| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

 

السبت 2/9/ 2006

 

 

مرة أخرى حول محاكمة الأنفال وضحاياها من شعبنا الكردي

 

مصطفى محمد غريب

سألني صديق لماذا أجل القاضي عبد الله العامري المحاكمة إلى يوم 11 / سبتمبر أهي مصادفة أو لها ارتباط بتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك؟ فكرتُ كثيراً ولكن للحقيقة لم استطع أن أهتدي الى الجواب، السؤال ترك عندي استفساراً أيضاً لماذا بالضبط في 11/ سبتمبر وليس مثلاً في الحادي عشر أو الثاني عشر أو قبل هذا التاريخ! لكن هذا الاستفسار حفزني الى الكتابة مجدداً عن هذه المحكمة بهدف توضيح بعض الأمور وتلافي النواقص التي تعيق عملها القضائي اللاحق.
إن المحاكمة العلنية الجارية الآن لصدام حسين وثلة من أركان نظامه السابق في أخطر قضية تمثل جريمة نكراء بحق الجنس البشري في القرن العشرين وتعد من ابرز الجرائم بحق الإنسانية وتجلت في استعمال الأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً ضد المواطنين العراقيين من الكرد الأبرياء أمام مسمع ومرأى ليس الشعب بجميع طوائفه فحسب بل أكثرية الدول العربية والإسلامية والعالم اجمع، ومع شديد الأسف لم يحرك أحدا ساكناً إلا بعض الدول والمنظمات الإنسانية وبعض الأحزاب والشخصيات، وعندما تصادمت مصالح الآخرين بعد احتلال الكويت بدأت نبرة الحديث عن استعمال هذه الأسلحة يرتفع رويداً رويداً وبدأت تعرية المواقف والكشف عن الوقائع، ومع هذا بقى البعض يتحدث بخجل عنها ويتستر بكلمات ضبابية واهية، أو مشككاً في استعمالها أو تحميلها لجهات غير النظام العراقي السابق ومن هؤلاء من يحاول تضبيب الفعل الحقيقي لقصف الطائرات العراقية واتهام الطائرات الإيرانية التي كانت شبه مشلولة في حرب الخليج الأولى بعدما دمرّ أكثرها وهرب طياروها ، ثم أي عاقل حصيف يصدق وهو ليس دفاعاً عنها أن إيران تضرب مثلا المواطنين الكرد المسالمين من أطفال ونساء وشيوخ في مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية.. ولماذا ؟ وهنا لا نريد التكرار حول هذا الموضوع فقد تطرق إليه العشرات من المثقفين والكتاب والعلماء العراقيين وغير العراقيين وجرت ادانات واضحة لتلك المواقف المتخاذلة أو تلك التي كانت ترتبط مصالحها مع مصالح النظام السابق أو التي صمتت صمت القبور في حينها وراحت تطبل بعد ذلك له لفائدة ما.
اليوم والمحكمة قد بدأت بطاقم جديد تقريباً وكنا نعتقد أن الهيئة القضائية وفي مقدمتهم رئيس المحكمة القاضي عبد الله العامري قد اغتنوا من تجربة محاكمة ضحايا الدجيل وسوف لن يسمح على الأقل بمحاولات التضليل والتحريف أو مس كرامة الضحايا والشعب الكردي مثلما مسها البعض من المتهمين وفي مقدمتهم برزان التكريتي، إلا أن هذا الاعتقاد تبدد بمجرد أن بدأ الحديث عن العملاء للأجنبي والطابور الخامس وشماعة الارتباط بدولة أجنبية واتهام البيشمركة جميعهم بالخونة، لو تسنى لأي امريء منصف العودة بشكل قهقري إلى الوراء لوجد التطابق مع الخطاب القديم للنظام الصدامي بالمفردات والجمل والاتهامات والعقلية التصفوية والحاقدة وكأن الزمن لم يتغير بالنسبة لهم، وعلى ما يبدو أن محامي الدفاع الذين يتمسكون ببراءة صدام وستة من أعوانه الذين اشتركوا في هذه المجزرة من استعمال الأسلحة الكيمياوية ضد عشرات الآلاف من المواطنين الكرد وضد المدن والقرى الكردستانية وعلى الرغم من وجود آلاف الأدلة والوقائع والشهود، وكأن مردة أو شياطين جاءوا من المجرات والكواكب الأخرى واستعملوا تلك الأسلحة الفتاكة ثم على حين غرة رجعوا إلى أماكنهم بدون أن يتركوا أي أثر لهم ، ومع هذا الإنكار تبدو عملية الإساءة للشهود بشكل واضح ، وأكبر برهان تلك السخرية الموجهة للمشتكية الكردية الكبيرة في السن والتي فقدت جميع أفراد عائلتها، حينما سئلت عن نوعية الغاز ، وحينما سأل محامي الدفاع الشاهدة إنها بعد القصف اشتمت رائحة كرائحة التفاح أو رائحة الثوم" هل تشترين الثوم أو تجففينه؟" وبعدما أجابت الشاهدة حول الثوم ابتسم المتهمين وضحك محامي الدفاع وحتى رئيس المحكمة القاضي عبد الله العامري علت وجهه ابتسامة لطيفة وقد حاول بعدها قاضي التحقيق رائد جوحي تبريرها بأن القاضي كان يبتسم قبلها!! وغيرها من الأسئلة البعيدة عن جوهر القضية ومحاولات جرها إلى تجاه معاكس بدون التطرق إلى القضية وهي استعمال الأسلحة الكيماوية والإبادة الجماعية التي حصلت والمسؤولين عنها.
لقد بذل محامي الدفاع والمتهمين وشهود الدفاع كما أسلفنا في قضية الدجيل محاولات متكررة واتبعوا طرقاً واساليباً لا قانونية واستغلوا الوقت أبشع استغلال لتسخيف الجريمة النكراء بحق ضحايا مدينة الدجيل ونعتوا الآخرين بنعوت واتهامات وشتائم لااخلاقية من قبل البعض وبخاصة برزان التكريتي الذي قال بما معناه " إلى نار جهنم وبئس المصير " كما جرى اتهام المحكمة بشتى التهم محاولين تفريغها من محتواها كمحكمة جنايات واعتبارها تابعة لقوات الاحتلال وهي غير شرعية وقدموا طلبات لنقل المحاكمة إلى خارج العراق، واليوم تعود المسرحية بثوبٍ جديد ولكن باطنه واحد ولم تكن مفاجأة لنا تصريح نقيب المحامين الأردنيين وأحد المدافعين عن المتهمين المحامي صالح العرموطي عندما طالب بنقل محاكمة صدام وأعوانه في قضية الأنفال إلى خارج العراق وبالحجج نفسها وقد يسأل المرء إذا كان تصرفهم السيئ وغير المسؤول وهم داخل العراق فكيف يكون عندما يكون الأمر خارجه وهم منذ البداية يعملون على تشويه الوقائع وتزييفها وعرقلة العدالة وجعل المتهم بالجريمة بريء والمعتدى عليه متهم يجب محاكمته.
أمام كل هذه الوقائع وغيرها من القضايا نحن نحتاج إلى محكمة أكثر إدراكاً وقضاة يتمتعون بالقدرة على حماية المشتكين وشهودهم من الإساءات والسخرية وعدم استغلال العدالة بالإطالة والمراوغة والرهان على الزمن الطويل وعدم حرف سير المحكمة عن اتجاهها في القضية الأساسية واتخاذ الطريق المعاكس وكأنه هو الأساس وتوضيح الأمر التالي ـــ هل استعمل النظام الصدامي الأسلحة الكيماوية ضد المواطنين الكرد العراقيين ؟ ومن هم المسؤولون عن هذا الاستعمال بإصدار الأوامر أو التنفيذ الرئيسي والمباشر؟ كيف جرى الاستعمال وما هو عدد الضحايا؟ عند ذلك لن يستطيع أحداً من حرف عمل المحكمة وتحقيق العدالة الحقيقية وفرض القانون والأصول القضائية على الجميع بدون غبن أو انحياز لهذا الطرف أو ذاك.