|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس 24/5/ 2012                               مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

آفاق دعوة الكتل السياسية في بيان رئاسة الجمهورية

مصطفى محمد غريب

لابد من الإشارة أن البيان الذي أصدره مكتب رئيس الجمهورية يوم الخميس 17/5 / 2012 وما حمل من نقاط هو سعي آخر لإيجاد حلول ممكنة للازمة التي تعصف بالكتل السياسية والعملية السياسية، وفي الوقت نفسه وليس بمصادفة أن يقوم رئيس الجمهورية بدوره لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء فقد دأب دائماً إلى إيجاد حلول ترضي الكتل المتصارعة بشكل حيادي نسبياً على الرغم من انه من التحالف الكردستاني، إلا ما يؤسف عليه أن البعض من القوى السياسية صاحبة القرار تتلكأ أو تحاول عرقلة هذه الجهود لحل الأزمة الراهنة وهي أما تخفي ذلك أو تختفي خلف تصريحات وإصدار بيانات وكأنها مع الجهود المبذولة للصالح العام لكنها في الواقع تُبث من خلالها سموم المصلحة الحزبية أو الفتنة الطائفية أو القومية الضيقة وتسعى بدلاً من التقارب وردم الهوة بين الكتل المتنفذة صاحبة القرار تعميقها وتوسيعها وهذا ما يُسهل عرقلة إي مبادرة تهدف لإيجاد مخرجاً للازمة السياسية التي تمر بها البلاد، وهذا ما حصل للعديد من المبادرات والمشاريع الوطنية، وكذلك بالنسبة لرئيس الجمهورية جلال الطلباني وتحركاته ولقاءاته ومبادراته ومحاولاته تقريب وجهات النظر السياسية، إلا إن الاعتقاد السائد بأن الجهود المبذولة لن تحقق المرجو منها ففي هذا المجال وبدلاً من وقف الحملات الإعلامية والتصريحات الاستفزازية فقد ركب العناد رؤوس البعض فإذا بهم يتبارون في خلق المزيد من المطبات لإفشال المبادرة أو أي مبادرة ممكنة، وعلى الرغم من المخاطر التي تحيط بالبلاد والمخاوف من تمزق الوحدة الوطنية فهؤلاء يوغلون أكثر فأكثر وكأنهم لا يملكون الشعور بالمسؤولية وبخاصة أطراف النزاع والخلاف والتقاتل على المراكز والمناصب في السلطة، ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي والقائمة العراقية بقيادة علاوي والتحالف الكردستاني، وتتصدر هذه الخلافات ملفات تتعلق بإدارة الدولة واتفاق الشراكة وفردية القرارات والملف النفطي وغيرها من الملفات التي تواجه هذه الكتل.

إن البيان الذي أصدره مكتب رئيس الجمهورية ووضع فيه رؤيته لحل الأزمة لم تكن نقاطه بغريبة على المتابعين، ساسة ومثقفين وأكثرية أبناء الشعب فقد تسلسلت ما يشابه هذه النقاط في مبادرات أخرى تطالب بإلحاح الجلوس بين الفرقاء بدون شروط أو اتهامات ومناقشة ما يمكن الاتفاق عليه مبدئياً للوصول إلى قواسم مشتركة تستطيع من خلالها إعادة الثقة بين هذه الأطراف المتناحرة وتجنيب البلاد مأزق الانشقاق والتفرقة بين مكونات الشعب، وقد يلاحظ قارئ النقاط الثمانية التي حملها البيان ومقدمته الصغيرة التي أشارت إلى الالتزام بالدستور مع ضرورة توفير الأمن والاستقرار ودعوة جميع الأطراف لجعل مصلحة الوطن والمواطنين فوق أي مصلحة وبالتأكيد يعني المصالح الشخصية والحزبية والطائفية، وفي أول نقطة أكد البيان على وقف الحملات الإعلامية المتبادلة وتبعها التأكيد على اعتماد الدستور ثم على مبدأ الشراكة الحقيقية وعن استقلالية المنظومة الانتخابية ثم تلتها القضايا المهمة التي تهدف إلى تقارب وجهات النظر السياسية وإنهاء الخلافات والانقسامات والوصول إلى حلول لإنقاذ العملية السياسية من الانهيار مما يؤدي إلى صراعات طويلة الأمد لا تحمد عقباها، وبهذا أزاح البيان ورأي رئيس الجمهورية اللثام عن محور الخلافات وتحديدها مما يجعل المرء يدرك منذ أول نقطة وحتى نهاية البيان أن هناك قوى حقيقية تحاول إلغاء الدستور وتجميد العمل في الاتفاقيات بين الكتل ليتسنى لها تمرير ما تريده بدون الاهتمام بالمصلحة العامة وتغليب المصالح الذاتية والشخصية وهذا ما يشكل خطراً على الجميع بدون استثناء حتى على أولئك الأغبياء الذين يتصورون بأنهم ناجون وسيربحون بإزالة أو إلغاء الطرف الآخر والعودة إلى الوراء بما يحقق لهم ضرب التوجهات الديمقراطية لبناء الدولة التعددية الاتحادية.

و لعل ما يثير فعلاً حنق المخلصين اللامبالاة من قبل ائتلاف دولة القانون وإمكانياتها للتخلص من الركود ودفع الحراك السياسي خطوات للإمام بدلاً من التعنت والاستفراد وعدم السماح بتقديم الملاحظات والنقد للأداء الحكومي الرديء، وليس هذا فحسب فإنها تستطيع تغليب مصالح البلاد على المصالح الضيقة مثلما هو حال القائمة العراقية والتحالف الكردستاني اللذان يتحملان جزء من المسؤولية أيضاً، وعندما نتحدث عن المبادرات الكثيرة والدعوات المخلصة للجلوس على طاولة الحوار وعدم المراوغة والتضليل إنما نعني بأن مصلحة الوطن هي الأساس ولكن وبعد مرور سنتين والأزمة تتعمق والخلافات بدون حل مما أثر على مجمل الأوضاع، فضلاً عن نمو نوع من التوجهات الانفصالية وان كانت جنينية لكنها قد تستفحل إلى مدى ابعد مما هي عليه في الوقت الراهن.

ان الأوضاع السياسية لا تبشر بأي آ فاق للتوصل إلى الوفاق الوطني ما دامت المنافذ مغلقة أمام قيام حوار وطني جاد ووضع بيان مكتب رئاسة الجمهورية وما اتفق عليه في اربيل مرتين والنجف على طاولة الحوار المشترك الخالي من الشروط إلا شرط واحد الالتزام في التنفيذ والتطبيق وإعادة الثقة لاستكمال بناء الدولة وترسيخ مفهوم الديمقراطية وتبادل السلطة سلمياً دون التجاوز على الدستور، وليس من الخطأ الاعتراف بالأخطاء لتبديد الشكوك والاستماع إلى الشكاوى بروح المسؤولية فضلاً على تدقيق المطالب المشروعة للأطراف السياسية حتى تلك التي خارج التوافق الحكومي، وما دام المالكي قد أعلن تأييده الكامل لبيان الرئاسة وبنوده الثمانية وحسب الأنباء المتواردة من اجتماعه برئيس الجمهورية فعليه القيام بخطوات عملية لإعادة الثقة مع حلفائه والإسراع في حل المشاكل المتعلقة بينهم والتسريع في أنجاز القضايا المعطلة والتخلص نهائياً من التصريحات المتشنجة وتبادل الاتهامات كما تقع على عاتق الأطراف الأخرى إبداء الموقف الواضح من البيان والسعي لإنجاح جمع الكتل على مائدة الحوار بعد الموافقة على ما جاء في البيان بشكل أولي.

إن التطرق إلى جميع المعلقات ومناقشتها دفعة واحدة لا يمكن أن تفضي إلى التفاهم المطلوب، ونجد أن البيان سوف يمر مرور الكرام ولا يمكن ان يكون البديل الفعلي لمقترح عقد المؤتمر الوطني السابق الذي أصبح في موال قديم لا يتناسب وحجم ما وصلت إليه الأمور، ونعتقد أن الحل الامثل تقريباً وبعد فشل مهمة البيان المتوقعة التوجه لإجراء انتخابات مبكرة إذا بقت الحوارات تدور في حلقة بيزنطينية أو في الصراع الذي يريد البرهنة على ايهما الأول " البيضة أم الدجاجة أو العكس " ومن هنا يبرز مطلب الحوار الوطني البناء الذي يجب أن يجمع جميع القوى المتصارعة بدون أي استثناء أو إبعاد على قاعدة ذكرناها في بداية المقال بدلاً من إضاعة الوقت والتهديد بتعليق الدستور وهو تهديد فارغ ووهمي أو الذهاب إلى حكومة الأغلبية وهي حسب المثل " نفس الطاس ونفس الحمام " لن يتغير إلا مرحلة من الأسماء والوجوه واستمرار الأوضاع بالتدهور في جميع مرافق البلاد.

ان المسؤولية التي أكدنا عليه منذ البداية تشمل الجميع ولكن بمفردات أصحاب القرار وفي مقدمتهم رئيس الوزراء نوري المالكي وائتلاف دولة القانون باعتباره المسؤول الأول في السلطة التنفيذية وعليه أن يكون أكثرة مرونة وتفهم بدلاً من المواقف المتشددة والقرارات الفردية التي لا تخدم مصالح العراق وإلا سيستمر الصراع وتعطيل عمل الحكومة والبرلمان وبهذا ستتوصل الأكثرية إلى طلب سحب الثقة منه وإبعاده عن رئاسة الوزراء ولا يتصور أو من معه ان ذلك صعب أو مستحيل ففي العمل السياسي على الساحة العراقية الكثير من التقلبات والتغيرات.

 

 


 

 
 
 
 
 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter