| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

الأحد 25/1/ 2009



محاولات للدخول إلى يوم المحشر

مصطفى محمد غريب

ـــ 1 ـــ
في رزمة هذا الزمن المتوحش بالغدر، تنام ذئاب القرية عند الأبواب، لا تبرحها، تأكل جيف الموجودات، تتأقلم قطعان الأغنام على مقرُبةٍ من ضوء القمر الشاحب، في شكلٍ تهريجي، حتى ترتاح من التجوالِ طويلاً، تبحثُ عن عشبٍ بين شعابِ الأرض الجرداء، الراعي الغائب من ضربةِ شمسٍ، يلبس درعاً من صوفٍ ابيض، لا يفهم في العلم، لا يفقه بالدين، لم يلمسْ امرأةً، ويراقب أفواه نساء القريةْ، تهمس أصوات القرية ــــ لا تسأل عنا، نحن هنا في الدرب حفاة، نحلم بالأقمار السبعة، وبحارٍ لا أصل لها في الخارطةِ الأرضيةْ، نغرق في النسيانْ، حتى لا نتعذب من هجران، أو من مكر النصابين،
هم أفاقون ودجالون،
لا أخلاق ولا دين لهم،
وحثالات رجالٍ في الحيلةِ منصوبين،
وجرابيع رثةْ، تتكاثرُ في جحر الأشواكْ،
كان الراعي يتلظى من همس نساء القرية، يعرف أن الهمس خبيثْ، الهمس المتراخي المغموس دسيسةْ، الهمس المجذوب من الأطراف، فالوحدة بئرٌ مغموسٌ بالزئبقْ، لا قعر ولا قاع لهُ، كان يتابع طول الوقت، من عمرٍ يركض نحو مغيب العمر، هذا اللقلق حط على مئذنة الجامع، منهمكاً يضرب منقاراً يفتح شرخاً في الذاكرة المرعوبة، تتبادل أنثاه الموقع، تتحجل حتى لا تتّعب، وترف جنحاً واحدْ، الرجل الواقف عند جدار الجامع ، متحفز للتصريح ، متيقظ دوماً، متلصص أفواه النطق، يقرأ في الأعين، يعطي أدعيةً، الراعي يتحاشاه، يقلقه التحديق اللامرئي، لا يخشاه ويخشى نزف نزوح الروح، يتلفت في الغيم القادم من ناحية الشرق، الغيم القادم من خلف القمة، غيمٌ لا يمطر، إن أمطر لا ينفع زرعاً، هذا التخمين من الراعي " لا يمطر أو يمطر لا فرق"
لن تزهر أرضْ،
وتجف الأعين،
سيمر سحاب قاحلْ،
وسخام حادْ،
لا نقطة ماء تنزل،
ستجف الأرحامْ،
تنفق كل دواب الأرض،
يأتي زمنٌ يهرب منه الناس، زمنٌ في غيمٍ متطرف، همجٌ في الأصقاع، والأبواب على ألوان الأتربة ألحنيةْ، تغلق منذ الفجر، حتى منتصف الليل، لا أشواق هنا، وتنام ذئاب القرية في حجر الأصحاب، وتطوف عليهمْ أحلام اليقضة، في القرية نوحٌ يستيقظ مذعوراً من صوت هدير، ثم ينام ويشخرْ،رجل ألهَمَهُ الصوت، وغناءٌ لا يطربْ، قيثارٌ يرطن بالغيبِ، تحمله ريح الملح القادم من صوب المقبرة، الجدول علمٌ في نوع العطشِ، والبحث عن الماء يكاد كما الحرث هواءْ، الرجل الواقف قدام الباب ــــ الرعي المقصود, بال على الكلب فلم ينبح، والراعي يتحصن في الدرع الصوفي، فأجاب الراعي
ـــــ إن بلتُ على الكلب وصار عقيماً، في الزرع بقايا ضرعٌ يلبس ثوب الشيطان، لا يلبس صوفاً مثلي، رأس الكلب على مقصلة التأجير.
قالتْ امرأةٌ ـــــ الشيطان الإنسان، الإنسان الشيطان، لا يغني من جوعٍ، ويزيد الحاجة، الأحجار زوايا أقوام مرتْ، كتبتْ تاريخ، مسحتْ تاريخ، خدعتْ تاريخ، ورثتْ تاريخ، وتواريخ من هليونٍ زورها العنوان، والأرض هدايا من نارْ، والأنهار خروج الأحياء من الأنفاق، وذئاب القرية لا تبرحْ، تنتظر الفرصة، الفرصة لا تأتي تكراراً، ومصادفة القانون الأول، من ينتظر الفرصة؟ الشيخ القائم في المحراب، وأنا في ركن البيت، الكلب العاقر بالقانون، الذئب النائم في حضن الأحباب، الراعي المغموس بنار الصوف، أو بالقمل الأسود؟ نوح المربوط إلى نخلة، نخلٌ عيط، لم يتحدث شيخ الجامع عن يومٍ محدود ، قال ـــــ الدنيا حشرٌ، والماء المالح قادمْ، وقبائل مخدوعة بالأصوات ، الركض حفاة، واللطم عراة، لا موسيقى تعزف، شررٌ من طبلٍ أجوف، تسقط في وسط الأقوام العزل قال الراعي ذو الدرع الصوفي
ـــــ وأنا ما ذنبي؟ فإذا كان القوم الندابين على موت منسي، وبقايا جثث تتحرك في بطئٍ محدود، الناس الناس الناس ..... ومقاصل منشورة في يوم الحشر،
قاطعه شيخ الجامع منتصراً، لقبائل جاءت لغة الأرقام، لقبائل مهزومةْ، زحفٌ وعثور ، أقدامٌ ونذور ، ونفوسٌ تسقط مهضومة، مثل العطش الصحراوي، جرداء من الفكر وجرداء الروح، وأشار الشيخ بعينيه، وضع اليسرى فوق الصدر، واليمنى كانت فوق الرأس ــــ يا قومي أصحوا، الضجر القادم قاحل، ودمٌ يغلي في الموقد، ورعافٌ جاري، لا حل له إلا بالموعد، والتحليق محاولة أخرى، قد تنفعْ، أو لا تنفعْ.. نوح المربوط إلى نخلة عيط، أصبح أخرس أطرش أعمى،
كانتْ امرأة تلحف شمس الظهر، في يدها محراث معْوج الجبهة، واقفةٌ تتسمع ، قالت
ـــــ يا شيخ الجامع ، قومي عجزْ، عن فعل الحركةْ، زحفٌ وصريخ، انظر هذا المحراث، لن يحرث أرضا لكني أتمسك حتى الموت بهِ، التحديق محاولة مرصودة، قال الراعي
ـــــ لن اتعب، مادام لساني حراً، سأقاوم ذئب القرية حتى بالتحديق قالت ـــ إن أنت رأيت الجمع الزاحف نحو الشرق فقل تلك علامةْ، قال الشيخ ـــــ والغرب الأقصى يحتاج نَداما، ولهذا كانت خطوات القوم ثقيلة، تتعثر بالحجر المصلوب على الباب، لكن تلك حكاية، وحكاية أخرى تعني ، أن الأبواب العلات، أبواب سجونٍ رقطاء، لتنام ذئاب القرية ، والناس جميع الأجناس قيام، من شرق الغربة ، وغرب القرية، وشمال النهر،طرفاً عند جيوب الجبل الخلفي،
أقوامٌ ماتتْ،
أقوامٌ ولدتْ،
أقوامٌ قدمتْ،
أقومٌ رحلتْ،
وكما تبدو أنت الباقي المرسوم على الجدران، وجدار الديوان، الأقوام المرهونة بالزحف، والسبع الجاثم فوق الجثةْ، سبعٌ فارغ، لا أنياب لهُ، ليس لهُ مخلبْ، قالت ـــــ لن نرجع في دنيا متخحة بالتفسير فقط، شدّتْ أطراف الجفنين وناح الشيخ طويلاً،
أقوامٌ تأكل أقواماً،
أقوامٌ تسلخ أقوماً
أقوامٌ عزلْ،
أقوامٌ تبحث عن مأوى,
أقوامٌ تبتلع الريح،
المحنة لا تكفي، حتى يتراضى الناس، المحنة تقتل في الناس الإحساس، المحنة في المعيوب، تظهر في وجهٍ آخر.

ـــ 2 ـــ
قَدَمتْ امرأةٌ من خلف التل، ذابلة العينين، ضامرة الخدين، يابسة البطن، حافية القدمين، ولها نهدين طويلينْ، وجه حرقته طقوس الصيف الحار، يدها اليمنى معوجة في التنور، واليسرى مثل المذراة الحنطية، قالت زاعقةً ــــ الزحف الحالي، لن يبقي فينا أمل يرجى، الحشر سيدخل فينا الترتيب، فتراث الأمة لن يجدي، وتراث الأجداد هباء، كل تراثٍ لا يتواصلْ يصبح عنقاء، وفراق في الأرقام، والكبوة في الزحف القادم عنوان، وبنات قرى التهجيرْ، في الرايات نزوح المشوار، لن تسلم امرأة من إجهاض قادم، ورجال العفة في المشوار ضحايا التكبير، وثرايا تسقط من علين، وقوافل مرعوصة، رؤيا ويباس، وقرى مهجورة ، لا تسكنها الأقوام، ، لم يسلم هذا الحشد المتداعي، ضل طريقاً، وانتزعتْ منه إرادته، وتفشتْ فيه الأمراض، ونزوح ، وكأن قبائل مختلفة، صارتْ مثل الأشجار المفطومة مِن ماء، رؤيا وهروب، نامت في البحر شكوك، الشك قياس الألفة، ونزوح.. كيف يرى الشيخ كوابح صوتية، يُضحك لا يُبكي وقبائل تبحث عن موأى، تَبكي لا تَضحك ، وقبائل تأتي زحفاً، تَبكي لا تَضحكْ، وقبائل تجلس في الظل، الظل هو المؤوى، تَضحكُ من ضحك الشيخ ، التفت الشيخ لردم الفتنة ـــــ ها نحن ، البرد يمضغ أطراف أصابعنا، نَبكي لا نَضحكْ ، نَضحك لا نَبكي، المحنة مطلوبةْ، الثمن المطلوب ملايين من الأقوامْ، لنْ تصحو، ولتبقى الأمة، أشلاءٌ، أمواتٌ، أو خرفان العيد، القوم على مرمى حجر من إبليس، إبليس الكامن في الصورة، في ساعات الرزمة، وقبائلنا نحو البحر، محرومةْ، لن ينشق البحر، وقبائلنا نحو الحشر ، موسومةْ، الحشر بلا جنة، النارْ، النار وآخر في المشوار، قال الراعي ـــــ ورضيع الإبل، من كان على علمٍ بالأعلام، ودينك ديني، وقومك قومي مأخوذين، والرهبان على مقربة من بيت القدس، جوراً، هدموا البيت، أقاموا السور، وبقاء الهذيان، صلوات مهمومة، رد الرجل الواقف قدام القلعة ــــ أدراج أسماء الباعة، مَنْ باع الوجدان؟ مَنْ ينكر أن الأرض عطاء؟ مَنْ يمكر مكريين ويعبد أوثان التقديس؟ صنم من تمر في شق عراق الملح، صنمٌ من أشلاء عراق الألم المضني، ورحيل، ونزوح، وركوب البحر، والسفن الطيارة، وظهور المنفى، وقبائل تصرف وقتاً أطول، لنزوح يومي، لنزوحٍ موهوم، لنزوحٍ نحو اليوم الموعود، أمحاولةٌ أخرى في الحشرِ.

ـــ 3 ـــ
الرجل القادم من ماضي التاريخ ـــــ نحن كما كنا، يا امرأة من طين ، وجهاً نالت منه الأيام، وطنين الرحلات، وجلسنا قدام الرب، ورضعنا من علقم، وبقشر الرمان، عالجنا جرحاً غائر، حتى العظم كسوناه رحيل، يوم الأزمات، وصراخ الأولاد طنين، ووقود ْ، وظلال القادم من ريح تعصف بالثالوث بعيد، ظلتْ في الركن المظلم مهملة.. لم يعرف شيخ القرية أن ذئاب السفرة عند الأبواب نيام، لكنْ.. بعيونٍ مفتوحة للنصف،
كان يراهن بالقول على نصرٍ في لغة التهديد،
نصرٌ مرهون
نصرُ موهوم
نصرٌ خاسر
نصرٌ كاذب،
نصرٌ تلفيقْ،
وإذا الحجة كانتْ في القول بأن حماة القوم لصوص، ومصابين بداء الكلب، يحتالون وجوهٍ مقلوبة، مَن يقتص من اللص إذا كان القانون سراب؟ والقوّالون على الأفواه قيامْ، ويخطون شعاراتاً ثوريةْ، والقوادون على النصر كلاب مبحوحة "النصر لنا" ونزوح، وهروب، "النصر لنا" قالت امرأةٌ ــــ التدقيق محاولة مرسومة قال الشيخ ــــ التحليق محاولة فردية، قال الراعي ــ كل محاولة لن تجدي، فذئاب القرية عند الأبواب، لا خارج لا داخل، ظلت جمهرة تتسمعْ تسأل أعمى قلب ــــ ما هذا الصوت؟ صوت المدفع، أم صوت الرعدِ؟ هذي مدن محبوسة، أجساد معطوبة، من قال التحويل حزاماً؟ مَن منا يدخل يوم الحشر بلا استجداء؟ ما كان الوقت المستعجل أن يفعل فعل المنكر فينا، ونغيب عن الماضي، يتعطل فينا الحاضر، وشروق المستقبل كماشة، وشعاب الذاكرة المركونةْ، قطعة زيتٍ تطفو فوق الماء
قطعة زيتٍ تمشي فوق الماء.
مَنْ يأتي بعد الطوفان؟
مَنْ يعبر بيت الأشجان؟
مَنْ ينسى صوت السجان؟
قطعة زيتٍ تتكسر فوق الماءْ،
القرية أبواب مُحْكَمة، الشيخ الراعي، الرجل الساكن في الأبواق، ونساء القرية في الطابور، القومُ زرافاتٌ في التدجينْ، من يبحث عنهم؟ أرجال أنتم؟ أنساء كُنَ على مقربةٍ مِن مقصلة الوقت، مَنْ يسأل نفسه؟ كيف هي الدنيا ، يا امرأة من طين مفخور، يا رجلاً من قصدير متفحمْ، كيف هي الدنيا؟ في حال سعير، أطنينٌ هذا أم صوت رنين؟ وتنام القرية في صحنٍ من لحمٍ مشوي، والحشر على الأبواب، وذئابٌ رجعتْ، وكلابٌ في الظل تنام، ومحاولة أخرى، يرحل مَن في الطنبور، بحصانٍ أعرج، والبوق يدق، ومحاولة أخرى تهرب منهم يوم الحشر، فلا مهرب.. أيكون المهرب في التحويل؟.. أم في التحوير؟ أيكون المهرب في دق الإسفين؟ لن يدخل منكمْ لا رجلاً، لا امرأةً يوم الحشرِ، والأطفال عبيد التدقيق، قد يأتي يومٌ، ومحاولة أخرى ذات الوقت، وسؤال مبهم ـــــ مَنْ يخرج؟... مَنْ يعرف؟ لكنْ.. نوح المربوط إلى نخلة عيط..ما زال الأخرس والأطرش والأعمى.. مَنّْ يعرف! نوحٌ يسمعْ! أو ينظر! أو ينطق! أو يصرخ من ضجر العزلة!.. ومحاولة أخرى، مَنْ يخرج؟.. مَنْ يعرفْ؟ فليتقدم بالبرهان. قال الصوت المحبوس
ـــ قطعة وجهٍ من وطني تأكلها الديدان، والباقي يتقسم للشيطان، يا قومي اصحوا،
يوم الحشر قريبْ
يوم الحشر رقيبْ .....



10 / 1 / 2009


 


 

free web counter