| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

الأربعاء 27/10/ 2010

 

أهداف سياسية لإفشال الإحصاء السكاني الوطني في العراق

مصطفى محمد غريب

العراق بلد متعدد القوميات والأعراق والديانات وهذا الواقع لا يمكن التجاوز عليه أو إلغائه وقد حاول الحكام في السابق تشويه هذا الواقع ولعبت الأحزاب القومية العربية وفي مقدمتها حزب البعث دوراً متميزاً في محاولات صهر القوميات في بوتقة القومية العربية لا بل راح البعض من الحكام يدعي أن الكرد عرب... الخ ولم تقف تلك المحاولات عند هذه الحقيقة وأن يراجع أصحابها مواقفهم الشوفينية ذات التعصب القومي بل أخذت أبعاداً وصيغاً جديدة في الوقت الراهن، وانعكس ذلك في مواقف البعض من القادة في أحزاب الإسلام السياسي أو القوى القومية العربية المتطرفة، ومازالت هذه المواقف تتجلى في الاعتراضات على بناء الدولة الجديدة على أسس ديمقراطية وفيدرالية والاعتراف بحقوق جميع القوميات التي نالها الظلم والإلغاء والتهميش في السابق، البعض ما زال يعيش على الماضي ويتصور أن عجلة التاريخ قد تعود إلى الوراء ولهذا يحاول وضع العصا في العجلة ولكن هيهات فالاستفادة من الماضي وتجارب التاريخ تعني التخلص من النظرة الضيقة تجاه القوميات غير العربية والادعاء بالدين الإسلامي مع احترامنا بأنه الجامع أو أن القوميات جميعها عربية أصبح يشكل عائقاً أمام التطور وترسيخ وحدة الشعب على أسس ديمقراطية صحيحة.

واليوم نلاحظ المواقف غير الطبيعية والمبررات من قبل البعض لتأخير الإحصاء السكاني الوطني أطول فترة ممكنة تحت طائلة العديد من الحجج والتفسيرات، فمنذ الإعلان عن إجراء الإحصاء السكاني الوطني والمحاولات مستمرة من اجل تأخيره أو تعطيله فترات طويلة وفعلاً فقد أؤجل في عام 2007 نظراً لأعمال العنف والمحاولات التي كانت ترمي إلى إشعال الفتنة الطائفية وصولاً للحرب الأهلية ثم حدد لاحقاً أن يكون في 24 / تشرين الأول / 2010 وبعد مداولات عديدة رحل الإحصاء إلى 5 / كانون الأول / 2010 وكما هو معروف إن جميع الإحصاءات التي تمت بعد إحصاء 1957 لم تكن بالمستوى المطلوب وتخللتها نواقص عديدة بما فيها إحصاء 1987 ولم يكن إحصاء 1997 كاملاً بحيث لم يشمل كردستان العراق للظروف المعروفة التي جرت بعد احتلال الكويت والانسحاب منها على اثر نتائج حرب الخليج الثانية .

في ظروف ما بعد الاحتلال والسقوط تصاعدت المطالبة بإجراء إحصاء سكاني وطني عام لأسباب عديدة في مقدمتها وضع منهاج لتنمية سياسية واقتصادية واجتماعية على ضوء تحديد التطورات التي حدثت على البنية السكانية والزيادة الملحوظة في نفوس العراق، ( أواخر العهد الملكي كانت نفوس العراق 7 مليون وتقدر الأمم المتحدة الآن حوالي 30 مليون ) وقد قدمت اقتراحات عديدة حول محتوى استمارة التعداد السكاني منها المذهبية التي جوبهت باستنكار شعبي واسع مما أدى إلى رفعها عن الاستمارة وأبقت الاستمارة على حقل القومية والدين باعتبار أن الشعب العراقي متعدد القوميات والأديان ولان العراق اعتاد على ذلك في كافة الإحصائيات التي جرت سابقاً، إلا أن وزارة التخطيط العراقية دخلت على الخط باتجاه إلغاء السؤال عن القومية مما خلق حالة من الاستنفار لدي القوميات غير العربية وفي مقدمتها الكرد والكلدان باعتبار حقل القومية حالة طبيعية لمعرفة مكونات الشعب العراقي بشكل أكثر دقة، وعلى ما يبدو أن الرفض جاء أيضاً من اللجنة العليا للتعداد السكاني في إقليم كردستان واعتبرتها " خطوة مخالفة للدستور العراقي والقانون رقم 40 لسنة 2008 " وقد أدلى البعض من القانونيين بآرائهم واعتبروا أن الحذف لا يخالف الدستور لكنه سيؤثر على عدم معرفة أعداد القوميات وفي الوقت نفسه أن الإحصاء السكاني سيكون ناقصاً بحذف حقل القومية.

إن حذف سؤال القومية ومهما قيل عنه يعتبر مضراً بحقوق جميع القوميات وليس الكرد وحدهم ، ولا نعرف عن معنى التوجه لحذف القومية إلا اللهم ما وراء التوجه موقفاً سياسياً يراد منه تغطية الهدف الحقيقي وليس كما قيل خدمة لوحدة العراقيين برفع سؤال القومية ونتحدث في الوقت نفسه عن العراق الاتحادي المتعدد القوميات المتآخية " أو حجة تلافي التجاذبات والخلافات القائمة حول هوية المناطق المتنازع عليها " فهذه الحجة تظهر على ما يبدو التوجه للبقاء على الخلافات وعدم حلها بالطرق القانونية، فما هو الضير من معرفة أعداد المكونات القومية في تلك المناطق المتنازع حولها لكي ينتهي الخلاف وتستقر الرؤيا وليعرف كل طرف الحقيقة بدلاً من إثارة الفتن وكيل الاتهامات وتضخيم الأعداد، كما نجد في لغة البعض من مسؤولي الكتل والأحزاب الذين لديهم توجه خاص من عملية إجراء الإحصاء العام تعطيله جهد الامكان وعدم إجرائه في الوقت المحدود وخلف هذه المواقف اعتبارات سياسية مصلحية وقد تكون ضارة بما يهدف له الإحصاء من معرفة الواقع السكاني وفسيفسائه من المكونات القومية والاجتماعية لكي يتم وضع برامج اقتصادية وثقافية واجتماعية واقعية لخدمة البلاد بشكل علمي، لا يوجد ضرر من وجود حقل للقومية أو الدين والأخير مأخوذ فيه منذ تشكيل الدولة العراقية ولقد اعترضنا ومئات الآلاف من المواطنين العراقيين على وضع حقل للمذهبية التي تكرس الطائفية وتشق وحدة العراقيين وهو ما لا يخدم بناء دولة القانون ولا يخدم وحدة المكونات التي يتجاذب فيها الطائفيون لتحقيق أهداف مريبة وصولاً لتقسيم العراق على أساس طائفي وليس مثلما هو معروف بوجود شراكة وطنية بين القوميات التي نصت عليها الدساتير السابقة والحالية وقضية الحقوق القومية لم تأت من فراغ لان ذلك واقع لا يمكن التجاوز عليه ولا يمكن الحديث عن استمارة الإحصاء الخالصة النظيفة الخالية من الأبواب فقط ذكر " عراقي " وقد نتفق أن السؤال حول القومية لمعرفة الواقع القومي وحجمه ليكون في متناول السلطات الثلاث وبخاصة السلطة التشريعية لكي تأخذ بعين الاعتبار التشريعات القانونية التي تخص الشعب العراقي وليس وضع القومية في البطاقة الشخصية بل إبقائها كما هي في السابق .

إن عملية إجراء الإحصاء السكاني الوطني ضرورة ملحة من اجل التنمية السياسية والتنمية العامة والبيانات التي يوفرها مهمة للحاضر والمستقبل لوضع خطط للتعليم والصحة والإسكان والنقل وغير ذلك ووضع العراقيل والحجج لتأخيرها أو تعطيلها لا يخدم أبداً الشعب العراقي بل يضره ويفقد المخططين والمناهج التي توضع من اجل إمكانية وضع خطط عملية وعلمية للواقع السكاني والقومي في العراق والادعاء بقلق البعض من السياسيين العراقيين وبعض الدول من أنه قد يكون عاملاً في إثارة الاضطرابات ولا سيما في المناطق المتنازع عليها فهو قلق غير مشروع، فلابد من وضع النقاط على الحروف بدلاً من شدّ الحبل الجاري خوفاً من الحقيقة، بل العكس عدم حل هذا الإشكال بواسطة الإحصاء السكاني الوطني يعني خلق أرضية خصبة لاستمرار وتصاعد الاضطرابات في هذه المناطق وغيرها.



 

free web counter