| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

الثلاثاء 21/7/ 2009



ثورة 14 تموز التغيير والتراجع

مصطفى محمد غريب

في كل عام احتفاء أو انتقاداً تنشر عشرات المقالات في وسائل الإعلام وفي المواقع الالكترونية يشير فيها كاتبيها على مكانة ثورة ( 14 تموز 1958) في التاريخ وأهميتها في تغير مسارات العراق وتحقيق الاستقلال الوطني والقوانين التقدمية التي سنت في العديد من المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية أما الذين يقفون في الخندق الآخر فهم يحاورون قضية أحادية الجانب إلا وهي تأثير انقلاب( 14) تموز ( هكذا يطلقون عليها ) السلبي على عموم المفاصل الأساسية في العراق وهم يكررون تهمة أنها أدت إلى مجيء حكام وأحزاب قومية دكتاتورية في توجهاتها وسياساتها حرمت العراق من تطوره الطبيعي حيث يشيدون بالنظام الملكي وعصره الذهبي على حد مزاعمهم وقسماً من هؤلاء يحاولون وضع اللوم على القوى الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي لان هذه القوى ساندت التغيير التقدمي ذو الطابع الوطني مما أدى إلى مأساة مجيء حزب البعث العراقي في انقلابي ( 8 شباط 1963 الدموي و17 تموز 1968) الذي ادخل العراق في متاهات من الحروب الداخلية والخارجية وتم تسليمه إلى الاحتلال الأمريكي بسبب سياسته.

أن ثورة 14 تموز لم تكن حدثاً عارضاً جاء نتيجة رغبات شخصية أو حزبية ضيقة وهذه القضية لم يجري التطرق إليها بشكل تفصيلي وليس كما يدعي البعض أنها كانت انتقالة من حالة إلى حالة بشكل عفوي أو قسري بالضد من إرادة التاريخ والتطور الطبيعي، وهذا التغيير كان ملزماً وضرورياً بسبب التراكمات الكمية النضالية والقول أن حركة الضباط الأحرار هي الفاعل الوحيد في التغيير هو تجني على مواقف ونضالات الشعب العراقي ومطالبته بالتحرر الوطني من تبعيته للاستعمار البريطاني وإطلاق الحريات الشخصية والعامة وحل مشاكله الاقتصادية والمعيشية كما انه تجني على القوى الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي وكذلك جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست عام ( 1957) أي قبل اندلاع الثورة ولن ندخل بتفاصيل الأحداث التاريخية التي أدت إلى التغيير لأنها باتت معروفة ونشرت في عشرات من الكتب ووسائل الإعلام بما فيها تلك التي تدعي أن ثورة 14 تموز عبارة عن انقلاب كسائر الانقلابات العسكرية التي حدثت من اجل السلطة والاستفادة منها تحت طائلة الحجج الكثيرة التي ساقتها وفي مقدمتها تحقيق الوحدة العربية والحرية والاشتراكية وتحرير فلسطين لكنها وبمجرد استلام السلطة تعود مرتدة أكثر ممن سبقها في الحكم واكبر مثال انقلابي حزب البعث المذكورين أعلاه ، ألا أن الثورة لم تستمر وبدأت ترواح في مكانها بعدما حققت بعض النجاحات في مضامير التحرر الوطني والتحرر الاقتصادي وانفراج الحياة السياسية وبخاصة الشهور الأولى التي تلت الثورة وسرعان ما بدأ النكوص إلى الوراء وبدأت الحجج تنساق والاتهامات توجه للقوى الحقيقية التي كانت تريد من الثورة أن تمضي لاستكمال مرحلة التحرر الوطني وإلى تحرير الاقتصاد والاعتماد على تطويره وفق آليات وطنية ثم استكمال التحولات الاجتماعية اللازمة التي هي القاعدة الأساسية لكل تغيير واستمرت قوى الضغط الرجعي بهدف تدمير الثورة ومعانيها الوطنية وكانت تتمثل بحزب البعث العراقي والقوى القومية المتطرفة وقوى متعددة من بقايا النظام الملكي فضلاً عن الضغوط والتدخلات الخارجية وفي مقدمتها القيادة المصرية الناصرية وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي قدمت دعماً منقطع النظير لهذه القوى بما فيها تقديم السلاح والدعم المادي والمعنوي لكن النكوص كانت له مسببات داخلية إضافية ساعدت على نجاحه وهي السياسة المتراخية تجاه أعداء الشعب العراقي والعودة إلى المربع الأول في معاداة الديمقراطية والحزب الشيوعي العراقي ولقد تم حجز الآلاف بقرارات من الحاكم العسكري العبيدي بحجة قانون التشرد وأكثر هؤلاء مثقفين وكوادر علمية ونقابيين معروفين كما أحيل العشرات من الشيوعيين والديمقراطيين إلى المحاكم العرفية العسكرية المعروفة السيئة الصيت وفي مقدمتها محكمة العقيد شمسي حتى وصل الأمر وبسبب الوشايات والدعايات إلى إصدار أحكام قرقوشية تصل مداها إلى عشرات السنين لتهم تافهة ملفقة منها ( الإلحاد وشتم الأئمة وتمزيق القرآن الكريم وهم كانوا الفاعلين الحقيقيين) ثم أصدرت هذه المحاكم العديد من أحكام الإعدام نفذت مباشرة بعد انقلاب ( 8 شباط 1963 ) الدموي وبسبب تراجع الحكومة حينذاك أمام قوى الردة وتساهلها اعتماداً على قول الزعيم عبد الكريم قاسم " عفا الله عما سلف " فقد شنت هذه القوى هجمة شرسة مختلفة الأساليب والأعمال البربرية وفي مقدمتها اغتيال المئات ليس من الشيوعيين والديمقراطيين فحسب بل حتى المستقلين أو الذين كانوا يؤيدون قاسم نفسه وتطورت الهجمة لتشمل الاستيلاء على قيادة الجيش وفرقه العسكرية وإعادة الضباط الذين كانوا يتآمرون علنا وجهراً إلى القوات المسلحة وإبعاد الضباط الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين المخلصين لقضية الثورة وتطورها عن مواقعهم العسكرية المهمة وانتقلت الهجمة رويداً رويداً لتشمل الوزارات والدوائر الحكومية والنقابات والاتحادات النقابية المهنية والجمعيات الفلّاحية والكثير من منظمات المجتمع المدني واعتقال قادتها الحقيقيين واستبدالهم بعناصر معادية للتغيرات التي حدثت بعد 14 تموز ، هذه الإجراءات المعادية للديمقراطية وقواها الوطنية الحيّة وغيرها من القوانين فضلاً عن التآمر الداخلي والخارجي أدت إلى إيقاف مسيرة الثورة وعدم استكمالها مراحلها الطبيعية في التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والانتقال إلى الدولة المدنية الدستورية التعددية ذات الدستور الدائم وإنهاء مرحلة سيطرة العسكر على مقاليد السلطة كما ساهمت في آخر الأمر على قيام انقلاب( 8 ) شباط المذكور وحينها انفضحت الادعاءات القومية المزيفة بالوحدة الفورية والتضامن العربي والقضية المركزية وكان الاتجاه وقد نفذ فعلاً وليس قولاً فقط جعل العراق حمام دم نال مئات الآلاف من العراقيين الوطنيين على مختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم التي تختلف عن أفكار وأيديولوجيات الذين سيطروا على السلطة .

إن ثورة 14 تموز 1958 الوطنية التحررية لم تستمر في طريقها الصحيح بسبب المعوقات التي ذكرناها وغيرها من المعوقات الأخرى وقد أجهض مشروعها الوطني التحرري على الرغم من نزاهة قائد الثورة عبد الكريم قاسم ووطنيته غير المشكوك بها وعلى الرغم من مرور ( 51 ) عاماً وسيطرة القوميين المتطرفين وحزب البعث البعثصدامي ( 35 ) عاماً على السلطة في انقلاب 17 تموز 1968 الذي لا يختلف من حيث الجوهر عن انقلاب 8 شباط 1963فأن مشروعها الوطني التحرري، السياسي والاجتماعي ما زال مستمراً ولم يستكمل إلى حد هذه اللحظة بل هناك مهمات أضيفت لتحقيقه ومنها الاحتلال الأمريكي في ( 2003 ) بعدما تحرر العراق من ربقة التبعية الاستعمارية وقضايا أخرى في مقدمتها التحرر الوطني والسعي من اجل قيام دولة مدنية دستورية ديمقراطية وتعددية تعتمد القانون وانتقال السلطة سلمياً وتحقيق العدالة الاجتماعية للحد من التوجهات الطائفية والقومية الضيقة واعتماد مبدأ المواطنة لجميع العراقيين وفي مقدمتها التعددية الفكرية والدينية والعرقية هذه المهمات وغيرها ستكون كفيلة ليس في إنجاز مرحلة التحرر الوطني والاجتماعي فحسب بل المضي إلى أمام بعدم عودة الدكتاتورية والتسلطية على مقاليد السلطة واحترام إرادة الشعب العراقي


 


 

free web counter