| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

                                                                                  الثلاثاء 27/9/ 2011

 

الدكتاتورية الجديدة مصير مظلم ومأساة للشعب العراقي

مصطفى محمد غريب

لقد ألحقت الدكتاتورية الفردية والحزبية الأذى في الكثير من شعوب العالم ولعل التاريخ خير شاهد على ذلك، وعلى الرغم من الادعاء بالديمقراطية المسؤولة التي تلائم التقاليد والعادات فقد برزت منذ البدء الممارسات الفردية والحزبية المنفلتة لتشكل قاعدة لدكتاتورية الحكم التسلطي وظهر البون الشاسع ما بين الدكتاتورية كمفهوم فلسفي وسياسي ومفاهيم الحريات المدنية والديمقراطية ، فركزت الأولى على حصر القرارات السياسية وغيرها في جهة تستطيع استخدامها باسم الدين أو القومية أو الديمقراطية المفبركة حسب المصالح، وهذا ما حصل في العراق أثناء استلام حزب البعث للسلطة للمرة الثانية، ففي بداياته وبخاصة بعد فشل حركة ناظم كزار اتخذت البعض من الخطوات تقربه إلى مفهوم الديمقراطية لكنه سرعان ما انقلب عليها وأعلن تفرده بالسلطة والقرارات واعتبر نفسه مالكاً للوطن واخضع الشعب كل الشعب إلى مقولته على لسان صدام حسين " كل عراقي وان لم ينتم بعثي " والجميع يعرف ما جرى إثناء حكمه ( 35 ) عام وهي تجربة قاسية عاشها الشعب العراقي ودفع من خلالها ضريبة الدم والعذاب والحرمان بسبب الحروب الداخلية والخارجية وإرهاب الفرد والحزب والدولة التي تم الاستيلاء عليها بقوة السلاح.

إذن الدكتاتورية أسلوب من الحكم يعتمد العنف بكل أنواعه وفرض الرأي الواحد بقوة القوانين التي تصدرها، ومهما قيل فأن ظهور التوجه نحو الدكتاتورية له طرق وأساليب قد تختلف مع دكتاتوريات أخرى لكن في النهاية تتطابق في المضمون والجوهر حيث تكشف عما يخطط له وما ينفذ للوصول إلى الأهداف المبيتة ومنها إلغاء الرأي الآخر والاستحواذ على تراث وتاريخ الحركة القومية والوطنية والديمقراطية واستخدام المقولات الدينية على الرغم من تشدقه بالخطابات الديماغوغية التي جوهرها ميكافيلية تآمرية لترسيخ قاعدة هيمنته على السلطة والقرار.

إن العراق ليس حالة استثنائية وله تجارب كثيرة بدأت على شكل الديمقراطية المسؤولة وانتهت إلى دكتاتوريات كارثية دمرت البلاد وأحاطت الشعب بأسوار من المنع وحرمانه من أبسط الحقوق والحريات المتعارف عليها، وعندما أزيل نظام البعث بالتدخل الخارجي حاولت كل جهة جاءت مع التغيرات السياسية الجديدة فرض سيطرتها الجغرافية والمنطقية والطائفية بشعارات وطنية وديمقراطية ودينية، ومن هذا نستشف أن التوجهات التي بدأت ملامحها أثناء الحكومات العراقية الثلاثة ( علاوي ، الجعفري ، المالكي ) كانت تحمل بين طياتها النزعة الفردية وليس الجماعية، وتجلت هذه التوجهات بشكل واضح وصريح أبان الفترة الثانية لحكومة نوري المالكي حيث أصبح القرار الفردي والحزبي في العديد من القضايا هو الحاسم، وقد يكون هذا التوجه وتَسلك هذا الطريق عبارة عن خطوات نحو إقامة نوع من الدكتاتورية تحت طائل مسميات كثيرة في مقدمتها مصلحة العملية السياسية التي أصبحت بفضل هذه السياسة تعيش مأزقاً حقيقياً وملامحها ظهرت في الانقسامات بين حلفاء الأمس، وهناك تصريحات ومواقف واضحة تتهم نوري المالكي وحكومته بالدكتاتورية وتحذره من سياسة الانفراد بالقرارات، وما انتقادات النائب المستقل صباح الساعدي واتهام نوري المالكي بالدكتاتورية وتصريحات مقتدى الصدر الأخير إلا دليل آخر على هذه الانقسامات والتي حذر من خلالها نوري المالكي وهو شريكه في التحالف الوطني والحكومة من " العودة للدكتاتورية وهيمنة الحزب الواحد على مقدرات البلاد، ولمح حول استقالة القاضي العكيلي واغتيال الإعلاميين المعارضين له ومنهم هادي المهدي" فضلاً عن المذكرة التي صدرت لإلقاء القبض على النائب المستقل صباح الساعدي لأنه وجه انتقادات حادة لرئيس الوزراء وكشف فيها فردية القرارات والتستر على الفساد وما أكده الحليف التقليدي مقتدى الصدر بالقول" قد تبين لنا وبعد عدة قضايا منها، صدور أمر إلقاء القبض على الأخ صباح الساعدي وقبلها إقالة أو استقالة رئيس هيئة النزاهة وتصفية بعض الإعلاميين بمرأى من الحكومة، أن هذا الأنباء لدكتاتورية جديدة..فنحن لا نريد صِداما ولا صَداما " ثم لم يكن موقف المرجعية الدينية الشيعية في النجف الذي جاء على لسان نجل بشير النجفي احد المراجع الكبار الأربعة إلا دليل عن الاستياء العام لتصرفات وتسلكات الحكومة والمسؤولين حيث أكد " إن المراجع لجأوا إلى وسائل مختلفة للتعبير عن هذا الاستياء، والمحصلة أن المرجعية الدينية في النجف، ممتعضة من تصرفات السياسيين لذلك قررت عدم استقبالهم ".

أما بيان المؤتمر الوطني الحليف الآخر فقد أشار بكل صراحة " أننا ندين جميع أشكال ممارسة الديكتاتورية التي عملنا معاً على إسقاط اكبر رموزها في العصر الحديث ( والعالم اجمعه يعرف أن الأمريكان والإنكليز هم اسقطوا النظام واحتلوا البلاد " ولم تكتف إدارة نوري المالكي والبعض من مستشاريه بهذه السياسة فقد كانت هناك الكثير من الخروقات للدستور العراقي والقوانين الوضعية التي صيغت مؤخراً ومنها التضييق على حرية الصحافيين والصحافة الحرة وعلى أكثرية منظمات المجتمع المدني والضغط على المعارضين الذين يرون في انفراد نوري المالكي بوزارتي الداخلية والدفاع ما هي إلا عودة للنهج الاستحواذي الدكتاتوري وتنصله من الاتفاقيات التي وقعها مع " الأطراف المشاركة في العملية السياسية حول ما يسمى " بحكومة الشراكة الوطنية " وتصريحه الأخير حول المادة ( 140 ) وقضية كركوك حيث أشارت العديد من وسائل الإعلام على أن المالكي صرح " إذا كان الجعفري ضحى بالكرسي من اجل كركوك فانا سوف أضحي بحياتي..الخ "

والأسئلة هنا ــــ ألا يظهر من خلف هذا القول إذا كان صحيحاً عقل يفكر بشكل ديكتاتوري فردي ؟ ـــ أليس من الأصح أن يقول لدينا دستور ومجلس نيابي وجميعنا نخضع لهما إذا كانت الأكثرية موافقة فما أنا إلا مسؤول في السلطة التشريعية وواجباتها معروفة؟ ـــ أم انه يفكر وغيره أنهم قد امتلكوا البلاد والعباد " وإن لم ينتموا له " وهي ملك خاص بهم، ـــ وأين الشعب من هذا القول غير المتزن والذي يدين صاحبه بالفردية والديكتاتورية والتسلط؟

لم يقتصر النهج اللاديمقراطي والتعنت في إصدار القرارات والأوامر الفردية وتحريك البعض من الأطراف والذي بالتالي سيصب في مجرى عودة شكل من أشكال الديكتاتوري للعراق على البعض من التسلكات والتصريحات والممارسات من قبل الحكومة أو المسؤولين الحزبين الذين أنيطت بهم مسؤوليات كبيرة في الدولة بل تواصل في القرارات وسن البعض من القوانين المجحفة وعدم احترام استقلالية السلطات الثلاثة فنجد أن السلطة التنفيذية تتجاوز بقراراتها وأعمالها على السلطة التشريعية والسلطة القضائية وهذه التجاوزات أناطت اللثام عما يكتنزه البعض من المسؤولين حول الحكم المركزي الفردي وهو يضرب إطنابه في التوجهات الملموسة التي لمسناها وشاهدنا البعض منها في تصرفات الأجهزة الأمنية المرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة المتمثل برئيس الوزراء وما نراه ونسمعه من الشعارات والهتافات التي تبدو امتداداً للماضي حيث يجري تمجيد الفرد الواحد في الهتافات أو نشر الصور الشخصية لتحققنا أن هذه التوجهات ليست بالعفوية أو الآنية بل مخطط لها، وقد انتقدته الكثير من المؤسسات الإعلامية والمؤسسات التي ترى في مثل هذا النهج عبارة عن تمجيد الفرد الزعيم وهذا ما يتناقض مع مفهوم الديمقراطية والعمل الجماعي.

ملخص القول أن المتتبعين للأوضاع في العراق يرون بوادر العودة للقرارات الدكتاتورية فيما يخص التعيينات في المؤسسات الأمنية وبخاصة المخابرات وغيرها والإصرار على وضع الأشخاص الذين لهم الولاء الحزبي والشخصي في أماكن المسؤولية والتراجع عن الاتفاقيات التي تبرم بين الكتل التي تهيمن على السلطة وكذلك ما يطرح حول مفهوم الفيدرالية والحكم المركزي ومنظمات المجتمع المدني والتدخل في شؤونها الداخلية.

ان الديكتاتورية عبارة عن نهج عدائي يتسم بحقده على الرأي الآخر ويعتبر العنف أفضل وسيلة للتخلص من المعارضين ويؤسس فيها منذ البداية نمط الاعتقالات بدون أي ضوابط قانونية وتمارس الاغتيالات في ظروف معقدة والاستيلاء على المال العام وحصره بيد الفاسدين الذين يعيثون فساداً في أجهزة الدولة بدون رقيب أو حسيب إلا الطاعة للحاكم ويعادون المؤسسات التي تتبع المراقبة والمحاسبة التي تحاول تطبيق القوانين والتعليمات التي ترفض القرارات الفوقية التي تعتبر معادية للديمقراطية ومصالح الشعب والوطن، ولعل من المفيد تذكير من يتناسى وليس ينسى أن هذا الطريق يحمل مخاطر جمة مهما كانت الصيغ التي تستعمل لتمريره، ومصير الدكتاتوريات والدكتاتورين لم ولن يختلف بالكثير ولكل واحد منهما طريقة للتخلص منه وعند ذلك لن يرحمهم لا الشعب والتاريخ.




 

 

free web counter