| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

السبت 26/6/ 2010



حملة إيمانية بدون الكهرباء والماء والخدمات

مصطفى محمد غريب

إن الإدمان على المخدرات بما فيها الإدمان على الخمور تحتاج إلى معالجات علمية لأن الإدمان يدمر الطاقات البشرية ويدفعها إلى الانحلال وعدم الانضباط ويساعد على تفشي الجريمة بكل أنواعها بسبب البطالة والاحتياج ، ونجد أن المجتمعات التي تعاني من البطالة والفقر وعدم وجود فرص عمل يستشري فيها الإدمان ويقتل الرغبة الإنسانية في العمل والحياة، ولا يمكن معالجة الإدمان على المخدرات بالمنع القانوني الفوقي أو باستعمال القوة من قبل أجهزة الشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى ولا بالأوامر والقرارات والضغط وتخويف وإرهاب الناس أو محاربتهم في أرزاقهم بإجراءات تعسفية تتنافى مع لوائح حقوق الإنسان، ولا يمكن المعالجة بإصدار الأحكام القضائية بالاعتقال و السجن ولنا تجارب من بلدان كثيرة حيث كان العكس بزيادة المدمنين وإيجاد طرق ووسائل تفلت من كل تلك الإجراءات والحصار المفروض، كما لا يمكن معالجة الإدمان بالمواعظ الدينية أو التخويف بعقاب النار وجهنم لأن أكثرية البلدان الإسلامية تطرفا نجد فيها كل ممنوع مرغوب، ونكتفي بعدم ذكر الأسماء والأعداد وليس من السهل بمكان تصور أن تجارة المخدرات بجميع أصنافها وأيضاً الخمور تدار بشكل بسيط من قبل بعض الأفراد لأن خلفها عصابات ومافيا مرتبطة إقليمياً ودولياً.

وبما أن العراق أصبح تقريباً من البلدان التي انتشر فيها تناول المخدرات بكل الأنواع فهو يحتاج إلى معالجات جذرية وواقعية ومشاركة ذوي الاختصاص والوزارات والدوائر المسؤولة عن سلامة المواطنين صحياً ومنظمات المجتمع المدني وممارسة سياسة ثقافية إعلامية تبين مضار الإدمان ونتائجه التدميرية وليست حملات إيمانية على غرار ما فعله النظام السابق.

الحملة الإيمانية القديمة التي أطلقها نظام صدام حسين بقرار رقم ( 82 عام 1994 ) من مجلس قيادة الثورة المنحل وعلى ما يبدو أن القرار باقي إلى حد هذه اللحظة ويعتبر ساري المفعول ولهذا يتمسك ويستشهد به البعض من أعضاء مجالس المحافظات ويرددونه بين فترة وأخرى ولعلمكم هناك العديد من قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل يعتبرها البعض من الوزراء وعلى رأسهم وزير النفط قوانين يجب أن تطبق وان كانت بالضد من المصلحة العامة، أما القرار ( 82 ) فهو أصبح شماعة يعلق عليها أي عضو في أي مجلس محافظة لتطبيق الحملة الإيمانية بحجة الشريعة الإسلامية أوامره أو قراراته واكبر مثال لم يمر أسبوعين على طلب عضو في مجلس محافظة بغداد معين الكاظمي من المواطنين في الكرادة الخروج في مظاهرة ضد الأجهزة الأمنية والدوائر الحكومية واتهامهم بالتواطؤ مع أصحاب المخازن والمحلات التي تبيع المشروبات الروحية ولم يطلب هذا البطل الكاظمي الخروج والاحتجاج بالضد من الإرهاب وانقطاع الكهرباء وتلوث المياه وضد الأطفال الذين يتسولون وضد الفقر والبطالة والفساد ووو.. الخ

السيد محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق والحمد لله على سلامته حرض المحافظة على مطالبة مجلس القضاء " باتخاذ إجراءات قانونية حقيقية ضد أصحاب مخازن ومحال بيع المشروبات الكحولية " وذيل الطلب بعبارة" غير المجازة " لكن الحملة الإيمانية حسب التعبير الشائع قد تكون في مكان لا إيمان فيه وما دام والحمد لله الملايين تزحف على ركابها وبطونها والملايين تضرب صدورها والقامات تشق الرؤوس والتكايا تصدح لله والدراويش يذبحون القرابين والدفوف تضرب عبر الآلاف من الأميال والكنائس تعلو نواقيسها فلماذا الحملة الإيمانية تحت طائلة حجة الخمور ، ومتى كانت الخمور ( للعلم لست من أنصارها ) عائقاً أمام التطور والتكنلوجيا وحتى أمام الإيمان؟ لكن الذي ( تحت إبطه ماعز...الخ) يستصرخ لكي ينال المعلوم، والمعلوم في إجازة بيع الخمور وهكذا دواليك، يريد السيد المحافظ أن يغير القانون حيث يقول " القانون يقف بجانب المخالفين من أصحاب المحلات‘ حيث أن المخالف يحجز فقط عشرة أيام ومن ثم يطلق سراحه" فقط عشر أيام وهو يريد أن يحكم القانون بالسجن عشرة سنوات أو إعدام، ولماذا لا يطالب بالجلد على الطرق المتبعة عند المتطرفين دولة كانت أو منظمات إرهابية وهذا ما حدث في مدينة الفلوجة والرمادي فقد قاموا الجلد بالسوط للبعض بعدما عرضوهم على الناس، هكذا يظهر من كلامه واتهاماته لهيئة السياحة والموظفين بأنهم يتقاضون الرشوة وهناك فساد من قبلهم لكي يغضوا النظر عن أصحاب المخازن ومحال بيع المشروبات الكحولية ولو تابعنا ما حصل خلال الأشهر الثلاثة الماضية لوجدنا أن الأجهزة الأمنية كما أوردت الأخبار قد أغلقت الكثير من المحلات والنوادي الليلة إضافة إلى تعرض المحلات وأصحابها إلى التفجيرات وهجمات بالقنابل والاغتيالات بدون أن يطبق القانون بحق المجرمين الذين لا يهمهم تلك النوادي أو المحلات أو الكحول التي فيها بقدر قتل أكثر عدد ممكن يصلون إليه والا ماذا نقول عن تفجير وتفخيخ السيارات في الأسواق الشعبية والأماكن المكتظة بالمواطنين.

أن قضية غلق المحلات الغذائية بحجة الكحول بدأت تقريباً في محافظة البصرة وهذه العملية لم تكن وليدة اليوم فقد فرضت غرامات على أصحاب المحال والمخازن قدرها ( 5 ) ملايين دينار كما صدرت قرارات أخرى عام 2007 وقد ربطت القرارات جميعها بقضية " الإجازة " لكن باطنها هو توجه كما أشار إليه احد أعضاء المجلس " أن قرار مجلس المحافظة هو أحكام الإسلام" فما الفرق إذن بين المجازة وغير المجازة؟ وهنا تكمن العلّة.

بالطبع أن ظاهرة الإدمان على المخدرات وبضمنها الخمور آفة تنخر المجتمع وتدمر طاقاته وتحرفه نحو مسارات خطرة وعلى الرغم من الخطط والمعالجات المتنوعة لكن الظاهرة أخذت تزداد حتى في البلدان الرأسمالية الصناعية المتطورة ولأنه كما أسلفنا يقتل القدرات البشرية ويخلق فيها سلبيات مخالفة لقواعد المجتمع الأخلاقية والانحراف وإضعاف الروابط الاجتماعية فضلاً عن مسببات أخرى فالإدمان يسبب الكسل والنوم وغياب الوعي وبخاصة للذين لديهم آلام معينة وفي الوقت نفسه يعمل على تسميم الجهاز العصبي إضافة إلى النظرة السلبية للعمل وتفشي الجريمة المنظمة وغير المنظمة،إلا أن المشكلة لم تبق بحدود الخمور ولكن قبلها كانت ضد محلات الحلاقة وقتل أصحابها بعد تهديدهم بترك مهنتهم والهجوم على صالات السينما وكذلك محلات التسجيلات الغنائية فضلاً عن الاعتداء على النساء غير المحجبات ومنع اختلاط الطلاب حتى في المدارس الابتدائية.

إن مشاكل العراق السابقة والحالية لم تكن بسبب الخمور أو محلات التسجيلات الغنائية ولا محلات الحلاقة ولا دور السينما أو المسرح أو الاختلاط في المدارس أو السفور إنما في الأنظمة الحاكمة ونوع الحكم وحجب الحريات وعدم وجود ديمقراطية وتفشي البطالة والفقر والعوز وها انتم ترون المظاهرات التي عمت أكثرية المحافظات والتي تطالب بالكهرباء والماء وليس بالضد مما تدعون إليه في خطبكم وتحركاتكم ومساعيكم، حلوا المعضلات الاقتصادية والمعيشية وتوفير الخدمات التي تجابه أكثرية الشعب وعند ذلك سوف نرى!




 




 

free web counter