موقع الناس     http://al-nnas.com/

البرلمان العراقي وتداعيات المحاصصة الطائفية والقومية

 

مصطفى محمد غريب

الخميس 29/7/ 2006

أسئلةٌ عدة تتبادر في الذهن عن مسؤولية ومهمة البرلمان المنتخب من قبل الشعب بشكل ديمقراطي حر، ما هي المهمة التي يجب التكلف بها؟ كيف يمكن أن يكون بمستوى المسؤولية التي تناط به حيث في النهاية يجري تفعيل تشريعاته مع السلطة التنفيذية والقضائية لكي تتكامل لوحة العمل السياسي فتجد التشريعات التي يصدرها طريقها للتنفيذ؟ أم انه يبقى يراوح في مكانه وتتصدره الخلافات والصراعات الطائفية والحزبية والشخصية حتى انه يفقد مصداقيته كممثل للذين انتخبوه ووضعوا ثقتهم فيه؟
المتابع لمجريات عمل البرلمان العراقي الحالي سيجد الجواب فوراً ويضع أصابعه على مرض العضال الذي أصيب به وقد يفقد الثقة به كمؤسسة تشريعية تستطيع أن تؤدي دورها الوطني وتكون أحدى الدعائم المهمة في استقرار البلاد وخدمة المواطنين ثم إنهاء هذه الحالة المزرية التي تمر بها جماهيرنا الشعبية الكادحة وعموم القطاعات الأخرى، والبرلمان العراقي والحق يقال هو نتيجة طبيعية لنظام المحاصصة المريب الذي قامت عليه الدولة منذ عهد الحاكم الأمريكي بريمر، وبدلاً من تصحيح ذلك المسار والقيام بعمل نوعي لكي يأخذ البرلمان طريقه الصحيح فقد كرست طاقات الطائفيين والمستفيدين من الأوضاع الجديدة إلى تعميق نهج المحاصصة وتفعيل دور الفساد في جميع أجهزة الدولة بما فيها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمؤسسة الأمنية، وبدلاً من أن ينأى البرلمان بنفسه عن هذه الحالة الشاذة أصبح شريكاً قوياً يمتثل للأوامر لما يملى عليه من قبل الجهات التي جاءت به للبرلمان واشترك فعلياً في عملية تشجيع استمرار المحاصصة الطائفية لا بل أصبح من أحدى ركائزها القوية وبهذا فقد البرلمان دوره الحقيقي وتشوهت صورته الطبيعية وانعكس ذلك على أدائه التشريعي المهم وأداء رئيسه وخطابه المج غير المتوازن وكذلك أكثرية الكتل النيابية وبخاصة تلك الكتل التي تزعل في كل مرة لا تقبل طروحاتها أو تتعارض مع قرارات أخرى وتهدد بالانسحاب أو تخرج من قاعة البرلمان وكأننا نلعب لعبة " الختيلة ـــ جرخجية وحرامية ــ أو ــ إذا ما العب أخرب الملعب " والعجب أن لا أحدا من المنسحبين والمحتجين والساخطين على الاحتلال وتدهور الوضع الأمني يرفض راتبه الدولاري باعتباره حقاً من حقوقه التي تعلو على حقوق المواطنين الذين صوتوا له وهم ينتظرون دوره في تصحيح الأوضاع الشاذة وتنفيذ الوعود الانتخابية الصاخبة في مجالات الاقتصاد والحياة المعيشية والأوضاع الأمنية وغيرها لأن مصالحهم في بقاء رواتبهم الضخمة تتطلب عدم رفضها ومادام القبض ماشي فالمصالح باقية بدون تأثير أو إلغاء ورحم الله الشاعر العراقي المعروف ملا عبود الكرخي عندما قال أصحاب المصالح كل وكت بالخير عدهم رزق كافي وأحسن من الغير.

وهكذا وأمام هذه الصورة ومجريات عمل بعض الكتل البرلمانية التي جعلت عمل هذه السلطة الحيوية هامشي لا تأثير له فإن أكثرية أعضاء البرلمان العراقي الحالي في وادٍ والذين صوتوا لهم في وادٍ آخر، أكثرية هؤلاء وبخاصة من يضع مصالح أحزابهم ومنظماتهم فوق مصالح الشعب في وادٍ " لا زرع فيه ولا ماء " والحفاظ على وحدة الوطن ومصالح عموم الشعب في وادٍ غريب، ولهذا كانت نتائج بعض المعالجات التي توضع من قبل السلطة التنفيذية تذهب أدراج الرياح ما بين الجر والعر والقرار الأمريكي واللعبة السمجة التي تلعبها بعض الكتل البرلمانية التي كانت وما زالت احد الدوافع لإشعال الحرب الطائفية وصولاً للحرب الأهلية وهذا شيء طبيعي لحالة التقسيم الطائفي في هذه المؤسسة الحيوية وباقي مؤسسات الدولة، نعم وبكل صراحة فإن اللوحة السياسية الطائفية تبدو بصورتها البشعة في التقسيم الطائفي والقومي الموجود في البرلمان العراقي ومن هنا تنطلق الحجة بعدم استكمال النصاب القانوني أو الانسحاب والخروج من الاجتماع كما فعلها رئيس البرلمان قبل أيام إضافة إلى تصريحاته غير المنضبطة والمواقف الارتجالية التي يقوم بها وضعف قدراته التنظيمية، كما يبدو من سير عمل البرلمان أن برامج اجتماعاته آنية وغير مخطط لها بشكل دقيق إضافة إلى عدم وجود خطة عمل واضحة مما يزيد الارباكات والتداخلات ما بين مهمة عضو البرلمان الذي يجب أن يساعد في التشريع وبالتالي مراقبة السلطة التنفيذية وأعمالها وعملية تطبيق التشريعات وعدم تناقضها مع السلطة القضائية وليس التدخل في كل شاردة وواردة وخلق التوترات ما بين أعضاء الكتل البرلمانية.
ان المهمة الأساسية التي تقع على عاتق البرلمان العراقي الحالي نبذ الخلافات الجزئية والشعور بالمسؤولية والالتفات إلى التشريع والمراقبة وهذه المهمة تحتاج إلى التضحية بالمصالح الذاتية والحزبية واعتبار البرلمان بكل أطيافه برلمان الشعب وعليه مهمة ان يخدمه ويراعي مصالحه لا ان يدخل في نزاعات أو توترات لقضايا باهتة وغير رئيسية في هذه الظروف، ظروف الإرهاب والقتل على الهوية والتدمير والعصابات المنظمة وتخريب مرافق البلاد.. فهل يدرك البرلمانيون الذين يتبنون المحاصصة الطائفية والمصالح الحزبية الضيقة أن الخطر يحيط بالوطن ككل وبدون استثناء؟ .