| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

 

الثلاثاء 24/10/ 2006

 

 

الجيش القديم وعقدة تسليح الجيش الجديد والقوات المسلحة العراقية

 

مصطفى محمد غريب

عندما أعلن الحاكم المدني الأمريكي بريمر بعد الاحتلال حل الجيش العراقي صدرت بعدها اعتراضات ومقاطعات وأشارت بعض التحليلات منها بأن حل الجيش بهذه الطريقة الدراماتيكية وبدون دارسة مستفيضة للواقع الاجتماعي أدى إلى زيادة وتوسع الأعمال الإرهابية وانتشار العنف وتعميق أزمة الوضع الأمني، وقدمت ملاحظات منها: كان من الضروري إبقاء الجيش القديم وأجراء تبديلات في قيادته وبخاصة أولئك الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين أو الذين كانوا مساهمين فعليين في قضايا الحروب واستعمال الأسلحة الكيمياوية أو من القياديين في حزب البعث الصدامي، وقد تصح بعض الاستنتاجات في قضايا زيادة العنف وانخراط قسماً من الضباط والمراتب في بعض التنظيمات التي تدعي بأنها مقاومة للاحتلال أو حتى بالانتماء لمنظمة القاعدة في العراق لكن الحقيقة أن عشرات الآلاف من أفراد الجيش السابق أصبحوا عاطلين عن العمل بهذا الشكل أو ذاك بعد حل الجيش، إلا أن الذي غاب على الكثيرين من المحللين بان الجيش القديم وبدون قرار الحاكم الأمريكي قد حل نفسه مثلما رأينا أثناء سير المعارك الحربية وبعدما سقط النظام وأصبح العراق تحت طائلة الاحتلال وبقرار دولي صدر من مجلس الأمن تحت رقم(1484 ) وهو لم يكن بحاجة لقرار الحاكم الأمريكي بريمر لأن الجيش أصبح بحكم هزيمته مجموعة من الأسرى وان لم يحتجزوا عند جيوش الاحتلال وبخاصة الأمريكي والبريطاني ووفق القوانين العسكرية المرعية في جميع العالم أن الأسير أو الأسرى مهما كان عددهم فهم يسرحون فوراً من الخدمة العسكرية ومن هذا المنطلق تبطل حجة المطالبين ببقاء الجيش القديم قانونياً فأي ضابط مهما كانت رتبته أو أي رتبة عسكرية أخرى حتى لو كان مسلكي يعتبر مسّرحأ حسب القواعد والقوانين العسكرية ولو رجعنا إلى التاريخ العسكري فقد نجد أمثلة عديدة حول ذلك وفي مقدمتها اسر عشرات الآلاف من القادة والضباط والجنود الألمان في الحرب العالمية الثانية أثناء وخلال سقوط الحكم النازي العنصري من قبل الجيش السوفيتي وكذلك باقي جيوش الحلفاء وحينها اعفي جميعهم من العودة إلى الجيش أو أي مؤسسة عسكرية وقدم القليل القليل منهم إلى المحكمة الدولية تحت طائلة مجرمي الحرب والابادة البشرية ، لكن في حالة مثل حالة العراق كان المفروض معالجة ظاهرة تسريح الجيش بشكل آخر أكثر إنسانية وخدمة للوضع الجديد وبخاصة إيجاد حلول وقتية سريعة للأوضاع المعيشية التي استجدت لعشرات الآلاف من العاطلين بعد التسريح أو قرار الحل المذكور.
هذا هو حال الجيش القديم وظروف حله، أما الجيش الجديد وهنا الطامة الأخرى الذي بدأ تكوينه فقد اعتمدت أساليب روتينية وبيروقراطية بدون الالتفات لعامل الزمن والتهديدات الخارجية والتدخل في شؤون العراق الداخلية بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية المضطربة واستغلال الفراغ الذي حدث بعد حل الجيش والشرطة من قبل المنظمات الإرهابية والمليشيات المسلحة، وتشكلت الأفواج والفرق والفيالق حتى قيل أن تعداد الجيش والشرطة وصل إلى ( 500 ) ألف ولم ينف أي مسؤول في وزارة الدفاع والداخلية هذه الأخبار إلا أن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة الأمريكية قدر عدد القوات الأمنية( 298 ) ألف شخص وانه يتوقع أن يرتفع خلال العام الحالي إلى ( 325 ) شخص، إلا أن العجيب في الأمر نجد وكما أعلن من قبل المسؤولين الحكوميين باختراقات واسعة للجيش والشرطة من قبل أتباع النظام السابق أو المنظمات الإرهابية أو من قبل المليشيات التابعة لبعض الأحزاب الدينية التي تقود الدولة، أما الطرف الآخر هو بقاء هذه القوات بدون أسلحة ثقيلة وحديثة مثل المدرعات والدبابات والمدافع وغيرهما وبقت تسلح بالأسلحة الخفيفة والسيارات العادية على الرغم من مرور أكثر من سنتين ونصف في المباشرة الفعلية لبناء القوات المسلحة العراقية المركزية لا بل وحسبما أشير أن قوات المليشيات المسلحة غير القانونية تمتلك أسلحة متطورة أفضل من تسليح الجيش والشرطة وبخاصة ما يسمى جيش المهدي والمتابعين لظروف الصدامات المسلحة التي حدثت في السابق والحالية بين هذه المليشيات والشرطة والجيش أو فيما بينها يصل للحقيقة المرّة أن المليشيات أصبحت جيشاً علنياً وليس سرياً يعادل الجيش والشرطة المركزيين وهنا تكمن مأساة المواطنين العزل.. قد يتبادر للذهن العديد من الاستفسارات المشروعة: لماذا هاذ التلكأ في تسليح الجيش والشرطة والأموال موجودة وتسرق بالمليارات؟ فقد صرح الدكتور علي علاوي وزير سابق أثناء برنامج ( 60 ) الذي تبثه ( سي بي أس ) الأمريكية حول اتفاق بـ ( 400 ) مليون دولار لأسلحة منتهية صلاحياتها و ( 400 ) أخرى جرى الاستيلاء عليها حيث تقدر السرقة بــ ( 800 ) مليون دولار وأشار " هي إحدى السرقات الكبرى في التاريخ وان المسؤولين العراقيين الفاسدين يتجولون في أنحاء العالم " وبتقديرنا أن الذين كشف عنهم لا يشكلون إلا النزر القليل من الفاسدين الجدد الذين تفوّقوا على المسؤولين السابقين في النظام السابق بـ 100%، وإذا كان هذا ليس السبب الرئيسي فلماذا لا يريد الأمريكان وغيرهم تسليح الجيش بالسرعة الممكنة؟ وهل يصح القتال ضد هذه المجوعات غير القانونية بدون قوة جوية حديثة تملك من الطائرات المتنوعة ما يكفي لحماية القطعات العسكرية أو الطرقات والحدود؟ الكثير من الاستفسارات والشكوك حول عملية قبول الأفراد أو تسريع عملية التسليح الحديث فمن يقول، ان الأمريكان لا يرغبون بهذا التسليح خوفاً على تواجدهم المستقبلي ومن يقول، ان تمكين الجيش وجعله قوة عسكرية لا بأس بها قد يقوم بانقلاب عسكري، ومن يقول أن الأمريكان يردون جيشاً ضعيفاً لترضية إسرائيل وتطمينها في المستقبل، ومن يقول إذا سلح الجيش واعد بشكل جيد فهو بالنتيجة سوف يفرض الأمن وينهي الاضطرابات وبالتالي عدم وجود حاجة لبقاء القوات الأجنبية، ومن يقول أن الحرامية الجدد الذين سرقوا ومازالوا يسرقون أموال الشعب هم الذين ساهموا بعدم تسليح القوات المسلحة، وما علينا نحن الذين نموت كمداً وقهراً وحزناً وتقتيلاً، إلا وأن نصدق اتهام الأمم المتحدة على لسان المجلس الدولي التابع لها الذي تشكل عام ( 2003 ) لمراقبة إدارة موارد العراق بقرار من مجلس الأمن الذي يشير إلى التجاوزات والسرقات والفساد وعدم التخطيط وسوء الإدارة وغيرها من القضايا المنافية للقوانين التي أدت إلى إهدار للثروات النفطية.
لكن الأكيد أن جيشاً أو شرطة بهذه الأسلحة العادية جداً وهذه الاختراقات وهذا التباطؤ في البناء ليس بامكانهم ممارسة دورهم الداخلي والخارجي بشكل صحيح وسيبقى الجيش الأمريكي والبريطاني محور مهم وهذا الاستنتاج أكده في الفترة الأخيرة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن حيث تناول بشكل مفصل أوضاع القوات المسلحة العراقية الحالية عدداً وأسلحة والقوة البحرية والجوية وأشار أن الدعم العسكري لن يستغنى عنه حتى عام ( 2008 ) أما الدعم الفني الاستشاري فسوف يستمر إلى نهاية ( 2010 ) وتصح استنتاجاتنا السابقة بان مشغلي الفتنة والاضطرابات ونسف الأمن الداخلي من جميع الجهات هدفهم البقاء على القوات الأجنبية أطول فترة ممكنة في العراق وباعتقادنا هم نجحوا في ذلك.
فمن باب المسؤولية الوطنية وشرف الضمير وعفة الأيدي الإسراع في حل عقدة تسليح القوات المسلحة بالأسلحة الجديدة المتطورة والناس الأكفاء التي أصبحت كداء السرطان لا يمكن الشفاء من بعضه إلا بالقطع أما الانتظار على أساس ان الزمن كفيل بحل الإشكاليات والصعوبات والمعوقات فذلك حلم أفلاطون في جمهوريتة الخيالية التي لم تتحقق حتى في زمنه غير المعقد مثلما هو الحال في الوقت الراهن.