مسعود البرزاني وغيره والذين أكدوا في تصريحاتهم بأن قوة الكرد والإقليم من قوة العراق الاتحادي الديمقراطي، لكن النفس الشوفيني لم يقتصر على القوميين المتطرفين الذين يناصبون العداء لكل ما هو ديمقراطي أو اتحادي بل اصطف إلى جانبهم البعض من أصحاب العمائم وبدءوا يفلسفون ما بين العراق الموحد الذي يجب أن يقوده قائد فذ وقوي وحازم وبين انفصال الإقليم وتقسيم العراق، وبدلاً من الاحتكام إلى الدستور كما نصت عليه المادة ( 140 ) أصبحت المطالبة بإلغائها لمرور وقت ولم يجر تطبيقها واعتبرت مخالفة للدستور، وبدأ الصراخ ينتقل من منطقة إلى أخرى تارة في محافظة الموصل وأخرى في محافظة ديالى وثالثة في محافظة صلاح الدين ثم العودة إلى كركوك حتى أن البعض من دول الجوار سارعت في التحرك وهددت علناً وبشكل سري والحكومة راضية عن هذه الفوضى وكأنها مستأنسة بهذه الخلافات والتجاوزات على الدستور، ونتيجة هذه الوضعية المتعبة برزت مشكلة ما بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم حتى حول تطبيق المادة ( 140 ) فبينما يطالب الكرد وحكومة الإقليم بالمناطق التي استقطعت أو تعرضت إلى التغيير السكاني بتهجير آلاف العائلات الكردية والتركمانية وجلب عائلات عربية وبخاصة في كركوك وهم يدعون إلى تطبيق المادة المذكورة التي تنص أيضاً على إجراء استفتاء في تلك المناطق لمعرفة رأي السكان فيها والاحتكام لهم ما بين الرفض والقبول، نجد أن الحكومة المركزية والبعض ممن حولها يسوفون عملية ليست التعداد السكاني في هذه المناطق فحسب بل حتى على عموم العراق وبهذا يختزلون القرارات الصادرة بتطبيق المواد الدستورية ومن بينها المادة ( 119 ) من الدستور حول حقوق كل محافظة أو أكثر بإقامة إقليم بناء على طلب الاستفتاء أما ثلث أعضاء كل مجلس من مجالس المحافظات أو طلب " عُشر الناخبين " في المحافظة أو المحافظات التي تريد إقامة الإقليم، أما المادة ( 120 ) فهي تنص بشكل واضح على صلاحيات سلطة الإقليم وآلياته " على أن لا يتعارض مع الدستور"، لكن الذي نراه ونتابعه من قبل الذين اتفقوا على الدستور وطلبوا من أعضائهم ومؤازريهم التصويت عليه فهم يتنصلون عما وقعوا عليه ويحاولون تسفيه مواد الدستور لغرض ما وبالتأكيد هو غرض كيدي لعرقلة تنفيذ ما نص عليه الدستور وبخاصة المادة ( 121 ) التي حددت ممارسات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية " وفقاً لإحكام هذا الدستور " وهكذا تبدو الأمور أسوأ من بدايتها، البعض لا يقدر مخاطر التصريحات والتهديدات والاتهامات التي تزيد النار حطباً وتعقد الأمور أكثر فأكثر ويظهر العداء الشوفيني والرؤيا الطائفية الضيقة للمادة ( 140 ) بدون تمحيص نتائج الرفض المطلق وعدم اعتماد الحوار السليم للوصول إلى حلول سليمة تُبعد البلاد عن مخاطر الاحتقان والفتنة، ويبدو أن إصرار حكومة الإقليم على عدم العودة للمربع الأول واهتمامها بتنفيذ ما اتفق عليه في مبادرة مسعود البرزاني ومناقشة المادة ( 140 ) دليل على أنها تحاول حل القضايا التي تخص الجانب الكردستاني والأفضل أن يعم كل العراق والمشاكل المعلقة مع الحكومة المركزية وحسب قول رئيس وزراء الإقليم برهم صالح " كونها مادة دستورية ستنفع الشعب العراقي ".

إن المواد الدستورية التي تؤكد على قضية الفيدرالية ليست لعب أطفال يلهوا بها الصغار وعندما يملوا منها يستبدلوها بلعب أخرى وليست هي للمزايدات والمهاترات لأنها مرتبطة بحاجة البلاد لها للتخلص من احد أهم مشاكلها التي تفرض عليها مواقف تريد جر الجميع للخلاف وحتى الاقتتال مهما كانت النتائج ولهذا نجد تصاعد عمليات التفجيرات والاغتيالات والخطف في كركوك وتكاد أن تكون مميزة في هذا الجانب عن مناطق عراقية عديدة حيث تثار حول إيجاد حل يرضي المكونات الموجودة فيها العديد من القضايا العقدية وتبادل الاتهامات ووضع العصا في دولاب أمام أي تقدم للتفاهم وفي مقدمة الاتهامات الهيمنة الكردية عليها بواسطة جلب ( 600 ) ألف كردي من سوريا وتركيا وغيرهما وإسكانهم فيها وهو رقم مهول وغير واقعي ولا سيما الأزمة الحادة التي تعيشها وفي مقدمتها البطالة والسكن وشحة المياه وتردي الخدمات... الخ بينما تقف العديد من الكتل العربية والتركمانية بالضد من إجراء الاستفتاء وتعتبره بالضد منها للسبب أعلاه، وأيضاً تبقى الحكومة المركزية في وادي وإيجاد الحلول الموضوعية في وادي ثاني مما يسهل عمليات التشكك فيها وفي المؤسسات الأمنية مما يسهل التحركات المضادة للعملية السياسية وتسفيه قضية الفيدرالية والمطالبة بالعودة إلى المركزية واعتبار الفيدرالية نظاماً سوف يقسم العراق ويضر بوحدته ووحدة مكوناته القومية والدينية والعرقية، ويلعب في هذا المضمار البعض من أحزاب الإسلام السياسي من كلا الطرفين دوراً معادياً لبنود الدستور على الرغم من مشاركتهم في الحكومة المركزية وثقلهم في البرلمان العراقي ومن هنا يظهر القاسم المشترك بينهم وبين القوى الشوفينية المعادية لحقوق القوميات ويتمثل بإعاقة قيام الدولة المدنية الاتحادية وهي جهود قد تتكلل بالنجاح في ظل تداعيات ضعف الحكومة المركزية وعدم اتخاذ ما يلزم للحفاظ على الدستور والقوانين من خلال تحسين أداء الأجهزة الأمنية للحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين والمضي إلى أمام بدلاً من المراوحة وتعطيل مهمات السلطة التنفيذية بحجة أن مركزية الدولة المطلقة كما كان في السابق هي الحل الأفضل لأكثرية القضايا والمشاكل المطروحة، وهو حل عسير غير ممكن أمام سيل من التطورات ليس على العراق فحسب بل على المنطقة العربية التي تشهد تطورات وتغيرات لا يمكن أن تقبل بالقديم الرجعي المتخلف على الرغم من ادعائه بالحرية والديمقراطية والتقدم.

إن الحل الذي هو اقرب للواقع إجراء حوار مفتوح وسليم ووضع النقاط على الحروف واحترام الدستور والاتفاقيات التي تتم بين القوى صاحبة القرار وان يكون قبل كل شيء اعتماد الثقة وعدم الانسياق خلف التفسيرات البهلوانية والفنتازية ووضع مصلحة البلاد والشعب العراقي فوق أية مصلحة طائفية أو حزبية وإلا هناك تهديد فعلي للسلام الاجتماعي لان الأمور ما عادت يتحملها المواطنين وبخاصة الجماهير الشعبية صاحبة الدخل الضعيف الذي لا يقي الإنسان من البرد ولا الجوع بل يجعله يكفر بكل شيء.




 

 

free web counter