| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

الأربعاء 24/12/ 2008



هل العلّة في السينما باعبتارها شر ومفسدة ؟

مصطفى محمد غريب

شهد عام 2008 العجيب من بعض الفتاوى وهذا لا يعني أن الفتاوى بدأت به لكن الفتاوى التي صدرت في هذا العام لها طعم مميز عما سبقها من فتوى وتداخلت في كل كبيرة وصغيرة وحاولت مثلما يظهر إعاقة أي مشروع للحوار حول صلاحيتها وتعايشها في ظروف انطلاقها واعتبرت أي حوار حولها كأنه خروج عن الشريعة والدين وبالعكس فالبعض منها جعل الناس تتندر وتعزف ليس عنها بل عن أية محاولة لغلق باب التطور نحو آفاق علمية وعصرية تخدم المجتمع ليس الإسلامي فقط بل الإنساني أيضاً ويحس المرء بعد كل فتوى من هذا النوع الذي يقف حجر عثرة أمام الانفتاح واستقبال الجديد في التطور وبخاصة الذي يخدم مصالحه بنوع من الحنق والرفض يصل إلى اعتبار الدين والشريعة أس البلوى وكأن ذلك هو الهدف الذي يراد تحقيقه لأن الفتاوى لا تميز ما بين المفيد والمقبول وبين المرفوض والغريب كما دفعت الأكثرية للتفكير بشكل مستقل بعد تبلور الوعي الاجتماعي وإطلاعها على ما يجرى في العالم فوجدوا أن هؤلاء الذين يفتون بشرٌ مثلهم جعلهم الزمن في غفلة من الناس أمراء في الدين أو حكماء يفتون بما يناسب منطقهم وعقلهم ورؤيتهم وكلما وجد هؤلاء أنفسهم في ورطة مع التطور والعلم وعدم وجود ذهنية تقدم حلولاً منطقية بإبعاد الدين عن السياسية بل بمحاولاتهم زج الدين في السياسة لمصالح خاصة تستغله وتربح من خلاله المال والسلطة خرجوا بفتوى وهي تبدو قاطعة في أكثر الأحيان وفي تصورهم أن الناس كل الناس وبخاصة المسلمين سوف يلتزمون بها لكن ما أن يمر وقت قصير حتى تصبح الفتوى خارج الزمن والتاريخ وكأنها لم تكن فلا الناس طبقتها ولا المفتي أرادها أن تستمر فانزوى وتراجع عنها صامتاً لأنه أحس بتقاطع فتاواه من قبل أكثرية الناس .
إن داء معاداة التطور العلمي والوقوف بالضد من أدواته المعرفية عملية مخالفة لأسس التطورات التي حدثت وتحدث في مجالات عديدة تمس حياة الناس فكل شيء ممنوع إلا الذي يوافق عليه المفتي هو مرغوب من قبل جمهرة واسعة من الناس وبالتالي فسنن الحياة الاجتماعية والوعي الاجتماعي الذي يتطور كحلقات حلزونية من الأسفل إلى الأعلى يراه متخلفاً ومعوقاً تلغيه عملية التطبيق الفعلي فإذا الفتوى قيلت في مجال معين ولا تطبق أو يلتزم بها الكثيرون فذلك يعني أنها أصبحت كحبر على الورق وهذا ما تحقق من خلال إطلاق عشرات الفتوى لكن أكثرية الناس نفروا عنها ووجدوها غير مناسبة في الظروف الراهنة فأهملوها وكأنها غير موجودة، وفي هذا المجال بالذات نلاحظ الفتاوى التي أصدرها ويصدرها البعض من شيوخ الدين في السعودية تدعو للاستغراب والتساؤل الاستغراب يأتي في المقارنة بينها وبين ما هو سائر وناجح في حياة المجتمعات الأخرى وبخاصة الإسلامية ولم يؤثر في اعتقاد الناس أو يلغي إسلامهم وتبقى قضية العلاقة بين الدين والإنسان ذاتية تخصهما، أما التساؤل على ما يظهر لم يستفيد الذين ما زالوا يركبون بغلة الجهل بأن بعض ما يدعون له لا يتلاءم مع التطورات الجارية في مجالات كثيرة ومنها الثقافة والفن كما لا يتلاءم مع تلك القوانين التي سنت من اجل الحقوق والحريات وبالأخص النساء فالذي يتابع هذه الفتاوى يجدها تتعارض مع مطلقيها لأنهم تماشوا مع التطورات التي حدثت في الثورة المعلوماتية السمعية والبصرية فهم خلال ثواني يرون فتواهم قد وصلت إلى إطراف العالم بواسطة الانترنيت والفضائيات وغيرهما بينما في السابق تطلق الفتوى وتموت في حدود المقاطعة أو المدنية التي يعيش فيه المفتي أي لا يمكن أن تعبر حدود بلد معين إلا بعد انقضاء شهور أو بعد سنين وهنا تصبح بدون فائدة تذكر كما أن التطور والبناء في مجالات عديدة في السعودية يثبت أن ركوب المارسيديس والطائرات العملاقة الحديثة أحسن مليون مرة من ركوب الجمال والحمير والسكن في شقة مكيفة بالتكييف الحديث وبخاصة في صيف السعودية الحار أفضل مليون مرة من خيمة الشعر وهكذا دواليك.
الفكرة أو ناقوس الخطر الآن دق ضد السينما في السعودية وقد سبقها الفضائيات ومالكيها حيث أفتى الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية " جواز قتل ملّاك القنوات الفضائية " أما السينما فهي هذه المرة جاءت من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعروفة والتي تعتبر تقريباً مؤسسة أمنية تلاحق من تراه خارج عن توصياتها وسياستها في المجتمع السعودي وهي وجدت فرصتها بالضد من الفيلم السعودي " مناحي " الذي يعرض في مدينة جدة وقد لاقى إقبالاً كبيراً من قبل الرواد على الرغم من فصل الرجال عن النساء في القاعة حيث أشار رئيس الهيئة الشيخ إبراهيم الغيث في محاضرة ألقاها الأخير " نحن نرفض السينما وهي شر وفيها مفسدة، ونحن نسمع الآن عن عرض فيلم في جدة وكلنا يعلم أن السينما لا خير فيها " لكنه تراجع عن ذلك ليعدل الموقف بتصريح أطلقه يوم الأحد 21/12/2008 وأشار انه ليس بالضد من الأفلام السينمائية إذا كانت تدعو إلى الخير ونحن ندرك أن الخير المعني في نظرهم يختلف عن الخير في نظر أكثرية المواطنين فالخير عندهم مقدس متعالي بدون شوائب ولا يمكن أن يمس أو حتى إعطاء رأي حوله بينما الخير عن الأكثرية ضلالة وشر ورجس من عمل الشطيان يخالف الشريعة ويجب إن يحارب ويغير إلى خيرهم الخاص ويعني بذلك رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ إبراهيم الغيث يطالب بواجب عرض الأفلام عليهم أولاً وحسب رؤيته بضرورة استشارة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكنه لم يستطع تحديد رؤية المواطنين السعوديين أو مشاهدتهم الفضائيات التي تعرض الأفلام وأجهزة دي في دي وسفرهم إلى الأقطار العربية التي فيها العديد من دور السينما؟ فليس من المعقول أن يفتي بحرمانهم من دخول السينما هناك وهي تعرض على الشاشات الكثير من الأفلام التي يراها الشيخ بأنها شر ومفسدة لأنهم لم يستشيروهم حتى يؤذن لهم ، كيف سيستقيم الأمر والعالم يتجه إلى اكتشاف الفضاء ويرسل عشرات المركبات والأقمار الصناعية وفي جعبته مئات الاختراعات والبعض يريد منا أن نزحف ونلطم ولا ندخل السينما أو نسمع ألاغاني أو قراءة الكتب الممنوعة بوجهة نظرهم وقد يكون المطلوب العودة لركوب الجمال والحمير ولله في خلقه شؤون.
 

free web counter